عدنان أحمد
بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها النظام السوري والمليشيات الموالية له في ريف حماة الشمالي في الأيام الأخيرة، وتحديداً فقدانه قرية الحماميات وتلّها الاستراتيجي، أدت استعانة النظام بالمليشيات الموالية لإيران في هذه المعارك، إلى استعادته السيطرة على القرية وتلّها، بعد معارك عنيفة سقط فيها عشرات القتلى، فيما كانت هذه المليشيات تمتنع قبل ذلك عن المشاركة المباشرة والعلنية في معارك إدلب ومحيطها. بالتوازي مع ذلك، كانت قوات النظام، ومعها الطيران الروسي، تكثّف من عمليات القصف على محافظتي حماة وإدلب، مستهدفة محاور القتال مع الفصائل المسلحة، إضافة إلى المناطق السكنية والبنى التحتية في عمق مناطق المعارضة، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. وأسفرت عمليات القصف الجوي والمدفعي عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وفق “الدفاع المدني” في إدلب، الذي أفاد بسقوط قتلى وجرحى نتيجة استهداف حي القصور في مدينة إدلب بغارة جوية، ما تسبّب أيضاً في اندلاع حرائق في المنطقة. كما قُتل طفلان وأصيب 7 مدنيين جراء 4 غارات جوية نفذتها طائرتان حربيتان على مدينة معرّة النعمان في ريف إدلب الجنوبي. كما قُتل 5 على الأقل وجرح 22 آخرون جراء قصف جوي من النظام بصواريخ شديدة الانفجار على الأحياء السكنية في مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، فيما قُتلت امرأة جراء قصف من طيران النظام المروحي ببراميل متفجرة على مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي. وسبق ذلك، ارتكاب طائرات النظام الحربية مجزرة في مدينة جسر الشغور، ذهب ضحيتها ستة مدنيين على الأقل. في غضون ذلك، تواصلت الاشتباكات في ريف حماة الشمالي الغربي بين مقاتلي الفصائل وقوات النظام مع المليشيات المساندة لها، والتي أسفرت عن تمكّن الأخيرة من استعادة السيطرة على قرية الحماميات وتلّها، بعدما تقدّمت إليهما الفصائل في وقت سابق وسيطرت عليهما لمدة أقل من 48 ساعة. وذكرت مصادر من المعارضة المسلحة لـ”العربي الجديد”، أن الاشتباكات استمرت بين الطرفين، أمس، في محور تل الحماميات عقب انسحاب مقاتلي الفصائل من القرية في ظل القصف الجوي المكثّف من الطيران الحربي التابع للنظام والطيران الروسي. وأوضحت أن قوات النظام شنّت ثماني هجمات متتالية مدعومة بالطيران الحربي والقصف الصاروخي والمدفعي المكثّف، إذ شنّت قرابة مائة غارة جوية على مساحة صغيرة، وهو ما أجبر مقاتلي المعارضة على الانسحاب إلى محيط البلدة. وأوضحت المصادر أن قوات النظام حشدت أيضاً قوات نخبوية كبيرة لاستعادة القرية، شملت “قوات خاصة” من النظام ومليشيات “لواء القدس” إضافة إلى وحدات من “حزب الله” اللبناني، التي تشارك لأول مرة بشكل مباشر في معارك إدلب، مشيرة إلى مقتل نحو 90 عنصراً للنظام والمليشيات المساندة له خلال الاشتباكات التي استمرت عدة ساعات داخل قرية الحماميات، في حين قُتل نحو 23 عنصراً من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، إضافة إلى ستة مقاتلين من الفصائل الأخرى. ونعت صفحات موالية للنظام مقتل قيادي من “حزب الله” في معارك ريف حماة، يُدعى موسى حسن ناصر، وهو ملقب بـ”أسد الدبابات”، وهو يتحدر من ريف حلب. وتأتي الأهمية الاستراتيجية لتلة الحماميات بسبب رصدها لمنطقة كرناز بشكل كبير وطريق كرناز الشيخ حديد، إضافة إلى عدد من المناطق في ريف حماة. وقال مصدر عسكري في المعارضة لـ”العربي الجديد”، إن مشاركة عناصر “حزب الله” والمليشيات الإيرانية في المعارك جاء من خلال انخراطها ضمن تشكيلات “الفيلق الخامس” الموالي لروسيا، مشيراً إلى أن هذه المشاركة جاءت بضغط من روسيا بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات النظام والمليشيات المدعومة من روسيا. ورأى عبد الوهاب عاصي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن إيران لا تستطيع أن تقف طويلاً على الحياد في معارك ريفي حماة الشمالي الغربي واللاذقية الشمالي، خصوصاً “حين تشعر أن قوة النظام العسكرية بدأت تتقوّض، حينها سوف تزجّ بقوتها البريّة في المحاور نفسها لكن تحت مسمّى الفيلق الخامس أو غيره من القوات بشكل لا يعكس مشاركتها المباشرة”. واعتبر مراقبون أن عدم مشاركة تشكيلات عسكرية محسوبة على إيران في معارك حماة من بدايتها، يرتبط بحسابات عدة لدى الطرفين الإيراني والروسي، إذ سعى الروس في بداية المعارك إلى إبعاد إيران وميلشياتها عنها بغية توجيه رسالة “لمن يهمه الأمر”، وتحديداً الولايات المتحدة وإسرائيل، بأن روسيا تعمل فعلاً على تحجيم نفوذ إيران في سورية. كذلك فإن إيران والمليشيات الموالية لها تدرك أن معارك حماة وإدلب ستكون مكلفة بشرياً نظراً لأن الفصائل هناك تقاتل بشراسة، إذ لا مفر أمامها سوى القتال أو الموت. بينما نجاح قوات النظام في استعادة الحماميات بعد مشاركة قوات من “حزب الله”، ربما يكون قد ساهم في إيصال رسالة إيرانية بأنه يصعب على روسيا والمليشيات التي تدعمها تحقيق تقدّم كبير على الأرض بلا إيران. ومع تواصل المعارك بين كر وفر، توقع محللون أن يواصل النظام السوري وروسيا القصف والغارات على منطقة إدلب ومحيطها من دون إطلاق هجوم كبير. فيما تتواصل المشاورات بين موسكو وأنقرة، وأجرى المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، مباحثات في تركيا حول الوضع في محافظة إدلب، وفق بيان للخارجية الروسية. وقال البيان إنه جرى خلال اللقاءات “تبادل الآراء حول التسوية السياسية للأزمة السورية، مع التركيز على استكمال عملية تشكيل اللجنة الدستورية وإطلاق عملها”، والتحضيرات لعقد لقاء دولي جديد ضمن صيغة أستانة حول سورية، مطلع شهر أغسطس/ آب المقبل.
المصدر: العربي الجديد