وائل عصام
في أحدث تفاعلات التوتر المتصاعد في إدلب بين بعض القوى الثورية المقربة من مؤسسات المعارضة السورية و»تحرير الشام»، أعلنت الأخيرة عن تشكيل لجنة عليا للرقابة، لمواجهة تصاعد الانتقادات التي تعرضت لها «هيئة تحرير الشام» مؤخرا، وكان أبرزها من أبو العبد أشداء، المسؤول الإداري في إحدى الكتائب العسكرية التابعة لها «جيش عمر بن الخطاب»، وعلى الرغم من إصدار «تحرير الشام» لبيان فصل بحق أشداء، إلا أنها قامت باعتقاله مباشرة بعد إصدار البيان، واعتقلت معه ناشطا إعلاميا يقيم في إدلب، هو أحمد الرحال عرف بانتقاداته مؤخرا لسياسات الهيئة.
وعلى الرغم من أن الانتقادات للهيئة باتت ذائعة على لسان الكثيرين في إدلب، وتتحدث عن انتشار الفساد المالي في بعض قطاعات الهيئة، إلا أن هذه الانتقادات الداخلية، لم تصدر حتى الآن من شخصيات ذات وزن ثقيل عسكريا أو إداريا داخل الهيئة، وداخل الكتلة القيادية الصلبة الموالية للجولاني، والمشكلة أساسا من قيادات كانت في فتح الشام ومن قبلها النصرة، بل إن عددا من القيادات العسكرية في «جيش عمر بن الخطاب» نفسه، الذي ينتمي له أشداء كمسؤول إداري، أعربوا عن استيائهم من كلامه، ومنهم المسؤول العام لـ»جيش عمر بن الخطاب» أبو إبراهيم عندان، وهو صاحب كتاب فصله، وهو نفسه القيادي المعروف في ريف حلب الشمالي، أبو إبراهيم سلامة، القائد السابق لجبهة النصرة في ريف حلب الشمالي، إلى جانب إبراهيم سلوم وقبلهم يوسف الجانودي، وقد حظيت النصرة بقاعدة شعبية معقولة في تلك المنطقة، مستفيدة من الحضور الاجتماعي والأداء العسكري المتماسك اللذين تميزت بهما مجموعات تلك القيادات الثلاث في ريف حلب، وهي كلها قيادات شكلت نواة النصرة في تلك المنطقة منذ عام 2012 حتى قبل الانشقاق الذي حصل مع تنظيم «الدولة»، والذي تطور إلى نزاع دام بينهم في حلب ومحيطها وطرد تنظيم «الدولة» وإبعاده إلى مشارف حلب الشرقية حيث مدينة الباب .
النواة الصلبة التي يعتمد عليها الجولاني في «تحرير الشام»، الممثلة بعدد من قادة النصرة سابقا، ما زالت متماسكة، وعلى الرغم من أن الجناح القاعدي الاكثر تطرفا المقرب من الظواهري، والذي كان ضمن النصرة ايضا، يكن الكثير من العداء لقيادة الهيئة، إلا أن الجولاني نجح في تحجيم أثر كل المخالفين لسياساته، سواء من الفصائل المنضوية في الجيش الحر كفصيل جمال معروف وحركة حزم، أو من فصائل إسلامية منافسة كأحرار الشام، أو تيار قاعدي انشق مؤخرا عن قيادة الهيئة .فمعظم الشخصيات التي ما زالت متذمرة من قيادة الجولاني ترتبط بواحدة من تلك التكتلات، وحتى أبو العبد أشداء، ليس سوى كادر سابق في «أحرار الشام» انضم للهيئة قبل أن يفشل على ما يبدو في الاندماج، كما حصل مع رفيقيه السابقين أبو شعيب وأبو اليقظان اللذين تم فصلهما سابقا من قبل الهيئة، ليبقى أشداء مهمشا .
وعلى ما يبدو، فإن «تحرير الشام» تحاول السماح بهامش من الانتقادات لها، في إطار التنفيس عن غضب البعض من سياساتها، فبينما اعتقلت أحد الناشطين، إلا أنها لم تتحرك ضد إعلامي أمريكي مسلم مقرب من الجهاديين، هو بلال عبد الكريم، قام بزيارة زوجه الناشط الرحال واستمع إلى روايتها وأجرى لقاء معها وقام ببثه من داخل إدلب، وقد أجرى لقاء كذلك مع أبو العبد أشداء بعد انتقاداته وقبيل اعتقاله مباشرة، وكذلك خرج قيادي عسكري مقرب من الجهاديين، هو الأسيف عبد الرحمن، بشريط مصور يهاجم فيه «هيئة تحرير الشام»، بعد سلسلة الاعتقالات التي شنتها، ولكن هذا لم يمنع تواصل بعض المظاهرات المعارضة للهيئة في إدلب، التي تلقى رواجا إعلاميا من خصوم التنظيمات الجهادية في المعارضة السورية، وإن كانت أعداد المشاركين في تلك المظاهرات محدودة.
المصدر: القدس العربي