الدراية والنباهة أن تنتبه لكل ما يهدد المجتمع بشكل عام، ولا ترتبط بمستوى معرفي بقدر ما ترتبط بحساسية المجتمع تجاه أي مرض مجتمعيّ يمكن أن يعصف به، فعلى المستوى الفردي ينتبه الفلاح البسيط مثلا بفطرته البسيطة تجاه أي خطر يهدد زراعته وكذلك أي إنسان بسيط تجاه أي خطر يهدد بقاءه أو ذهاب رأس ماله . لكن النباهة العامة الاجتماعية لدينا تجاه ما يهدد مجتمعنا ضعيفة جدًا لدرجة أننا لم ندرك الصالح العام. ولم ننتبه للكثير من المخاطر المحدقة بنا حتى وقعت وأصبح المجتمع السوري متوزعًا بين أيادي مجهولة أولها مشروع خارج سورية وهذا المشروع مختلف تمامًا عن المشروع التحرري الديمقراطي السوري.. بالإضافة إلى وقوف الناس واصطفافهم من الذين سعوا للتغيير خلف شخصيات مجهولة أو من (الطيبين البسطاء) وهذا أعظم وصف ممكن لهم . في ظل هذا الضعف/ للنباهة الاجتماعية / سلكت القاعدة وداعش وهما العدو الأمثل للنظام وكذلك التنظيمات المصنوعة صناعة والميليشيات الانفصالية التي لها هدف آخر غير أن تبقى سورية محررة واحدة . مستغلين ضعف الإحساس العام و التنبّه لدى المجتمع السوري المريض بكل طبقاته المثقفة والعامة لينشئوا شيئاً آخر بعيد تماماً في غفلة الشارع العام . وحتى السوريين تحت نفوذ النظام وقعوا أيضاً رهائن من حيث لا يشعرون تحت السيطرة الروسية والإيرانية و حزب الله .. ويطل سيدهم الأسد يحدثك عن القومية العربية ومواجهتها للمشروع الأجنبي.. بالإضافة إلى العلويين الذين لم ينتبهوا لما هو مفيد لهم ولمصلحتهم ولمستقبلهم فأصبحوا مادة خام وأداة للفرد الواحد ليبقى هو إلا من تفلت منهم وابتعد.. هذه الاستقطابات و التجاذبات وما تحمله من كوارث وقعنا فيها جميعًا كمجتمع سوري والذين تنبّهوا قلّة نادرة لكن كانت البلاهة العامة هي المسيطرة، وماذا يصنع قلّة من المتنبّهين أمام جيش من البساطة والبلاهة آنذاك، سوى أن ترى المصير الذي يتجه إليه المجتمع … لكن التوجّه العام كالسيل الجارف توقفه صخرة من هنا ومن هناك.. وربما نذكّر الناس بما حذّرناهم منه وحذّرهم كثيرون، لكن بقيت ذكرى وندم على أطلال ماضي.. نعم لقد ازداد مستوى النباهة اليوم وشعر الناس بما قد حصل لكن هذا كان متلأخّرا جدا وبدأنا نلحظ في صفوف الثورة استنكارا ورفضاً لكل ما يحصل الآن ولم يكونوا منتبهين له.. و كذلك التململ في صفوف السوريين تحت نفوذ النظام أو –قسد- أو القاعدة .. وهنا تظهر صيحة واستنكار هناك، ومظاهرة أخرى تقمع من هذه القوة. (وهذه بداية النباهة رغم أنها متأخرة جدًا ….) _ سيبقى هناك أناس بلا نباهة وغلبت عليهم البلاهة يسيرون مع الغاوين لكن بدؤوا يتناقصون .. وحتى كثير من اللقاءات تجري في دول الاغتراب بين السوريين بمختلف انتماءاتهم العرقية والدينية و حتى انتمائهم الحالي أو تأييدهم للقوى على الأراضي السورية بدؤوا جميعًا يشعرون أن هناك هدف جمعهم يختلفُ عن توجّه هذه القوى والهدف هو هدف وطني بحت ، وأن السنين الماضية من الاصطفافات الخاطئة يجب التخلّص منها لكنّهم الآن أقل قدرة و تأثيراً بسبب الهيمنة الدوليّة على سورية لكن أقول : يبقى هؤلاء أهل الأرض ولو رجعنا إلى عشرينيات القرن الماضي كانت سورية مناطق نفوذ دولية تخلصت وبنت نفسها لكن لم يكن القصر الاجتماعي قد نضج بين السوريين وانتماءاتهم . ولم تكن النباهة الاجتماعية لتصل لحالة عامة سرعان ما وقعوا في غفلة نعيش اليوم عامها السابع والأربعين من خطف سورية لحكم الفرد الواحد المستبد و(كل السوريين) لديه أداة يستعملها كيفما يشاء ويعبث بالبلد كيفما يشاء … لكن بزوغ حالات للخلاص والتعافي بدأت تلوح في الأفق قد تطول لكن الخلاص قادم بإذن الله فالتنبّه والتخلّص من البلاهة هو بداية العافية.
د- عبدالله تركماني تُعتبر العدالة الانتقالية خياراً هاماً بعد التغيير في الدول التسلطية، كما هي حالة سورية بعد سقوط سلطة...
Read more