أمين العاصي
تتبع قوات النظام السوري سياسة “القضم” التدريجي لمناطق المعارضة السورية في الشمال الغربي من البلاد، لاستعادة السيطرة على الطرق الدولية، من خلال إخضاع الريفين الجنوبي والجنوبي الشرقي من محافظة إدلب، فمن الواضح أن هذه القوات تضع مدينة معرة النعمان على رأس أهدافها. ومن المتوقع تطور التصعيد في ظل حديث روسي عن نيّة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) فبركة سيناريو استخدام الأسلحة الكيميائية لاتهام موسكو والنظام، ما يؤكد نية الروس توسيع نطاق العمل العسكري في إدلب. في المقابل، لا تزال منطقة شرقي نهر الفرات في شمالي شرق سورية حامية الوطيس، مع بروز مؤشرات على أن تطورات ميدانية مرتقبة في الأيام المقبلة، من الممكن أن تغير الكثير من معادلات السيطرة، إذ من المتوقع أن ينتقل الصراع إلى مستويات أكثر خطورة.
وفي استمرار للتصعيد العسكري الذي بدأ مطلع الشهر الحالي من قبل النظام وحلفائه الروس، قصفت الطائرات المروحية التابعة للنظام، أمس الثلاثاء، بالبراميل المتفجرة بلدة ترملا ومحيط مدينة كفرنبل وبلدة ابلين وأطراف بلدة بلشون وقرية الشيخ مصطفى في ريف إدلب الجنوبي، تزامناً مع قصف بالمدفعية والصواريخ من قوات النظام السوري على قرى وبلدات سحال والبرج والبريصة والتح وتحتايا وبابولين وأم جلال وأم التينة بريفي إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي. وتزامن القصف مع تجدد الاشتباكات بين قوات النظام والمعارضة السورية المسلحة في محاور قرى تل دم وشحال والفرجة والتينة بريف إدلب الجنوبي الشرقي.
وكانت قوات النظام قد تقدمت على حساب فصائل المعارضة السورية يوم الاثنين الماضي، فسيطرت على قرى عدة في ريف إدلب الشمالي الشرقي وباتت على بعد نحو 20 كيلومتراً من مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي. ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عن مصدر في قوات الأخير قوله إنه وبعد سيطرة هذه القوات على بلدة المشيرفة الاستراتيجية، فإنها تتبع تكتيك توسيع قاعدة هيمنتها في المنطقة، عبر قضم المزيد من القرى والبلدات المتاخمة لمناطق نفوذه، بدلاً من التمدد في العمق، باتجاه الطريق الدولي الذي يصل حماة بحلب، في المنطقة التي تصل خان شيخون بمعرة النعمان. كما نقلت الصحيفة عمن سمّتهم “خبراء” أن قوات النظام “تفرض بالنار تطبيق النسخة المعدلة من اتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي”، مشيرين إلى أن الاتفاق نص على تسليم النظام طريق عام حماة حلب، مقابل وقف عمليته العسكرية التي سيطر خلالها على بلدات ومدن ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون وبلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي.
وفي خطوة تسبق أي تصعيد واسع النطاق في الشمال الغربي من سورية، ادّعت وزارة الدفاع الروسية أن “هيئة تحرير الشام” تخطط لاستفزازات باستخدام مواد كيميائية في إدلب. كما ادّعت الوزارة وصول مجهولين وقافلة من ثلاث شاحنات محملة بحاويات كيميائية مختلفة إلى مدينة سرمدا في ريف إدلب برفقة مسلحين في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي. ونقلت الوزارة عن شهود قولهم إن إحدى الشاحنات احتوت على معدات فيديو احترافية وشظايا ذخيرة جوية ومدفعية تحمل علامات سوفييتية وروسية. ومضت الوزارة الى حد القول إن من سمتهم بـ”الإرهابيين” يقومون بانتقاء أفراد من السكان المحليين للمشاركة في تصوير مشاهد ستقدم على أنها تظهر آثار الغارات الجوية واستخدام المواد السامة. ويؤكد السيناريو الذي تروج له وزارة الدفاع الروسية أن الأخيرة تخطط لحملة قصف جوي واسع النطاق في الشمال الغربي من سورية، وتحاول التغطية على المجازر التي سترتكب من خلال هذا السيناريو المفترض.
وكان الروس قد استخدموا الغازات السامة في الغوطة الشرقية في العام الماضي لإجبار المعارضة السورية على الاستسلام، وهو ما حدث فعلاً. كما يواصل الطيران الروسي تدمير كل مرافق الحياة في محافظة إدلب، خصوصاً المراكز الطبية، على ندرتها، لدفع المعارضة السورية في الشمال الغربي من سورية إلى إجراء تسوية هي أقرب للاستسلام.
ميدانياً، في تطور عسكري وميداني غير متوقع، قصف طيران مجهول، ليل الاثنين، مواقع في منطقة “درع الفرات” في ريف حلب الشمالي الشرقي الخاضعة للنفوذ التركي. وأوضحت مصادر محلية أن طائرات نفذت ما يقارب 8 غارات على تجمعات مصافي النفط في ريفي جرابلس والباب.
وبحسب مصادر محلية، فإن أصحاب المصافي يشترون النفط الخام من مناطق سيطرة “قسد” ويقومون بتكريره وتزويد مناطق إدلب وريفي حلب الشمالي والشرقي بالمحروقات، مشيرة إلى أن الطائرات المجهولة قصفت “حراقات” نفط بدائية قرب قرية ترحين في منطقة الباب، شرق مدينة حلب، شمالي سورية، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص. ونقل موقع “بلدي نيوز” الإخباري المعارض عن المتحدث الرسمي باسم “الجيش الوطني” التابع للمعارضة، الرائد يوسف الحمود، تأكيده أن “الطيران الذي أغار على المناطق المحررة في شمالي حلب، ليل الاثنين، هو طيران روسي”. وأضاف أن هدف هذه الغارات هو تدمير مراكز تكرير النفط وزيادة معاناة الشعب والضغط عليه أكثر من أجل إخضاعه.
كما قُتل وجرح عناصر من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، فجر أمس الثلاثاء، بقصف مدفعي من الجيش التركي في محور تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي، وفق مصادر مقربة من هذه القوات. وأضافت المصادر أن القصف تركز على قرى تل ورد وربيعة الشرقية وربيعة الغربية في محور تل تمر، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف “قسد”، فضلاً عن وقوع خسائر مادية.
وعلى محور عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، نقل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من الجيش التركي مزيداً من المدرعات والدبابات إلى قرية الخالدية قرب الطريق الدولية “أم 4″، تزامناً مع تحليق مكثف لطيران الاستطلاع التركي فوق المنطقة. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الجيش الوطني السوري استهدف بالقذائف الصاروخية والرشاشات الثقيلة، بعد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، مناطق سيطرة “قسد” بمنطقة أبو رأسين، شمال بلدة تل تمر، لافتاً إلى أن الطائرات المسيرة التركية لا تفارق الأجواء.
سياسياً، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العملية العسكرية التي أطلقتها قوات بلاده في شمالي شرق سورية ضد “قسد” ليست مقيدة بجدول زمني محدد. وقال في حديث مع الصحافيين أثناء عودته من قطر التي زارها يوم الاثنين الماضي، إن القوات المشاركة في العملية التي بدأت في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيّدت ألفاً و230 إرهابياً منذ انطلاق العملية. وجُرح عدة أشخاص، أمس، بانفجار سيارة مفخخة في مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة بريف حلب الشمالي الغربي.
المصدر: العربي الجديد