طوال سنوات كانت فكرة البدل الداخلي مطلباً تكرره الصفحات الموالية للنظام السوري في مواقع التواصل الاجتماعي، كطريقة للخلاص من الخدمة الإلزامية في سوريا الأسد من دون شرط السفر خارج البلاد، مثلما يقتضي القانون الحالي، قبل أن تواجه الطرح الرسمي المفاجئ لها، خلال الأسبوع الجاري، بالتشكيك والانتقاد.
ورغم أن الفكرة كانت تقابل دائماً بالرفض الرسمي، مع رؤية النظام للسوريين ضمن شريحتين، الأولى خائنة يجب القضاء عليها والثانية مشاريع جنود تخدم بقاء الدولة، فإن الصفحات الموالية هاجمت الفكرة من أساسها، بعدما تم طرحها في مجلس الشعب ووسائل الإعلام الرسمية، كتمهيد ربما لتعديل قانون خدمة العلم.
ولا يشكل انقلاب الشارع الموالي على النظام في مثل هذه القضايا أمراً جديداً، فالنظام روج طوال عشر سنوات لعناصر جيشه وأعطاهم قدسية ضمن البيئة الموالية من خلال أسطورة “انتصار الجيش على الإرهاب”، وكان هنالك تحقير دائم لمن يتهرب من الخدمة العسكرية أو يدفع البدل النقدي ويسافر خارج البلاد في وقت الأزمات.
هذا الزخم الدعائي ترافق دائماً بإهمال رسمي لعساكر النظام، بداية من سرقة مخصصات الطعام الضئيلة الخاصة بهم وصولاً إلى تعويضات الجرحى أو القتلى التي لا تتعدى أحياناً سلة من البرتقال أو شهادات التقدير. وأفرز ذلك تضارباً في وجهات النظر بين النظام وبيئته الموالية التي تفسر هذا الإهمال بالفساد الذي “لا تعرف عنه القيادة الحكيمة شيئاً”.
ومع الأزمة المالية التي يعيشها السوريون، حيث يقبع نحو 80% منهم تحت خط الفقر بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن مقترح البدل الداخلي في هذا التوقيت، مثل صفعة جديدة للسوريين البسطاء الذين يريدون حماية أولادهم من الخدمة العسكرية التي تبدأ ولا تنتهي، كما أنه جسد معنى الطبقية التي تعاني منها البلاد حالياً، حيث لا يستفيد من هذا المقترح سوى أبناء المسؤولين ورجال الأعمال المرتبطين بالنظام، ممن يمتصون دماء السوريين، بمناسبة ومن دون مناسبة.
ولطالما كرر الموالون أن الفقراء هم من حموا النظام من السقوط بما في ذلك أبناء الأغنياء الذين كانوا في السنوات الماضية قادرين على التملص من الخدمة العسكرية بالرشاوى والمحسوبيات والسفر خارج البلاد. وزادت هذه النقمة مع المقترح الجديد، فيما قدمت بعض الصفحات حلولاً مثل أن تكون “خدمة الطالب الجامعي أو صاحب المهنة كل واحد ضمن اختصاصه مع تحديد السقف الزمني للخدمة وبراتب جيد”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُثار فيها الحديث في أروقة النظام عن البدل النقدي الداخلي، بل تم تداول الموضوع بين العامين 2015 و2017، عبر وسائل إعلام شبه رسمية وبطريقة أشبه للتسريبات، غير أن الخطاب الرسمي لطالما نفى أي نية لدى النظام للسير بهذا الاتجاه، فيما تبرز اليوم معطيات جديدة مثل حاجة خزينة الدولة السورية للقطع الأجنبي، وتقديم حلول وهمية للقول أن هنالك إصلاحات سياسية في البلاد، بما في ذلك المواضيع الحساسة مثل التجنيد الإلزامي، بالتوازي مع الطروحات الروسية الخاصة بنهاية الحرب في البلاد.
المصدر: المدن