رامي القليوبي
عد مصادقة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على أسماء خمسة وزراء جدد، يستهل الفريق الحكومي الجديد عمله بمواجهة مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، في ظلّ الموجة الثانية من فيروس كورونا، وسط تسجيل نحو 20 ألف حالة إصابة يومية جديدة في عموم أنحاء روسيا. ويجمع محللون سياسيون على أن التعديل الوزاري يعكس صراعاً بين مجموعات النفوذ بالحكومة الروسية مع سعي رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، إلى التخلص من إرث سلفه دميتري ميدفيديف.
وشمل التعديل الوزاري المفاجئ حقائب الطاقة، والنقل، والبناء، والموارد الطبيعية والبيئة، وتنمية الشرق الأقصى ومنطقة القطب الشمالي، بالإضافة إلى تعيين وزير الطاقة السابق، ألكسندر نوفاك، نائباً لرئيس الوزراء، بعد زيادة عدد نواب رئيس الوزراء من تسعة إلى عشرة. وبرز اسم نوفاك بقوة بصفته مفاوضاً فعّالاً مع الدول المنتجة للنفط، في إطار إبرام صفقة “أوبك+” لخفض الإنتاج في نهاية عام 2016، وأثناء الموجة الأولى من وباء كورونا في الربيع الماضي، حين تسنّى إشراك الولايات المتحدة في الاتفاق. ما ساهم في تعافٍ نسبي لأسعار النفط وتجنّب الموازنة الروسية انهياراً حتمياً.
ومن مؤشرات وضع الخبرة في مجال الأعمال ضمن مقاييس اختيار الوزراء الجدد، تعيين مدير عام الخطوط الجوية الروسية “أيروفلوت”، فيتالي سافيلييف، وزيراً للنقل، ورئيس مجموعة “روس هايدرو” القابضة، نيكولاي شولغينوف، لحقيبة الطاقة خلفاً لنوفاك. كما شمل التعديل الوزاري تعيين رئيس صندوق تنمية الشرق الأقصى، أليكسي تشيكونكوف، وزيراً لتنمية الشرق الأقصى ومنطقة القطب الشمالي، خلفاً لألكسندر كوزلوف، الذي تولى حقيبة الموارد الطبيعية والبيئة. كما عُيّن إيريك فايزولين، وزيراً للبناء، بعدما كان نائباً أول للوزير السابق، فلاديمير ياكوشيف.
في هذا الإطار، اعتبر مدير عام مركز المعلومات السياسية في موسكو، أليكسي موخين، أن التعديل الوزاري الحالي لم يكن مفاجئاً، مرجحاً أن بوتين وميشوستين وجّها من خلاله رسالة مفادها، أن تشكيلة الوزراء ليست “بقرة مقدسة” لا يمكن استبدالها. وأضاف موخين في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “على ما يبدو جرت مناقشة التعديل خلال فترة استمرت بين أسبوعين وشهر، وهو متعلق بصراع مجموعات النفوذ، إذ يسعى ميشوستين للتخلص من فريق ميدفيديف. كما أن قائمة الوزراء المقالين تضمنت اسمين يشتبه بارتباطهما بكبار رجال الأعمال. أما تعيين نوفاك نائباً لرئيس الوزراء، فكان أمراً متوقعاً قبل فترة، ولكن تم تأجيله بسبب فضائح فساد في محيطه، فتطلبت الانتظار للتأكد من أنه بمنأى عنها”. وخلص إلى أن تقييم أداء الحكومة الروسية بعد التعديل الوزاري، سيعتمد على قدرتها على التعامل مع أزمة كورونا وتحقيق مشاريع قومية كبرى.
وعلى عكس التعديلات الوزارية السابقة، جرت التعيينات هذه المرة وفقاً للدستور الروسي المعدل في العام الحالي، والقانون الجديد، مما اقتضى أن يحيل ميشوستين أسماء المرشحين للحقائب غير السيادية إلى مجلس الدوما (النواب) لمناقشتهم ونيل دعم اللجان البرلمانية المعنية.
ورأى مدير برنامج “المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية” في مركز “كارنيغي” في موسكو، أندري كوليسنيكوف، أن التعديل الوزاري الحالي لا يمكن وصفه بأنه عمل سياسي بامتياز. وعزا الهدف الرئيسي منه، إلى السعي لإظهار مفعول العمل النشط واختبار القانون الجديد لتشكيل الحكومة.
وقال كوليسنيكوف في تعليق لصحيفة “نوفايا غازيتا” ذات التوجهات الليبرالية المعارضة، إنه “مع التعديلات الجديدة، حصل الدوما على فرصة لمناقشة ترشيحات الوزراء بعناية أكبر، وهذا ما سيقوم به خلال الفترة المقبلة. ومن الأسهل القيام بذلك مع الوزراء غير المثيرين للتساؤلات ولا يمكن أن يكون هناك أي نقاش حولهم من ناحية المبدأ: أغلبهم تكنوقراط بامتياز وخبراء متخصصون في مجالاتهم. لا مواضيع للمناقشة هنا، ولكنه يمكن تمرير الإجراء والقول إنه تم تفعيل الدستور الجديد”. أما ترقية نوفاك، فأرجعها كوليسنيكوف إلى نوع من الامتنان له على حسن أدائه في قطاع الطاقة، مع تكريسه نظام “رأسمالية الدولة”، مما قد يشكل له نقطة انطلاق جديدة في مسيرته المهنية.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي، أليكسي ماكاركين، أن التعديل الوزاري يأتي استكمالاً لتشكيل فريق ميشوستين بعد تقدم حكومة ميدفيديف باستقالتها في يناير/كانون الثاني الماضي. وقال ماكاركين لـ”نوفايا غازيتا”: “تعرف رئيس الوزراء على مرؤوسيه الذين استمروا منذ حقبة ميدفيديف، وهو ما دفعه إلى إقالتهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشاكل تواجهها البلاد تتطلب إجراء تغييرات، متعلقة بكورونا وتحقيق المهام التي تم وضعها أمام الحكومة الجديدة أصلاً”.
وكان بوتين قد اعتمد آلية جديدة لتشكيل الحكومة، تقتضي أن ينظر الدوما في ترشيحات الوزراء الجدد باقتراح من رئيس الحكومة، مما مهّد للتعديل الوزاري الحالي، بما يتناسب مع تعديل الدستور، الذي شمل إلى جانب “تصفير” عدد ولايات بوتين، إصلاحاً لمنظومة توزيع السلطة بين فروعها.
المصدر: العربي الجديد