أعاد الرئيس السوري بشار الأسد قضية الودائع السورية في المصارف اللبنانية إلى دائرة الضوء والجدل، في ضوء أن معظم هذه الأموال، بمعزل عن حجمها الذي يتعذر تحديده، تعود إلى أفراد سوريين عاديين وتجار يحملون الجنسية اللبنانية، أو لمن يتم تصنيفهم ضمن فئة غير المقيمين التي يمكن أن يكون في عدادها أفراد يقيمون في سوريا أو خارجها.
وكان الأسد قد قال، أمس، في خطاب بمناسبة بدء ولايته الرابعة رئيساً لسوريا، إن «العائق الأكبر أمام الاستثمار في البلاد يتمثل في الأموال السورية المجمدة في البنوك اللبنانية المتعثرة»، وأضاف أن «بعض التقديرات تشير إلى أن ما بين 40 مليار دولار و60 ملياراً من الأموال السورية مجمدة في لبنان».
وإذ يبرز تباين رقمي واسع، قياساً بتقديرات سابقة، فإن التصريحات المستجدة للرئيس السوري لا تخرج عن سياق مماثل سبق أن أدلى به في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، حيث أشار إلى أن «السبب الرئيسي» وراء الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا يعود إلى ودائع السوريين المحتجزة في مصارف لبنان، مقدراً أن «ودائع السوريين في المصارف اللبنانية ما بين 20 و42 مليار دولار». وقال الأسد: «لا نعرف ما هو الرقم الحقيقي، وهذا الرقم بالنسبة لاقتصاد مثل اقتصاد سوريا هو رقم مخيف».
وأبدى مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط» استغرابه من «التكرار الممل لهذه المقولات التي تتناقض تماماً مع طبيعة الأعمال المصرفية والمالية»، وعد أن «جنسية أي مودع لا تمنح دولته الأصلية حق الشراكة بأمواله في الداخل، فكيف إذا كان الحديث عن ودائع خارج البلاد! وبالتالي هل يحق للدولة اللبنانية مثلاً أن تحتسب أموال الملايين المودعة في بنوك خارجية لعاملين في الخارج والمغتربين، وأيضاً لآلاف من المقيمين الذين يحوزون حسابات في بنوك إقليمية ودولية؟»، ويجيب متهكماً: «لو كان ذلك ممكناً، لأصبح لبنان أغنى بلد في العالم، قياساً باغتراب ما يوازي 4 أضعاف المقيمين في ربوعه، بل سيفضي هذا الاحتساب الخاطئ تماماً إلى فوضى عارمة في قيود كل البنوك حول العالم».
وفي المقابل، تظهر أحدث البيانات المصرفية أن إجمالي ودائع «غير المقيمين» في البنوك اللبنانية نحو 26 مليار دولار، من أصل ودائع إجمالية تبلغ نحو 135 مليار دولار، بينها نحو 32 مليار دولار محررة بالليرة، ومحتسبة بسعر 1507 ليرات فقط للدولار الواحد. وهذا يعني في عملية حسابية بسيطة أن تقديرات الرئيس السوري لودائع «السوريين» تماثل بحدها الأدنى 154 في المائة من بند ودائع غير المقيمين، ونحو 30 في المائة من إجمالي الودائع، لترتفع بحدها الأعلى إلى 230 في المائة و45 في المائة على التوالي.
وبالاستدلال الموضوعي، تقدر مصادر مصرفية أن تكون حصة السوريين المقيمين وغير المقيمين، ومن غير حملة الجنسية اللبنانية من بينهم، التي تم اعتمادها في عقود فتح الحسابات، بما يتراوح بين 6 و7 مليارات دولار في أعلى الاحتمالات، علماً بأن المصارف اللبنانية كافة عمدت منذ سنوات إلى التشدد البالغ في قبول فتح حسابات لسوريين بسبب العقوبات الدولية والسيادية على النظام السوري، وآخرها تفعيل قانون «قيصر» الأميركي منتصف العام الماضي الذي يشمل في بنوده حظر أي تعاملات مالية ومصرفية يمكن أن يستفيد منها النظام السوري.
وقد سبق للرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمود، أن قدر «قيمة ودائع السوريين في لبنان بنحو 6 في المائة من إجمالي الودائع؛ أي أنها لا تتجاوز 7 مليارات دولار»، منوهاً بأن «الجزء الأكبر من ودائع السوريين في المصارف اللبنانية يعود إلى أفراد لا علاقة لهم بالأعمال التجارية».
وبمعزل عن المدلولات الرقمية الصريحة، يشير المسؤول المصرفي إلى أن الأزمة السورية بدأت في عام 2011، وتفاقمت اقتصادياً بفعل الحصار الخارجي والعقوبات الدولية، في حين أن البنوك اللبنانية لم تكن تضع، قبل اندلاع الأزمة النقدية أواخر عام 2019، أي عوائق أو قيود تخص إدارة الحسابات والسحوبات والتحويلات، سواء داخل البلد أو إلى الخارج، وبالعملة التي يختارها العميل. لكن هذا التقدير، وفقاً للمسؤول المصرفي، لا يعني مطلقاً أحقية تحريك أي حساب سوى للمودع شخصياً، وضمن الشروط الواردة في العقد الثنائي الذي أبرمه مع المصرف. كما يقتضي التنويه أن البنوك لا تميز في تعاملاتها، ولا تصنف زبائنها بحسب جنسياتهم، وفقاً للأنظمة واللوائح الصادرة عن السلطة النقدية السارية منذ عقود، إنما يتم الفصل في الميزانيات بين فئتي العملاء المقيمين والعملاء غير المقيمين.
المصدر: هنا لبنان