أمين العاصي
حاول المبعوث الأممي غير بيدرسون، خلال زيارته العاصمة السورية دمشق أمس السبت، البحث في إمكانية عقد جولة سابعة من اجتماعات لجنة مناقشة تعديل الدستور في جنيف، قبل نهاية العام الحالي، في ظل تعويله على تحريك عجلة العملية السياسية من بوابة عقد الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد كانت الأمم المتحدة تخطط لكتابته منذ عدة سنوات.
وكانت اللجنة الدستورية المشكّلة من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، قد عقدت في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي جولة سادسة، انتهت بالفشل كسابقاتها.
وبرأي عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إبراهيم جباوي، فإن المبعوث الأممي “جاء إلى العاصمة السورية دمشق بإيعاز من الجانب الروسي، في محاولة لتحديد موعد للجولة السابعة من مفاوضات اللجنة الدستورية خلال الشهر الأول من العام المقبل”. وأضاف، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنه ربما ينجح لأن موسكو تريد ذلك.
واستبعد جباوي استقالة المبعوث الأممي من منصبه في المدى المنظور، بسبب رفض النظام تسهيل مهام الأمم المتحدة في سورية، في إطار العملية السياسية. ورأى أن بيدرسون تماهى كثيراً مع الموقفين الروسي والإيراني في سورية، مشيراً إلى أن وظيفة بيدرسون “مختلفة عن وظيفة أسلافه من المبعوثين الأمميين”.
واعتبر جباوي أن المبعوث الأممي ليس وسيطاً بين النظام والمعارضة، بل مسهّل ليس أكثر للجنة الدستورية، لذلك لا أعتقد أنه سيعلن فشله ويستقيل كما فعل أسلافه (كوفي عنان، الأخضر الإبراهيمي، ستيفان دي ميستورا).
ولم يستطع الدبلوماسي النرويجي تحقيق أي اختراق مهم في العملية السياسية، التي تراوح مكانها منذ توليه المهمة خلفاً لدي ميستورا، الذي أعلن استقالته في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة الراحل كوفي عنان، أول مبعوث للأمم المتحدة في سورية، وأشرف على صدور بيان جنيف 1 في منتصف عام 2012، والذي دعا إلى عملية انتقال تنهض بها هيئة حكم كاملة الصلاحيات، تتشكل من شخصيات من النظام والمعارضة.
واعتمد مجلس الأمن الدولي هذا البيان الذي تحول إلى مرجعية المفاوضات التي جرت بين المعارضة والنظام منذ ذلك الحين، ولكن لم تفض إلى شيء.
في سبتمبر/أيلول 2012، أعلن عنان استقالته بعدما بلغت مساعيه لتسوية القضية السورية سلمياً طريقاً مسدودة بسبب الانقسامات في مجلس الأمن الدولي.
ولم تنتظر الأمم المتحدة طويلاً قبل تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي مبعوثاً جديداً، لكنه استقال في مايو/أيار 2014 من منصبه لأنه “واجه صعوبات جمّة بسبب انقسام المجتمع الدولي حيال الطريقة المثلى للتعامل مع الأزمة السورية”.
وكان الإبراهيمي يدفع باتجاه تشكيل حكومة انتقالية تضم شخصيات من النظام والمعارضة، إلا أنه قرر الاستقالة بعد إعلان رأس النظام بشار الأسد إجراء انتخابات رئاسية جديدة في ذاك العام، في نسف كامل لكل جهود الأمم المتحدة. وفي يوليو/تموز 2014، تمّ تعيين دي ميستورا مبعوثاً أممياً، قبل استقالته في عام 2018.
على صعيد آخر، يسعى النظام السوري الظهور بمظهر الحريص على إيصال المساعدات الدولية من مناطقه إلى نحو أربعة ملايين مدني في الشمال الغربي من سورية الخارج عن سيطرته، في محاولة إعلامية لتغيير آليات إدخال هذه المساعدات إلى البلاد واعتماده طرفاً وحيداً في الحصول عليها وتوزيعها، ما يخوّله استخدامها ورقة ضغط سياسية.
ويوم الخميس الماضي، دخلت قافلة مساعدات إنسانية إلى محافظة إدلب عبر معبر الترنبة، القريب من مدينة سراقب، عند تقاطع الطريقَين الدوليَين “أم 4″ (حلب ـ اللاذقية) و”أم 5” (حلب ـ دمشق)، قادمة من مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، وذلك ضمن برنامج الأمن الغذائي العالمي التابع للأمم المتحدة.
وانطلقت هذه القافلة، التي استقرت في مستودعات في بلدة سرمدا، عبر خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً).
والقافلة عبارة عن 17 شاحنة محمّلة بالمواد الغذائية ومستلزمات أساسية، وفق بيان وزارة الخارجية الروسية، الذي توقع بدء توزيع المساعدات الإنسانية في نهاية الشهر الحالي.
وجاء في البيان أن “هذه العملية تمّت ضمن إطار الجهود الدولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2585، الخاص بتحسين الإمدادات الإنسانية إلى مختلف المناطق السورية من دمشق عبر خطوط التماس”.
وكان مجلس الأمن الدولي اعتمد، منتصف العام الحالي، قراراً بالإجماع، يجدد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية لمدة سنة، عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية.
وينص القرار على تجديد معبر باب الهوى لفترة أولى مدتها 6 أشهر، مع تمديد لـ6 أشهر إضافية، أي حتى 10 يناير/كانون الثاني المقبل، من دون الحاجة إلى تصويت جديد بعد صدور تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بذلك. وكان النظام السوري اعترض على تجديد الآلية المعتمدة منذ عام 2014، لأنها “تنتهك السيادة السورية” وفق ادعاءاته.
وحول هذه التطورات، ينظر الباحث في مركز “الحوار السوري” ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى مسألة دخول المساعدات من طرف النظام السوري من عدة زوايا.
ويرى جمول في الزاوية الأولى أن “التجديد لقرار إدخال المساعدات الأممية من دون إذن دمشق يقترب”، معتبراً أن دخولها من جهة النظام تأكيد للتبرير الروسي بإمكانية إدخالها بإذن دمشق وإفشال القرار الأممي مرة أخرى في مجلس الأمن، أو على الأقل لزيادة حصة النظام في مقابل أي مساومة على الموضوع.
ويعتبر جمول في الزاوية الثانية “ضرباً للتوافق بين أطياف قوى الثورة والمعارضة؛ لأن إدخال المساعدات يزيد الفرقة والتنازع في صفوف المعارضة السورية، وهذا بحد ذاته هدف للنظام وحلفائه”.
ويضع الباحث الزاوية الثالثة في سياق “تعزيز هيئة تحرير الشام قوتها وقبولها دولياً، بهذه البراغماتية العالية والتلوُّن الذي يصل لدرجة الموافقة على تمرير المساعدات من عند النظام، من دون أن تكترث برأي الحاضنة الشعبية ولا بعض الدول المؤثرة في المعارضة”.
ويشدّد جمول على أن هناك مكاسب مادية كبيرة للنظام السوري من جهة و”هيئة تحرير الشام” من جهة أخرى، من وراء المعابر التي تربط بين مناطق الجانبين، موضحاً أن هذه المعابر تدر ملايين الدولارات يومياً.
المصدر: العربي الجديد