أصبحتْ زراعة الحشيش وترويجه وتعاطيه، وترويج وتعاطي حبوب “الكبتاغون”، ظواهر واسعة الانتشار في أوساط الشباب والمراهقين في الرقة، التي انتقلت من نطاق سيطرة “الدولة الإسلامية” إلى سيطرة مليشيات “قوات سوريا الديموقراطية”، بعد حرب دموية مُدمّرة.
إحدى العاملات في مجال الإغاثة في الرقة تقول لـ”المدن”: “الحبوب المنتشرة في الرقة تحمل اسمي كبتاغول ولكزس”، وتضيف: “كله يتعاطى…حتى البنات… وطبعاً الاتحاد الديموقراطي كله يتعاطى”. وتتابع: “مصدر الحبوب تجار من حمص، وبؤر التعاطي هي مخيمات يقطنها أهل حمص وحماة في مزارع يعرب وربيعة والقحطانية”.
على الباب الخارجي لمدرسة المأمون داخل المدينة القديمة، يمكن للطلاب والمارة رؤية “بسطة” تبيع بعض “مأكولات الأطفال”، والحشيش وحبوب “لكزس”.
وبات من السهولة تمييز الشباب “المحبحبين”، متعاطي الحبوب، من هيئاتهم وسلوكهم في شوارع الرقة. أحد عناصر “قسد” المتعاطين، تحرّش بنساء من قرية المشلب، قبل نحو شهر، فردّ السكان بالتظاهر غضباً، لتطلق “قسد” عليهم النار، ما أوقع عدداً من الجرحى.
مقاهٍ مثل “أحلى طلة” و”بيسان الشام”، التي افتتحت بعد سيطرة “قسد” على الرقة، أصبحت عناوين ثابتة لتدخين وشراء الحشيش المخلوط بالمعسل. تقول مدرسة سابقة لـ”المدن”: “زبائن هذه الكافيتريات يمرون بمرحلة استدراج… في البداية تُقدم لهم الأراكيل مجاناً، قبل أن يتحول الشخص إلى زبون دائم”. وتضيف أن متعاطي الحشيش المراهقين وبائعي الماء من الفرات يتجمعون في كافيتيريا “أحلى طلة”، بينما يجتمع موظفو المجلس المدني والمنظمات في كافيتيريا “بيسان الشام” بحي الثكنة، الذي يُفرد قسماً خاصاً بالعائلات.
ويتزامن انتشار المخدرات في الرقة اليوم مع ظاهرة عودة “الشطحاويات” للعمل كنادلات في تلك المقاهي. و”الشطحاويات” أو “بنات شطحا” هي التسمية المحلية لنساء من بلدة شطحا في سهل الغاب من الطائفة المرشدية. عمل “الشطحاويات” في مطاعم ومقاصف الرقة التي تقدم الكحول، بدأ منذ العام 2009، لجذب أنواع معينة من الزبائن. حضور “الشطحاويات”، وقد كان مثار استغراب وريبة مجتمع الرقة المحافظ ما قبل الثورة، يثير في هذه المرحلة العجب نظراً لظاهر العداء بين النظام و”الإدارة الذاتية” الكردية، وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية والأمنية والصحية المتردية في الرقة والتي لا تشكل منطقة جاذبة للعمل.
ويشرف على انتشار الحشيش والكبتاغون في الرقة أشخاص لهم صلات بمليشيات “قسد”، ويرتبط بهم صيادلة أو مُستثمري صيدليات، وأصحاب مقاهٍ، بوصفهم مروجين ومستثمرين في الوقت ذاته.
مقاتل سابق في الجيش الحر من مدينة الرقة، قال لـ”المدن”، إن زراعة الحشيش “القنب الهندي” مُحتكرة بالكامل من قبل مليشيا “وحدات الحماية” الكردية PYD، ومعظم المساحات المزروعة تتركز في منطقتي عين العرب وتل أبيض. ويضيف أن المليشيات تخفي حقول الحشيش بزراعتها وسط الذرة. ويقول: “رأيت حبوب الكبتاغون لأول مرة مع بدء التحضير لمعركة الرقة. كانت المجموعات العربية المقاتلة في قسد، تحصل على حصص منها، لأنها تقاتل في الصف الأول، وأظن أن الأميركيين يعرفون ذلك”.
وتبدو هذه الظاهرة عرضاً لتفتت المجتمعات المحلية نتيجة التداعيات التالية للثورة السورية. فقد تحللت سلطة الدولة وانهارت مؤسساتها الأمنية وخرجت معظم المدن والأرياف السورية من قبضة النظام المركزي، ما أدى إلى تكاثر قوى الأمر الواقع المسيطرة وأجنداتها المتنافرة، بعد فتور ثم تراجع القوة الثورية مع نهاية العام 2012. مؤشرات وشهادات تدلل على أن انتشار زراعة الحشيش والاتجار به وترويج الكبتاغون، على نطاق واسع، قد لا تكون عفوية، بل ترتبط بسياسات من قبل بعض قوى الأمر الواقع وأمراء الحرب؛ كآليات لتدعيم وتنويع اقتصاد الحرب، وللسيطرة على شباب هذه المجتمعات، وتفتيت أواصرها الأهلية.
مُورّدُ الحشيش الأكبر في الرقة هو لقمان ساحة، القيادي في “وحدات حماية الشعب” الكردية في المنطقة، وعنده تتقاطع خيوط التجارة كلها. لقمان يؤمن الحماية وسبل الترويج والجباية، كما يتدبر أمر إزاحة وتصفية الخصوم والمنافسين في الميدان. والبعض يربط بين لقمان، وحادثتي زرع عبوات ناسفة استهدفت أولاهما صيدلية والأخرى سيارة أحد القادة الأمنيين، فيما بدا أنه تخلص من موردين منافسين وخطوط توزيع خارج نطاق سيطرته.
الإتجار بالحشيش والمخدرات يتخطى كونه إحدى النتائج الثانوية للحرب، إلى كونه جزء من سياسيات السيطرة ونقطة توافق بين أطراف سياسية تعمل على بناء أدوارها المقبلة. في الرقة اليوم التي أنهكتها الحرب، والتي يعاني سكانها من الأمراض بفعل المياه الملوثة والمختلطة بمياه الصرف الصحي، يمكن لمراهق يعمل في بيع الماء المجلوب من النهر، أو في استخراج قضبان الحديد من المباني المدمرة، أن يقضي ما تبقى من يومه مسترخياً يدخن الحشيش، فيما يتحكم مُورّدُ الحشيش بمستقبل المنطقة.
المصدر: المدن