أحمد مظهر سعدو
قيل الكثير، ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011 أن هناك معارضة داخلية ومعارضة خارجية. ويبدو أنه وحتى اليوم وبعد كل ما جرى وتوضح تحت الشمس، مازال الكثير ممن يتعاطى مع هذا التوصيف، يؤكد وجود الفصل بين الداخل والخارج، وعبر مستويات عديدة. في وقت بات يجتمع فيه الجميع من أطياف المعارضة في (هيئة التفاوض). بينما يرى آخرين غير ذلك.
ولكن يبقى السؤال هل هناك (حقًا) ما يمكن تسميته (الداخل والخارج) في الثورة السورية، أو حتى في المعارضة السورية عمومًا؟ وإلى أي حد يمكن لهذه التوصيفات أن تكون صالحة ومفيدة بعد ثماني سنوات من انطلاق الثورة السورية؟ وما مدلولاتها؟
الباحث السوري نبيل ملحم أكد لجيرون قائلًا” إن المقولة التي قسمت المعارضة السورية إلى معارضة خارج وداخل هي من صنع النظام السوري، الذي كان يرمي من هذا التقسيم شق صفوف المعارضة بشكل رئيسي، ولكن علينا أن نعترف أن المعارضة السورية كانت منقسمة منذ زمن ما قبل الثورة، وتحديدًا منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما سبقه وأعقبه في اختلاف الرهانات السياسية بين قسمين من النخب السياسية السورية المعارضة، لنجد أن قسمًا من النخب راهنت في عملية التغيير على الخارج، بل يمكن القول إنها اعتبرت مركز ثقل قوة التغيير القادم موجود في الخارج، وأقصد هنا الرهان على التدخل الخارجي العسكري الأميركي تحديدًا”. وأضاف ملحم ” لقد كثفت مقولة رياض الترك المشؤومة حول الصفر الاستعماري تبلور هذا الجناح داخل المعارضة السورية، وهو الأمر الذي وجدنا صداه وترجمته في سياسة المعارضة السورية، التي قادت الثورة، والتي تركت عملية تسليح وعسكرة وأسلمة الثورة بيد الأميركان الذين قاموا من خلال شركائهم الاقليميين بإنشاء غرفتي الموك والموم الشهيرتين، حيث نوع التسليح ونوع اليد التي تمسك البندقية كان محددها الأول والأخير هم الأميركان وشركائهم الإقليميين، وبالتعاون مع شركائهم داخل المعارضة السورية، في الجهة المقابلة لهذا الجناح من المعارضة كان هناك اتجاه معارض يرى عكس الجناح الأول إن مركز ثقل التغيير الديمقراطي القادم ينبغي أن يرتكز على قوة الداخل الشعبي، ولكن هذا الاتجاه أو لنقل الجناح الذي استطاع أن يبلور ذاته في صيغة تنظيمية محددة، تطرف في رؤيته ورهانه على الداخل إلى الحد الذي جعله يرفض أي نوع من أنواع الاستفادة من الخارج، وهو الأمر الذي وسع من الهوية بينه وبين الجناح الأول الذي وضع كل بيضه في سلة الخارج، فكانت النتيجة هذا الانقسام الحاد بين النخب السياسية المعارضة ، أما عن النخب المعارضة التي أصبحت تمثل الآن المعارضة في بعض الهيئات كهيئة التفاوض وغيرها، فهي لا تعدو حطامًا أو بقايا حطام، هذا الجناح أو ذاك ممن اختاروا الارتزاق المالي والسياسي من خلال وجودهم في هذه المواقع والهيئات”.
أما الكاتب السوري المعارض عقاب يحيى فتحدث لجيرون بقوله ” قبل الثورة وبعدها كتبت عن واقع المعارضة وأزمتها، وقد عشت فيها جلّ عمري، وكنت بالداخل ثم اضطررت للخروج، وباستمرار كانت نغمة داخل وخارج موجودة، وهناك شعور لدى العديد بالداخل أنهم الأصل والأساس، وأن الخارج يظلّ هامشيًا، ناهيك عن التوصيفات والاتهامات بعلاقات مع قوى خارجية. للأسف، الحقيقة الأكبر أنه لا الداخل ولا الخارج، كان له دوره الفاعل في قيام الثورة، ومعظمنا تفاجأ بها، والبعض تأخر في إعلان تأييده، ثم انخراطه فيها، والثورة شبابية بأساسها فجّرها جيل، أو أجيال لا علاقة لها بالأحزاب القائمة، وكثيرهم كان ينظر باستخفاف لحجم ودور المعارضة بكل أطيافها، ومحاولة ركوب الثورة.” وتابع قائلاً ” إشكالية الثورة الأكبر في عدم ولادة قيادة من صلبها، ويعود ذلك لطبيعة الحالة السورية التي كانت سائدة عشية الثورة، واستهداف النظام للصفوف الأولى من قادة الثورة حيث قام بتصفية أبرز الناشطين، وحتى من الصفّ الثاني، وسهّل بوسائل خبيثة لخروج أعداد كبيرة منهم إلى الخارج، بما سمح لظهور نوعيات شبابية أقل خبرة وقدرات، وفتح المجال لقوى المعارضة (التاريخية) بأن تلعب دورًا يفوق حجمها الحقيقي في الداخل والخارج. من جهة ثانية وعبر تطورات الوضع خرج العديد من قيادات الداخل وتموضع بعضهم في مواقع قيادية كالمجلس الوطني والائتلاف، كإعلان دمشق، وحزب الشعب، والعديد من الناصريين الذين انفكوا عن الاتحاد الاشتراكي، وبعض أعضاء حزب العمل الشيوعي السابقين، ومن حزب العمال الثوري. لسنوات كانت الفجوة كبيرة بين من يعتبرون أنفسهم قوى الداخل ومن عمل في الأطر الخارجية، ووصلت الاتهامات مستوى خطيرًا، خاصة باتهام من في الداخل بالعلاقة مع النظام الذي يسمح لهم بالسفر والمشاركة في ذلك هيئة المفاوضات، ثم تخفيف حدّة الخلافات عبر عدد من الحوارات، ومن خلال تطور وتعقيد أوضاع الثورة ” وأضاف يحيى ” لقد التقينا مرات ومرات مع المنتمين لهيئة التنسيق، وكان مؤتمري الرياض 1 و2 مناسبة لمزيد التقارب، والمشاركة، وتجسير التباينات في المواقف السياسية. اليوم، ومع الانسداد السياسي للحالة السورية، وتدويل القضية السورية تبدو الخلافات جزئية حيث الجميع خارج المعادلة، وحيث يحاولون عبر هيئة المفاوضات السورية فعل شيء بعد مجموع المتغيّرات التي تفرض التقارب من جهة، وتكثيف الجهود لمحاولة العودة إلى المفاوضات والحل السياسي. وإلا فإن الجميع خارج المعادلة. واعتقادي أن أطروحة داخل وخارج قد عرفت انزياحات كبيرة، ولم تعد مطروحة بالحدّة السابقة، والجميع اليوم مطالب بمزيد التعاون والعمل المشترك والالتفاف حول المشتركات التي كرّسها بياني رياض 1 و2 “.
الكاتب السوري محمود الوهب أفاض لجيرون بقوله ” ما دام هناك شعب سوري متوزع في الداخل والخارج فمن المؤكد أن يكون هناك معارضتان أو أكثر. ويصعب أن تعطي لكل واحدة منها سمات محددة تختلف عن الأخرى. أعني أن تكون الواحدة أكثر جذرية من الأخرى مثلاً. يمكن أن تكون معارضة الخارج أكثر قدرة على الحركة والتعبير ممن هم في الداخل، بحسب الوضع السوري، ولكن يمكن من جهة أخرى أن تكون مقيدة بمكان إقامتها، إن لم أقل مرتهنة لهذه الدولة أو تلك. أما أن يكيل المعارضون أحيانًا بعضهم للآخر، فهذا يأتي في إطار الصراعات ضمن الصف الواحد. ففي الحوار الذي أجرته جيرون مع “حسن عبد العظيم” ممثل معارضة الداخل أو أحد ممثليها (في الداخل السوري معارضين غير منضوين تحت راية حزب أو تجمع ما..) قال الرجل: بأنَّ النظام عرض عليه ثمانية وزراء، ونائب لرئيس الجمهورية، ورفض ذلك.! بالطبع يصعب معرفة أسباب الرفض بدقة، إذ يمكن تفسير ذلك على أنه انعدام ثقة بالنظام، ويمكن القول أيضًا: أنه كمعارض يتطلع إلى نظام ديمقراطي يرى أنَّ الديمقراطية لا يمكن أن تطبق تحت مظلة النظام.” وأضاق الوهب ” في المقابل أي في معارضة الخارج، وجدنا بسبب الصراعات، من عاد إلى حضن النظام، أو من اختلف جزئيًا مع المعارضة الممثلة بالائتلاف فشكل لنفسه تجمعًا ما ودخل أو أدخل إلى هيئة التفاوض. يعني بإيجاز إن حال المعارضتين صعب، ولا يحسدان عليه. وبخاصة أن المسألة السورية اليوم كلها ليست تمامًا بيد المعارضة كما أنها ليست بيد النظام. وأرى أنَّ على المعارضة التي تعد نفسها الأصل والأساس والحريصة فعلًا على سورية والسوريين أن تضع لها هدفًا رئيسًا يجتمع حوله الجميع، وليكن مثلًا: إقامة نظام وطني ديمقراطي يفسح في المجال لتداول السلطة، ويفصل بين السلطات الثلاث، ويسمح بتشكيل أحزاب سياسية وفق دستور واضح يراعي حقوق المواطنة والمواطنين كافة، ولا يسمح بسيادة الفرد أو عبادته (كما يقال في التعابير الماركسية) مهما علت وظيفته، ولا بسيادة فئة أو شريحة على أخرى مهما كانت صفتها وميزاتها.”
الأكاديمي السوري محيي الدين بنانا وزير التربية والتعليم السابق في الحكومة السورية المؤقتة قال لجيرون ” عندما كان الثوار الحقيقيون محررين أكثر من ستين بالمئة من الأراضي السورية وكان إخوتهم في الخارج يقدمون لهم العون بكافة أشكاله المادي والمعنوي والإعلامي، في تلك المرحلة كان هناك داخل يعمل بكل إخلاص للقضاء على النظام الفاسد، وخارج يقدم لهم ما يستطيع لدعم الثورة، بالإضافة إلى ذلك كان المهاجرين السوريين قليل جدًا. أما الآن وقد أصبح السوريين المهجرين في دول العالم أكثر من أربعين بالمئة من سكان سورية فهل نستطيع أن نسميهم الخارج.” ثم نبه بنانا إلى أنه ” لابد في هذه المرحلة من اعتبار الداخل والخارج قد تم الدمج فيما بينهم ومشاكلهم، إلى حد ما أصبحت متقاربة من كل النواحي المعيشية والاجتماعية والتعليمية. وأرى أنه يجب تضافر الجهود وتوحد العمل من أجل استرجاع القرار السوري للسوريين، وتوحيد كلمتهم باتجاه تحرير سورية من الاستبداد الأسدي، والاحتلالات المركبة كلها ونسيان داخل وخارج”.
أما الكاتب السوري المعارض زكريا السقال فتحدث بقوله ” منذ فترة والأوراق تفلش والمقابلات تبث حول واقع المعارضة قبيل تفجر ثورة الشعب السوري، كتب ومقابلات وأحاديث عن المعارضة وتأسيس إعلان دمشق المغدور، أو الذي أجهض، لغاية عام 2000 كانت المعارضة الوطنية التقدمية الديمقراطية وسنشدد على الديمقراطية للسخرية، كانت كلها بالسجون إلا من نفذ بجلده كما يقال وهرب، وأنا من الذين هربوا تخفوا ووصلت ألمانيا، بألمانيا كنا مختلفين ونحمل الكثير من أمراض الأيدولوجيا والمكايدات، زرت باريس أكثر من مرة وكان علينا ان نجمع شمل هذه المعارضة ، يومها قلنا إننا حملة أمانة رفاق بالمعتقل ومبادئ ناضلنا من أجلها، لهذا علينا أن نؤطر هاتين المهمتين ونلتم ونخوض صراع فضح الدكتاتورية والدفاع عن رفاقنا، تعبنا كثيرًا من أجل هذا وامتصينا كل خلافاتنا لنحقق هذا، شكلنا لجنة تنسيق وأعلنت باسم لجنة التنسيق للمعارضة الداخلية ، كان من المشرفين عليها يوسف عبد لكي وأنا والدكتور سلطان أبا زيد، وسركيس سركيس وفاروق سبع الليل وطلال عدي.
خاضت هذه اللجنة نضالات تظاهر وتضامن وتصدير بيانات، في عام 2000 خرج المعتقلون وتحرك الوضع السوري نتيجة موت الطاغية والتوريث، وبرز في الداخل السوري نضال مهم، مجموعة أطلقت على نفسها لجان المجتمع المدني، وتابعنا تحرك الوضع بالداخل وتفجرت حركة المنتديات وتفجر حوار، برزت يومها حركة في الخارج وشكلت قوى كنا نتابعها فبرز حزب العدالة، وحزب الحداثة بألمانيا وأسماء تتحرك بأميركا وباريس ولندن.
نحن كنا نراقب هذا ولكن يومها كان لدينا موقف واضح وصريح أن هناك ثوابت لا يمكن تجاوزها وهي طرق أبواب السفارات والالتقاء بالدول فهذا أمر مرفوض ولا تفويض وطني ولا شعبي به، لهذا تصدينا بهدوء لهذا الأمر”. وأضاف ” معروف للجميع حركة وتحرك الجبيلي وعمار عبد الحميد والأحزاب التي شكلت بالخارج، انطلق إعلان دمشق وهذا موقف كان حالة جيدة حيث إنه المرة الوحيدة التي تتوافق فيها المعارضة على إعلان دمشق وعندما صدرت الوثيقة كتبت ردًا على وثيقة الأخوان الذين أيدوا وأعلنوا أنهم يؤيدون ويحتكمون لصناديق الاقتراع ، حيث قلنا الديمقراطية ليست صناديق الاقتراع، الصناديق إحدى وسائل الديمقراطية، ولم يعر كلامنا أحد وأصبحت القوى تحضر نفسها لعقد المجلس الوطني ، أذكر أن الرفيق رياض الترك كان ببرلين يومها قلنا له أوروبا جاهزة، وهي متوافقة في لجنة التنسيق الوطنية، الرفيق ريا ض قال (لا اعلان دمشق سيكون أوسع) لم يكن الجواب مقنع .
ثم عقد المجلس وبرزت التناقضات واختلف الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل، يومها قلت أنا مع إعلان دمشق طالما هو واحة ديمقراطية ويتقبل كل ملاحظاتنا وانتقاداتنا لأنه حالة توافق جماعي مطلوبة. ثم تابع يقول ” عقد في برلين اجتماع لإعلان دمشق وكنت مشرفًا عليه وكان عبد العزيز الخير أيضًا، يومها اكتشفت أن أحزاب الخارج تتمثل، وطالما أن برنامج الإعلان يضم الجميع فلابأس، الأخوة الكرد أصروا أن تتمثل مجمل أحزابهم بلجنة ألمانيا وكانوا سبعة أحزاب قلنا يومها هذا لا يجوز تنظيميًا، وسألنا كم تم تمثيلكم بدمشق، ونحن نعرف أنهم مُثلوا بشخصيتين منهم عبد الحميد درويش، ورفضت أنا من أجل عملية التصويت، وقلنا خذوا ثلاثة أعضاء فرفضوا، وقلنا تُحل من دمشق، يومها تراسلنا مع عبد الحفيظ حافظ وأيد رأينا ، إلا أن العقل المستبد رفض، وقال لا لجنة للإعلان بألمانيا واعملوا كتجمع، ازدادت الاختراقات المسلكية والتجاوزات، وخاصة أن الأخوان انضموا لعبد الحليم خدام وأسسوا جبهة الخلاص وصُرح على الملأ أن جبهة الخلاص جبهة بالخارج، وإعلان دمشق جبهة بالداخل، بمعنى حالة من البرغماتية تسود وتعامل مع لجانه بعقل الولدنة ، واكتشفنا بأننا أمام عقل مستبد يفعل أي شيء لتثبيت رأيه وإن الجميع بدوامة من البرغماتية فلا خارج ولا داخل هناك عقل يرى الحقيقة وعلينا وعلى مجمل القوى طاعته، تركت إعلان دمشق وكنت مسؤول لجنة ألمانيا ولا أحد سأل ولا أحد استفسر، ما أريد قوله أن هذا العقل الذي يرى الاستباحة للأرض والإنسان السوري كان مريضًا وهشًا لدرجة البكاء، ومازال ولا خارج ولا داخل الكل خارج عن المنطق والوعي وداخل بسبات ومرض قاتل “.
أما المعارضة السورية ناديا عقيل فقد اكتفت بالقول: ” لا يوجد معارضة داخلية وخارجية يوجد مخلصين للوطن وهم قلة قليلة، وتجار كثر في الداخل والخارج.”
المصدر: جيرون