هبة محمد
من وجهة النظر الروسية يبدو أن لا مفر من حوار البنادق والتلويح بالعمل العسكري على أرض إدلب شمال غربي سوريا، حتى انصياع الأطراف الفاعلة إلى حل سياسي، يخلق واقعاً جديداً يشمل تنازلات من المعارضة السورية وحليفها التركي باتجاه تحقيق الأهداف الروسية، والى ان تلين الأطراف المعنية، لا بد أن تلجأ موسكو إلى عمليات القصف كنوع من المناورة وممارسة الضغوط.
المنهج الروسي يظهر على شكل استمرار التصعيد العسكري على إدلب واريافها، وتعزيز مواقع ميليشياتها المحلية، بآليات عسكرية متطورة، ترجمه سياسياً الرئيس فلاديمير بوتين رئيس الاتحاد الروسي في قمة بكين بتصريحه حول «انتصار النظام السوري» وحول العمل العسكري في إدلب، بيد ان الباحث السياسي لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي ادرج هذه التصريحات في سياق ممارسة موسكو مزيداً من الضغوط من اجل الدفع بمسار استانة واللجنة الدستورية وفق الرؤية الروسية.
قيود دولية
وقال لـ «القدس العربي» ان اللاعب الروسي يدرك أنه لا بد من التلويح بالعمل العسكري كورقة ضغط لتحصل تنازلات من الجانب التركي ومن المعارضة السورية ليس إلا، فضلاً عن محاولته اختبار مدى استمرار الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه إدلب وتقدير حدود التصعيد الروسي الممكن به.
لكن ثمة قيوداً عدة تدركها موسكو وتعقد حساباتها فيما يتعلق بشن عملية عسكرية كبيرة على إدلب، أولها حسب المتحدث ان «حليفه النظام السوري في وضع داخلي صعب لا يمكنه من السير في عملية عسكرية مكلفة، وحاضنته في مزاج ناقم وغير مستعدة لتحمل المزيد من الخسائر، فضلاً عن أن قوات الجيش مستنزفة ورغم ما يقال عن تزايد أعداد المنضوين للخدمة العسكرية، لكنهم يفتقدون للخبرة العسكرية والتدريب الكافي للمشاركة في عمليات عسكرية كبرى، كذلك ظهرت مؤشرات على تنافس سلبي واحتكاك واضح في عدة مناطق بين قوات موالية لروسيا وأخرى موالية لإيران».
وتحدث الدسوقي عن أولويات إيران الراهنة التي تتمثل بتعزيز تواجدها في مناطق الشرق والجنوب السوري، وبالتالي فإنها غير معنية بمعركة استنزاف لقواتها في إدلب، لذلك تدرك روسيا أنه لا يمكن التعويل على الحليف الإيراني في شن أي عملية عسكرية على إدلب، والأهم مما سبق استمرار الموقف الأمريكي المعيق لأي عملية عسكرية روسية كبرى في إدلب، وفي ظل هذه القيود من الطبيعي أن تلجأ موسكو إلى عمليات القصف كنوع من ممارسة الضغوط لا أكثر، وفي المقابل ستقوم فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام بالرد لتكون الصيغة العسكرية والأمنية الحاكمة لملف إدلب «تصعيد مضبوط».
وتشهد إدلب، زيادة في مستوى القصف الجوي والصاروخي لليوم التاسع على التوالي، حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان تنفيذ الطائرات الحربية الروسية 4 غارات ظهر الاثنين وذلك بمشاركة الطائرات الحربية التابعة للنظام مستهدفة خلالها مناطق قرية ترملا وأطرافها بجبل شحشبو في ريف إدلب الجنوبي الغربي، كما استهدفت بالرشاشات الثقيلة بلدة قلعة المضيق بسهل الغاب، وسط تحليق متواصل للطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع في سماء ريفي إدلب وحماة.
في حين قصفت قوات النظام أماكن في بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي ومناطق أخرى في محور كبانة والتلال المحيطة بها في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وقريتي الشريعة والحويز في ريف حماة الشمالي الغربي، كما جددت قوات النظام قصفها لمناطق في بلدة قلعة المضيق وقرية الصهرية في ريف حماة الشمالي الغربي، على صعيد متصل استهدفت الفصائل بالقذائف الصاروخية مناطق في محور قرية الرصيف في ريف حماة الغربي والخاضعة لسيطرة قوات النظام.
ونفذت قوات النظام قصفاً مدفعياً مكثفاً على منطقة مخيمات للنازحين ومحيط قرية شير مغار التي تتواجد فيها النقطة التركية في ريف حماة الشمالي الغربي، ما أسفر عن مقتل مواطنين اثنين وسقوط جرحى، حيث عمد النازحون في وقت سابق إلى إقامة خيم بدائية على مقربة من النقطة التركية هرباً من هول العمليات العسكرية المتصاعدة.
وفي هذا الاطار تحدث العقيد فاتح حسون رئيس وفد استانة العسكري سابقاً، لـ»القدس العربي»، عن أسباب التصعيد، حيث أوضح انه ومنذ اجتماع قمة سوتشي حول إدلب والاتفاق بين الرئيسين التركي والروسي، تحاول روسيا الفرار من الاستحقاقات المترتبة عليها، في ظل زعمها تأجيل العمل العسكري الذي سيؤدي لإزهاق أرواح المدنيين وتهجيرهم، وتذرعها بعدم تطبيق الثوار باقي بنود الاتفاق المتعلقة بالمنطقة العازلة، وعدم حل التنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب، وفتح الطريقين م 4 وم 5، وتسيير دوريات مشتركة مع تركيا، وحقيقة الأمر أنها لم توقف القصف واستهداف المدنيين وتسببت بنزوح عشرات الآلاف من المدنيين من قراهم ومدنهم خوفاً وهلعاً من الإجرام الذي تمارسه بشكل ممنهج، مما يعيق تنفيذ باقي البنود.
ضغط في كل الاتجاهات
ويبدو أن روسيا لم تصعد لهذه الأسباب فقط، حسب القيادي المعارض، بل كذلك للضغط على المعارضة من أجل قبول الأسماء المختلف عليها في اللجنة الدستورية، وأيضاً للضغط على تركيا كي لا تتقارب مع الولايات المتحدة، وللضغط على أوروبا التي تتخوف من موجات لجوء جديدة. وبالتالي القصف المستمر على إدلب ومحيطها تستخدمه روسيا لتحقيق أكثر من غاية.
اما بالنسبة للموقف التركي، حسب حسون، فأنقرة «تبذل جهوداً سياسية لمنع أي عملية عسكرية على منطقة إدلب، وتحاول قدر الإمكان منع روسيا من التصعيد واستهداف المنطقة، وتعزز نقاط المراقبة التابعة لها، وتزج بقواتها فيها في رسالة لروسيا بأنها لا يمكن أن تترك المنطقة وحيدة، وبأنها تعني أمنها القومي» واعرب المتحدث عن جزمه بأن تركيا لن تنتقل إلى مرحلة الصدام العسكري معها، وهذا ما تعيه فصائل الجيش الحر التي تضع الخطط اللازمة لرد أي هجوم ممكن أن تقوم به روسيا جواً وقوات نظام الأسد والقوات الإيرانية براً.
ويقرأ حسون تهديدات بوتين بعدم استبعاده قيام عملية عسكرية في إدلب، بان «موسكو تهدد فقط، ولن تستطيع شن أي عملية لكثير من الأسباب، منها الرفض التركي القاطع لذلك، والتأييد الدولي للموقف التركي، وعدم توفر القوى القادرة علىشن الهجوم براً، واستعدادات الجيش الحر وغيره من الفصائل لتنفيذ أعمال واسعة في محيط منطقة إدلب وخارجها، وبالتالي نسف كل الاتفاقيات والتفاهمات الروسية التركية، وهذا ما لا ترغب به لا روسيا ولا إيران من ورائها، في ظل العقوبات الاقتصادية المطبقة عليهما».
المصدر: القدس العربي