أحمد مظهر سعدو
ماتزال قضية المعتقلين السوريين تراوح في مكانها، وما يزال أكثر من 300 ألف معتقل ومعتقلة يقبعون في سجون بشار الأسد، حيث يخرج النظام السوري بين الفينة والأخرى بقوائم منها قد فارقت الحياة، تحت دعاوى أنها غادرت نتيجة أزمات قلبية أو ما يشبه ذلك. وسط صمت مريب من العالم أجمع، وفي سياق عمليات تأجيل مستمرة لهذه المسألة المهمة جدًا للشعب السوري المنكوب، اعتقالًا وموتًا، وتدميرًا وتهجيرًا.
ورغم بعض الدور الذي تقوم به المعارضة السورية. فهي تتهم دائمًا بالتقصير في موضوع وقضية المعتقلين. وتحمل المسؤولية لتقصير اقترفته، ولفشل تعيشه في قضية يفترض أنها (فوق تفاوضية). فمن المسؤول فعلًا عن هذا التقصير ولماذا؟ هذا ما حاولنا أن نوجه أسئلتنا به وهو السيد ياسر الفرحان رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين / عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، وهل يوافق أن هناك تقصيرًا ما في أدوار المعارضة ضمن ذلك؟ حيث أجاب قائلًا
” أهالي المعتقلين يعيشون القلق واللوعة بانتظار أحبائهم، ولديهم دوافع محقة في المطالبة بإحراز نتيجة مرضية وملموسة لم تتحقق بعد؛ ومعرفة أسباب ذلك يستدعي بحث ثلاثة نقاط؛ بتحليل سلوك النظام، وعرض مواقف المجتمع الدولي، وتقييم أداء المعارضة. الاعتقال خارج القانون، الاختفاء القسري، التعذيب والتصفية وكافة ضروب المعاملة اللاإنسانية أوصاف لسلوكيات متجذرة لدى النظام منذ أن استولى الأسد الأب على السلطة في سورية، مترسخة في ممارسات أجهزته لنصف قرن مضت، ممنهجة في شكل تعاطيه مع المعارضة قبل وخلال الثورة، متعمدة كأحد أهم مرتكزاته في الحكم بنشر الرعب في صفوف الشعب”. وأضاف الفرحان ” المجتمع الدولي يمضي في المعالجة بخطوات بطيئة، انتقل خلالها من التوثيق إلى التحقيق، ومن التحقيق إلى المساءلة بتحريك دعاوى شخصية ضد رموز النظام في عدد من محاكم أوربا وأميركا، ولهذا أهمية قصوى، لكن طريق العدالة يستغرق وقتًا طويلًا (لا بد منه) وإنقاذ من تبقى يستدعي اتخاذ إجراءات عملية عاجلة. منذ قرارات مجلس الأمن ابتداءً من 2042 و2043 لعام 2012 المتضمنة نقاط كوفي عنان الستة، وليس انتهاءً ب 2254 المعتبر مرجعية لمفاوضات الحل السياسي تنص جميعها على الإفراج عن المحتجزين، لكنها بقيت حبرًا على ورق بسبب ضعف الإرادة الدولية في مواجهة الفيتو الروسي، أو باتخاذ إجراءات خارج مجلس الأمن، مثل قانون سيزر الأميركي الذي طال انتظار صدروه بعدما أقره مجلس النواب في الكونغرس أول مرة في 2016 وصادق عليه مجلس الشيوخ خلال العام الحالي. ” ثم قال “هناك أطراف دولية تهمس لحل قضية المعتقلين من خلال الاتفاق النهائي على التسوية السياسية، تحت ذريعة استمالة النظام للمفاوضات، بمنحه فرص المشاركة في مخرجاتها؛ الأمر الذي لا يستقيم ( من وجهة نظرهم ) مع حجم الفضيحة إذا ما أُطلق سراح المعتقلين وأُفصح عن مصير المفقودين وكُشف واقع مراكز الاحتجاز؛” مؤكدًا ” نحن نعلي صوتنا برفض هذا الاتجاه ونعتبره غير قانوني لمخالفته القرارات والقوانين الدولية، وغير إنساني، ففي كل يوم يمر يستمر النظام بتعذيب وتصفية البشر في سجونه، فضلًا عن أنه غير واقعي لأن الشعب السوري لا يقبل به، وغير مجدي لأن التقارير الصادرة عن اللجنة الدولية للتحقيق وعن المنظمات المستقلة قدمت ما يكفي من أدلة تثبت تورط نظام الأسد بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في سجونه.” ويبدو أنه لابد من السؤال: هل ينحصر ذلك التقصير في حركة الائتلاف الوطني أم تتعداه للجميع؟ لكن الفرحان تحدث مدافعًا ليقول ” الحكم على جهة ما بالتقصير أو عدم التقصير يستلزم تقييمًا لأدائها، والتقييم يتطلب معرفة واقع عملها، وعليها في هذا أن تكون شفافة بنشره؛ الأمر الذي يدعوني هنا إلى عرض عناوين عمل تراكمي طويل بذلته المعارضة في قضية المعتقلين.
وبالنظر إلى متلازمتين تتركز الأولى في أن النظام لا يتخلى عن سلوكه بالاعتقال والتعذيب والتصفية ليستمر في حكم سورية على أشلاء ودماء أبنائها؛ وتتمثل الثانية في أن الدوافع التي ثار لأجلها الشعب السوري ستبقى مستمرة ما لم تحل جذور المشكلة. ونستذكر في مثل هذه الأيام من عام 2011 حادثتي اعتقال أطفال درعا التي شكلت السبب المباشر في اندلاع الثورة السورية؛ واعتصام أمام مبنى وزارة الداخلية في المرجة بدمشق نظمه الناشطون من المعارضة مع أهالي المعتقلين للمطالبة بهم؛ كان من بينهم آنذاك السيدة سهير الأتاسي (العضو المؤسس لاحقًا) للائتلاف الوطني السوري، والتي قام النظام بضربها وسحلها في شوارع دمشق واعتقالها؛ مثلما كان بينهم الشيخ معاذ الخطيب الرئيس الأول للائتلاف.” ثم تابع يقول ” خلال الجولة الأولى من مفاوضات جنيف / 2014 نفذت المعارضة عمليتها الشهيرة لتسريب صور المعتقلين عبر الضابط المنشق سيزر، بدعم وتعاون التيار الوطني السوري الممثل في الائتلاف كأحد مكوناتها وبالتنسيق مع قيادته. وحظيت قضية المعتقلين خلال هذه الجولة باهتمام وفد الائتلاف المفاوض والذي حمل أعضاؤه صور وقوائم المعتقلين للمطالبة بهم.
خلال الجولة الثانية من جنيف علقت الهيئة العليا للمفاوضات برئاسة الدكتور رياض حجاب استمرار مشاركتها على إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار تنفيذًا للبنود 12 – 13 – 14 من قرار مجلس الأمن 2254. لكن ومع الأسف الأطراف الراعية لمفاوضات جنيف لم تمارس ضغوطًا كافية على النظام وداعميه لتحقيق النتيجة المرجوة. كما أن الدكتور (نصر الحريري) رئيس هيئة المفاوضات معتقل سابق، ذاق التعذيب في سجون النظام، ولا تغيب المطالبة بالمعتقلين عن أي من لقاءاته الدولية؛ وكذلك السيدة (أليس مفرج) المكلفة بلجنة المعتقلين في هيئة المفاوضات معتقلة سياسية سابقة، وخلال الأسبوع الماضي اجتمعت لجنة المعتقلين في هيئة التفاوض مع الوسيط الدولي السيد (بيدرسون)، تبع هذا الاجتماع مؤتمرًا صحفيًا أعلن خلاله السيد (بيدرسون) أن قضية المعتقلين ثاني النقاط الخمسة في أولوياته. ” ونوه الفرحان إلى عمل الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين التي يترأسها فقال ” الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين تشكلت بقرار من الائتلاف الوطني السوري وحظيت بدعمه لتعمل بصورة مستقلة فنيًا، وتتكامل في دورها مع المنظمات الحقوقية السورية والدولية، بمشاركتها ذات الرؤية التي تدعمها في مؤسسات ووفود المعارضة؛ مقاربة ذلك وفق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان. تعمل الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين بشكل مستمر على ملفات توثيق الانتهاكات بالتعاون مع الجهات التحقيقية المختصة؛ ولها مساهمة فاعلة في قضية سجن حماة، بتواصلها المبكر مع الأمم المتحدة والموثق بإفادات الشهود حركت الضغط الدولي لمنع النظام من تنفيذ أحكام إعدام متوقع أنها صدرت بحق السجناء.
مثلما عملت الهيئة مع جهات التحقيق الدولية بقضية إخطارات الوفاة؛ وشاركت أفكارها خلال دورات انعقاد مجلس حقوق الإنسان مع ممثلي الدول الأعضاء، وسلمتهم نشراتها بخصوص المعتقلين مع نشرات حملة (أنقذوا البقية)؛ وتعمل في كافة لقاءاتها على إبراز قضية المعتقلين كأولوية للمعارضة والشعب السوري.
ساهمت الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين في حركة الضمير الدولية بالأعمال التحضيرية لحشد رأي عام شعبي دولي يضغط على الحكومات لإنقاذ المعتقلات من النساء والأطفال. وما من اجتماع أو زيارة للائتلاف مع الأطراف الدولية يخلو من ورقة تحضرها الهيئة بشأن المعتقلين. ” وأضاف بقوله ” لا ننسى الدور المهم للأستاذ هيثم المالح فترة ترأسه اللجنة القانونية في الائتلاف، أرسل خلالها مئات المذكرات القانونية لمجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة؛ ووثق خلالها جرائم النظام بحق المعتقلين، وطالب بتقديم مشاريع القرارات بمواجهة روسيا باعتبارها طرفًا في النزاع وبهدف منعها من استخدام حق الفيتو؛ مثلما طرق ولأكثر من عام أبواب محكمة الجنايات الدولية للادعاء على النظام، حال دون ذلك نظام روما الأساسي وتقييد اختصاص المحكمة بسياسات الدول الأعضاء؛ وعمل الأستاذ المالح في حقل حقوق الانسان، يمتد إلى ما قبل الثورة، حيث دفع ثمن مواقفه سنوات من الاعتقال وخسر لأجل ذلك كل ما يملك”.
وقلنا للفرحان: بوصفك رئيسًا سابقًا للجنة القانونية في أستانا، هل تأملون شيئًا من أستانا في قضية المعتقلين؟ وكيف تنظرون للدور التركي في مسألة المعتقلين؟ فكان جوابه أنه ” منذ الجولة الأولى في أستانا ووفد قوى الثورة السورية يطالب بالإفراج عن المعتقلين كقضية فوق تفاوضية ولا يمكن أن تخضع للمساومات السياسية. استخدمنا في هذا حاجة روسيا لأستانا وضغطنا بدعم من تركيا على آذان الروس بأن ما من دور لروسيا يمكن أن يقبل به الشعب السوري ما لم تساعد في قضية المعتقلين. استغرق الأمر نضالًا طويلًا وتفاصيل لا يتسع الحديث لذكرها الآن؛ انتهت إلى إنجاز مذكرة تفاهم بتشكيل مجموعة عمل من الأطراف الضامنة والأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي للإفراج عن المحتجزين وكشف مصير المفقودين وتسليم جثامين الضحايا؛ واجهها النظام كعادته بالتهرب من التزاماته، وبتعطيل تنفيذ ما أرغم على قبول نصه. عمليتي إفراج متزامن أنجزت كاختبار لقدرة الأطراف على تنفيذ الإخلاء؛ وبالرغم أنها لا تحقق الصيغة اللازمة لمقاربة القضية بما يحقق مقتضيات العدالة وينسجم مع القرارات والتفاهمات والمعايير الدولية؛ إلا أنها مهمة بالنسبة لنا لتعلقها بأرواح بشر يتعرضون للتعذيب المستمر ولخطر التصفية في كل وقت؛ وفي هذا الوقت بالذات نحتاج لضغط أكبر كيلا تنحرف العدالة عن مسارها بتهرب النظام وداعميه من حقيقة أن معتقلينا مدنيون وعليه إطلاق سراحهم وفتح مراكز السجون السرية والعلنية لديه أمام الصليب الأحمر وجهات الرقابة الدولية.” وأردف مشيرًا إلى أن ” تركيا حليف استراتيجي للشعب السوري، تدعم مطالبه المشروعة في المحافل الدولية، وتشترك معه في القيم والمصالح؛ دعم وفدها القضية العادلة للمعتقلين وعمل لأجلها بمواجهة روسيا وإيران لجولات طويلة؛ كذلك وقف الشعب التركي إلى جانب المعتقلات من النساء والأطفال واستجاب لدعوة منظمة IHH الإنسانية في المشاركة بحركة الضمير الدولية، من أجل حشد رأي عام شعبي دولي، استجابت للدعوة أيضًا شخصيات هامة تمثل 55 دولة، واجتمعوا في اسطنبول وجنيف ووجهوا رسائلهم بذلك إلى الحكومات للمطالبة بالإفراج عن المعتقلات. لكن وأمام فظاعات ما يستمر النظام بارتكابه، ومن أجل إنجاز عادل نحتاج جهودًا مضاعفة (من قبل الجميع) لإنقاذ من تبقى، ولوقفه عن تنفيذ حملات اعتقال وتعذيب وتصفية جديدة. ” وسألنا هل من خطة وضعتموها على طريق تحريك قضية المعتقلين السوريين. وهل بحوزتكم سجلات موثقة لأعداد المعتقلين في سجون الإجرام الأسدي؟ فقال ” نتكامل في عملنا بتوثيق بيانات المعتقلين مع المنظمات الحقوقية السورية، وبحوزتنا أمانات من أربعة قوائم موثقة ومدققة تضم الأولى 4100 معتقل، والثانية 12700 معتقل، والثالثة 2500 معتقل، مع قائمة خامسة من 53000 معتقل تحتاج إلى تدقيق وتحديث. المحقق الجنائي الرائد (م. ف) يرأس فريق التوثيق والتحقيق لدينا، ويطور الفريق مهاراته ليعمل وفق المعايير الدولية. ولدينا في هيئة المعتقلين خطة معلنة تتضمن الأهداف الاستراتيجية والمرحلية وآليات تنفيذها، موزعة في مهام ومجدولة زمنيًا وفق التوصيف المعتمد”.
المصدر: العربي الجديد