ريان محمد
تتواصل المعارك في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي إضافة إلى شمالي اللاذقية في شمال غربي سورية، حيث تواصل قوات النظام بدعم روسي، قصف المناطق السكنية بمختلف الأسلحة، وخصوصاً الطيران الحربي، في حين تعتمد الفصائل العسكرية، سياسة الاستنزاف لقوات النظام، عبر عمليات إغارة خاطفة على محاور ريفي حماة واللاذقية، مع نقلها المعارك خلال اليومين الأخيرين، إلى داخل المناطق الخاضعة لقوات الأسد، بعدما كان الأخير يهاجم بلدات وقرى المعارضة.
وواصلت قوات الأسد، أمس الإثنين، استهداف المدنيين. وقال مدير المكتب الإعلامي للدفاع المدني في إدلب، أحمد شيخو، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ سيدة قُتلت وأصيب 24 شخصاً آخرين، بينهم 16 طفلاً و5 سيدات جراء غارة جوية لطيران النظام استهدفت بصاروخين وسط بلدة معرشورين بريف معرة النعمان الشرقي. وأضاف أنّ سيدة قتلت وأصيب أربعة من أطفالها نتيجة قصف مماثل، استهدف قرية كفر بطيخ، في المنطقة الواقعة جنوب إدلب.
وتوفيت طفلة متأثرة بجراح أصيبت بها نتيجة قصف جوي سابق، نفّذته طائرة حربية روسية على مدينة أريحا، غرب إدلب. كما قُتل ثلاثة رجال وأصيب ثلاثة آخرون، بعد استهداف الطيران الحربي مزرعة للمدنيين، بالقرب من خان شيخون بأربع غارات جوية، بحسب شيخو.
وحول مجرى المعارك خلال أمس الإثنين وأوّل من أمس الأحد، قال محمد رشيد، المتحدث الإعلامي باسم فصيل “جيش النصر”، المنضوي ضمن “الجبهة الوطنية للتحرير”، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “المعارك على المحاور بريف حماة الشمالي منذ يومين جميعها هجومية، إضافة إلى إغارات عدة، منها يوم الأحد على محور قصابية، والتي قُتل جراءها عدد من قوات النظام”. وأضاف “حالياً نتبع استراتيجية الإغارة على مواقع قوات الأسد والانسحاب منها تكتيكياً، من أجل تكبيد هذه القوات أكبر حجم خسائر ممكن”. وتابع رشيد: “بالنسبة للمناطق التي سيطرنا عليها أخيراً وهي تل ملح وجبين، تدور هناك اشتباكات، في ظلّ محاولات من قبل النظام للتقدّم على هذا المحور، فيما تحاول قواتنا حالياً التقدّم إلى بؤر أخرى انطلاقاً من هذه المناطق. وفيما يتعلّق بمحور القصابية، نعتمد على تنفيذ إغارات شبه يومية، خصوصاً أنّ النظام سيطر عليها أخيراً”.
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، النقيب ناجي مصطفى، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “المعارك مفتوحة في المحاور كافة، وإن كان محور ريف حماة الشمالي هو الأساسي”، موضحاً أنّ هذه المعارك “هي عبارة عن كرّ وفرّ، بهدف استنزاف العدو، واسترجاع المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً، ومن ثمّ تحرير مناطق جديدة”. ورأى أنّ “الأوضاع جيّدة بحسب مجريات المعارك التي تدور”.
بدوره، قال القيادي في المعارضة المسلحة، العقيد فاتح حسون، في حديث مع “العربي الجديد”، “المعارك لا تزال مستمرة على محاور عدة وكذلك الاشتباكات العنيفة بين الفصائل العسكرية الثورية من جهة، وقوات النظام والمليشيات المساندة لها مدعومة بقصف جوي وميداني روسي من جهة أخرى”. وأوضح أنّ المعارك “تتركّز في الريف الشمالي الغربي لمدينة حماة وفي ريف اللاذقية”.
وأضاف حسون “تحاول قوات الأسد التقدّم على محاور تل ملح والجبين وكفرهود والجلمة والجبين وحاجز أبو زهير، بعدما تمكّنت فصائل الثورة من السيطرة عليها، إلا أنّ محاولاتها باءت بالفشل، حيث لا تزال المعارك تأخذ تكتيكاً غير مسبوق تتبعه الفصائل الثورية، فيما لا يزال النظام يستجلب التعزيزات باتجاه المنطقة، والتي كان آخرها اليوم (أمس)”، لافتاً إلى أنه “خرجت من دمشق ثلاثة أرتال من الفرق الأولى والثالثة والعاشرة، وذلك بسبب تهاوي قوات الأسد على الجبهات وعدم قدرتها على الثبات رغم الدعم الجوي الكثيف واللامحدود من قبل الروس”.
وأوضح حسون أنه “بالنسبة للوضعية العسكرية الحالية للفصائل الثورية، فهي لم تتغيّر منذ أيام عدة، وهي في حالة هجوم مستمرّ، مع ما يتخللها من مراحل تثبيت للنقاط التي يتم السيطرة عليها، قبل أن تعود من جديد بموجة هجوم عنيف تسقط مناطق جديدة تحت سيطرتها”. وأكّد أنّ “النظام يتكبّد الخسائر تلو الخسائر من دون أن يفصح عنها، بل على العكس يقوم بإطلاق الأخبار الكاذبة لتلافي الغضب وردّ الفعل ضمن حاضنته، والمحافظة على ما تبقى من روح قتالية لدى مقاتليه المهزومين نفسياً، قبل هزيمتهم في ميدان المعركة. وهو الأمر الذي أكده الروس من خلال تصريحاتهم التي يطلقونها بين الحين والآخر عبر مسؤوليهم سواء من قاعدة حميميم أو غيرهم”.
أمّا المحلل الاستراتيجي والعسكري، العميد أحمد رحال، فقال إنه “من الواضح أنّ المعلومات العسكرية، التي اعتمدتها قاعدة حميميم الروسية، في اتخاذ قرار الحرب على المنطقة، التي يفترض أنها منزوعة السلاح ومستقرة، هي معلومات خاطئة أو أن النظام قام بعملية تضليل، فلا أعتقد أنّ الروس سيقدمون على خطوة تنسف جميع التوافقات مع تركيا، ويدخلون بكل زخمهم العسكري ويضعون أمامهم هدف السيطرة على الطرق الدولية، وعقب خمسة أسابيع من العمليات العسكرية، لم يحققوا أكثر من 5 في المائة من أهداف العملية”.
وبرأي رحال، الذي تحدث مع “العربي الجديد”، فإنّ ذلك يمثّل “فشلاً ذريعاً للآلة العسكرية الروسية، وكذلك للقادة السياسيين”، معتبراً أنّ “إرادة القادة السياسيين الروس وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، بالوصول إلى الطرق الدولية عبر فرض الأمر الواقع فشلت فشلاً ذريعاً، هذا من دون أن تتدخل تركيا بثقلها الكامل، فيما أعطت الولايات المتحدة الأميركية بعض الصواريخ المضادة للدروع فقط، فما بالكم إن أعطت دفاعات جوية، أعتقد كنّا وقتها أمام كارثة عسكرية وسياسية لروسيا في الجبهات”.
ولفت رحال إلى أنّ “ما حدث على جبهات حماة، هو مطابق للمبدأ العسكري القائل، إن كنت تتعرّض للهجوم فلا تهاجم. وبالتالي ما جرى على جبهة كفرنبودة وقلعة المضيق والقرى الثماني التي دارت بها المعارك، هي عملية تثبيت، حيث نجح الثوار في تثبيت الجهات واحتواء الهجوم وامتصاص قوته، ومن ثمّ انتقلوا إلى الهجوم المعاكس”. وأوضح أنه “خلال الانتقال إلى ذلك، وبحسب رؤيتي كمراقب عسكري، يبدو أنّ هناك حالة استعصاء في محورين هما الحويز والكراكات، وهذا شيء طبيعي إذا ما نظرنا إلى القوات الهائلة التي حشدها النظام على هذين المحورين، بدعم جوي من الطائرات والمروحيات الحربية”.
واعتبر رحال أنّ “الذكاء في المعركة هو البحث عن نقاط الضعف، فعمليات المناورة على الجبهات هي إحدى التكتيكات العسكرية المستخدمة، وهذا ما لجأ إليه الثوار عندما قاموا بنقل المعركة إلى الجبهة الجنوبية الشرقية من ريف حماة، على محاور تل ملح وجبين وكفرهود والجلمة”. ورأى أنهم “حققوا من خلال هذا النقل ثلاثة أهداف؛ الأول هو السيطرة على أربع مواقع لها أهمية في موازين المعركة، والثاني أنهم أجبروا الروس على الانسحاب من حيالين وبريليج وسحب المدفعية ومنظومات الصواريخ سميرتش الروسية، والثالث قطع خط الإمداد بين سقيلبية ومحردة، وهو خط إخلاء القتلى والجرحى أيضاً”.
وختم المحلل العسكري حديثه بالقول إنّ “الثوار انتقلوا من الدفاع إلى الهجوم، وأخذوا زمام المبادرة ويسيطرون على مجريات المعركة”. وأوضح أنّ “المعارك القريبة والاشتباك والتماس، أفقد الطيران فعاليته، والنقطة الأهم أنّ التكتيكات التي رافقت عمليات الهجوم، إن كان عبر الكمائن أو المفخخات وعمليات القنص، نجحت بشكل كبير، بدليل أنّ هناك مستشفيات أفُرغت من قبل النظام من المدنيين، ورصدت للمجهود الحربي في حماة وسقيلبية ومحردة ومصياف وطرطوس واللاذقية، وقد تمّ سحب الهواتف المحمولة من الكادر الطبي داخل المشافي، لمنع تسريب الكوارث التي تكبدتها قوات الأسد، جراء عدد القتلى والإصابات الكبير”. وتابع “حتى أعتقد أنّ من بين القتلى والأسرى هناك جنوداً روساً، وبالتالي اليوم هناك لملمة للوضع العسكري، لأن الروس تعرضوا لضربة عسكرية مهمة جداً”.
في غضون ذلك، وعلى وقع المعارك المتواصلة، قالت الأمم المتحدة أمس الإثنين، إنّ ما يصل إلى مليوني لاجئ ربما يفرون إلى تركيا إذا استعر القتال في شمال غرب سورية في الوقت الذي انخفضت فيه أموال المساعدات على نحو خطير.
وقال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، بانوس مومسيس في حديث مع وكالة “رويترز”: “نخشى إذا استمر القتال واستمر ارتفاع أعداد (النازحين) واحتدم الصراع أن نرى فعلاً مئات الآلاف… مليون شخص أو مليونين يتدفقون على الحدود مع تركيا”. وأكّد مومسيس أنّ “الوضع في تدهور وأنّ اتفاقاً بين روسيا وتركيا على خفض التصعيد في القتال هناك لم يعد مطبقاً فعلياً”.
المصدر: العربي الجديد