أحمد مظهر سعدو
تزامنًا مع انعقاد ورشة البحرين الاقتصادية، وحالة الدفع باتجاه تصفية القضية الفلسطينية، والاجهاز على حرية الشعوب العربية، ومنها قضية الشعب السوري، وصولًا إلى تعويم بشار الأسد. يبرز السؤال الأهم: وهو لماذا يرفض الكثيرون التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.؟ وبعيدًا عن الإجابات المعلّبة، والزعم بغموض مصطلح التطبيع، وتردّده بين كونه ضيّقًا أو فضفاضًا، والذي بات يُستخدم مدخلًا لتبرير أشكال من التطبيع مع إسرائيل. لإعادة صياغة الوعي العربي تجاه (إسرائيل) وبتزامن مع تصريحات نتنياهو وتناغم كامل معها، بتصدير شخصيات تدعو للتطبيع علانية، وتنتقص من الحقّ الفلسطيني وعدالة القضية الفلسطينية، أو بتكثيف حملات ما بات يُعرف بـ “الذباب الإلكتروني” بهذا الاتجاه. هل من الممكن أيضًا تسويق صفقة القرن، لدى العرب، بعد ورشة المنامة، وما مدى تأثير ذلك على القضيتين الفلسطينية والسورية، وانتصار ثورات الربيع العربي؟
كل ذلك ناقشناه مع مجموعة من الباحثين والكتاب السوريين والفلسطينيين حيث أكد الباحث الفلسطيني السوري أيمن أبو هاشم المنسق العام لتجمع مصير بقوله ” يبدو من أجواء ورشة المنامة والانطباعات الأولية عنها، أنها لم تحقق الغايات الأميركية المرجوة منها، ولهذا عدة أسباب من أهمها: رفض الطرف الفلسطيني المشاركة في ورشة المنامة، مع أن الفلسطينيين وفق الخطة الاقتصادية التي أعلن عنها كوشنير هم الطرف الأساسي المخاطب والمعني بها، مما يشير إلى صعوبة تمرير الشق الاقتصادي من صفقة القرن الذي حاولت ورشة المنامة تمريره وفق التصور الأميركي. إضافة إلى هزالة التمثيل العربي في حضور الورشة، وتناقض خطاب من شاركوا بها بين تمسكهم بحل الدولتين من جهة واستجابتهم للإملاءات الأميركية بالمشاركة في ورشة المنامة التي تشكل خطوة على طريق نسف إقامة الدولة الفلسطينية وتصفية القضية الفلسطينية من جهة ثانية، كما أن الرفض الشعبي الفلسطيني الذي عبرت عنه تجمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج، أظهر الوعي الفلسطيني الرافض لصفقة القرن بشقيها الاقتصادي والسياسي، وكل تلك الأسباب كشفت حقيقة ورشة المنامة باعتبارها محاولة أميركية فاشلة لتمرير حل سياسي يحقق المصالح الاسرائيلية على حساب حقوق الفلسطينيين، وينسف كل المرجعيات الدولية وكل الحقائق التاريخية على الأرض، واستبدال الحقوق الوطنية برشوة مالية، يتم دفعها أيضًا من جيوب العرب” وأضاف أبو هاشم قائلاً ” ليس مصادفة بأي حال انعقاد ورشة المنامة مع اللقاء الثلاثي في القدس لتطويب الهيمنة الاسرائيلية في المنطقة بدعم أميركي مطلق، وهم يعتقدون أن الواقع الرسمي العربي يوفر لهم الفرص والمناخات لتمرير صفقة القرن، ويتجاهلون في الوقت نفسه إرادة الشعوب العربية، التي انفجرت ثوراتها وانتفاضاتها في حقبة الربيع العربي، كي تستعيد حريتها وكرامتها، وهي تدرك الأهداف والغايات الأميركية والاسرائيلية المعادية لتلك الثورات، وإن الشعوب العربية وليس الفلسطينيين وحدهم يرفضون جميعًا صفقة القرن، لأنهم يدركون الترابط المصيري بين قضية فلسطين وقضايا الحرية والتغيير في الدول العربية، والمعركة مستمرة ومفتوحة، والرهان الحقيقي على شعوبنا بعد أن فضحت بؤس الأنظمة وتبعية الحكام، وكلما اقتربت الشعوب العربية من نيل حريتها وكرامتها فهذا سينعكس ايجابيًا على نيل الفلسطينيين لحقوقهم الوطنية، وسيكون الرافعة الثورية والشعبية لإسقاط صفقة القرن وكل المشاريع التي تستهدف شطب القضية”.
الكاتبة والناشطة السورية ليلى العامري أكدت لجيرون أنه ” لم يكن من السهل تصفية قضية بحجم القضية الفلسطينية التي شكلت علامة فارقه في حركات التحرر على مدار ما يقارب القرن. لكن للأسف فإن عدالة القضية ليس هو العامل المحدد لانتصار أي قضية، وإنما المصالح هي العامل اﻷساسي، خصوصًا مصالح الدول الكبرى صاحبة القرار الفاعل والمؤثر في حركة المجتمعات. وطبعًا تغير المزاج الشعبي والجماهيري بخصوص القضية الفلسطينية لم يأتي من فراغ، وإنما جاء بعد حروب طويلة وكثيره كانت محبطة للفلسطينيين وللشعب العربي برمته”. ثم قالت ” ما عزز هذا التراخي حيال موضوع التطبيع، تجربتهم المريرة مع أنظمتهم القمعية والتي بدورها صنيعه الدول الكبرى التي تتشابك مصالحها مع الحركة الصهيونية. والقضية السورية أيضًا محكومة بمصالح وتوافقات دولية، وخصوصًا رضى إسرائيل، حيث كان إصرارها الضمني وأحيانًا المصرح به عاملًا هامًا من عوامل سد اﻷفق بوجه الثورة السورية، فالنظام السوري استطاع عبر تاريخه الطويل في سدة حكم سورية أن ينسج علاقات دولية تجعل اسرائيل تتعاطى معه بموثوقية، فهو مجرب ومضمون بالنسبة لها، ولن تفرط فيه بسهولة. ورغم قتامة المشهد وقسوته لابد من العمل الواعي والجدي لخلق قوى ومشاريع مناهضة للأنظمة ومن ثم اسرائيل “.
الكاتب الفلسطيني علي الكردي قال ” إن نجاح قوى الثورة المضادة في قطع مسار التحول الديمقراطي بعد ثورات الربيع العربي مهد الطريق أمام إسرائيل وحليفها الأميركي لطرح مشاريع إعادة صياغة كل أوضاع المنطقة بما يخدم مصلحة إسرائيل. انتقل التطبيع على ضوء المتغيرات من مرحلة السر إلى العلن وبات خطر التمدد الإيراني بالنسبة لمعظم دول الخليج هو الخطر الأول على مصالحها واستقرارها وبات المناخ مناسبًا أمام الأميركي والإسرائيلي لابتزازها والشرط الأول لحمايتها من الخطر الإيراني هو التطبيع مع إسرائيل على طريقة من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن. هذا ما يفسر تسارع الهرولة والتنسيق مع إسرائيل لكن هذه المسألة لن تكسب شرعيتها دون توقيع الفلسطينيين وقبولهم بصفقة القرن، والسخيف بالموضوع أنهم يريدون مقايضة الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم الوطنية بوعود اقتصادية ومالية (خلبية)، قبل الإفصاح عن المحتوى السياسي لحل القضية.” وأضاف الكردي قائلاً ” بالنسبة للسوريين يشي الاجتماع الأمني في القدس أن الروسي هو الذي يفاوض ويعقد الصفقات السرية بدلا عن النظام الديكتاتوري، الذي سلم البلاد لأربع احتلالات، بعد أن دمرها فوق رؤوس شعبه، وهو بات لا يملك قراره بيده. الشعبان الفلسطيني والسوري هما أكثر الخاسرين فيما إذا قيض لهذه الصفقة أن تنجح، لكن على الرغم من ذلك ورغم اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل، فان إرادة الشعوب قوية وبإمكانها إفشال مثل تلك المشاريع. إذا استطاعت أن توحد طاقاتها. ثمة مؤشرات إيجابية على هذا الصعيد فلسطينيًا ونأمل صحوة مشابهة لقوى الشعب السوري ومعارضته، وهذا التوجه يمكن أن يجد صداه على صعيد شارع الشعوب العربية رغم كل الآلام.”
أما موفق زريق الباحث والمعارض السوري فقال ” التطبيع قائم من أغلب العرب منذ السادات، ولا جديد، وانسحب العرب من القضية منذ اعتبار قضية فلسطين قضية فلسطينية، ومنظمة التحرير أرادت ذلك بحماقتها، واليوم تدفع الثمن، انتهت القضية عند الحكام العرب و(يا فلسطينيين دبروا حالكم) قضية العرب واسرائيل الآن هي إيران وفقط، وهذه هي اللحظة التاريخية للصفقة سواء قبل الفلسطينيين أم لم يقبلوا “.
الكاتب الفلسطيني السوري تيسير الخطيب تحدث لجيرون قائلًا ” الأنظمة العربية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن استمرار نكبة فلسطين وتفاقمها، وهي شريكة في الجريمة التاريخية التي أدت إليها، وبهذا هي لا ترتكب جريمة بهذا التطبيع بحق الشعب الفلسطيني فحسب، بل في حق كل عربي من المحيط إلى الخليج. إذ إن اقامة القاعدة الصهيونية-الامبريالية على أرض فلسطين، لم يستهدف الشعب الفلسطيني باقتلاعه من أرضه، وإحلال المستوطنين الصهاينة مكانه فحسب، من أجل إقامة دولة لليهود، بل استهدف العرب جميعًا، وبغض النظر عن الخلل المزمن في موازين القوى بيننا وبين أعدائنا، لعبت أنظمة الاستبداد العربي، بالتضافر الكامل مع الصهيونية والامبريالية لإدامة نكبة الشعب العربي الفلسطيني ومفاقمتها، وإبقاء الشعوب العربية بعيدة كل البعد عن المشاركة السياسية الفاعلة في بناء أوطانها، من خلال منع إقامة دولة القانون، ومنع التطور الديموقراطي عبر ضرب أية امكانية لتطور مؤسسات الحكم بما يسمح بتفعيل دور الشعوب في اختيار حكامها وتداول السلطة سلميًا ، وتأبيد الاستبداد في أقطارنا”. وأضاف الخطيب ” لأن تأبيد الاستبداد يسهل الهيمنة الامبريالية ويمنع التصدي لها، فهو بنفس الوقت يقوم بحراسة الكيان الصهيوني، والذي بدوره يحرص على بقاء الاستبداد السياسي آمنًا. فالصراع ضد الكيان الصهيوني هو صراع ضد الاستبداد، والصراع ضد الاستبداد ومن أجل الديموقراطية في ذات الوقت، هو بالفعل صراع ضد الكيان الصهيوني. من هنا يستشعر المواطن العربي خطورة ما يجري، فاستهداف ثورات الربيع العربي المطالبة بالديموقراطية، من قبل قوى الاستبداد بتضافر كامل مع الكيان الصهيوني، هو استهداف لحق الأمة في إمساك مفاتيح التطور، والذي تشكل الديموقراطية شرطه الأساس، واستهداف الديموقراطية في بلادنا، هو محاولة لمنع التطور الطبيعي لدولنا العربية، وهذا ما يقوم به الاستبداد، وهو المهمة الأساسية للكيان الصهيوني، وتتجلى بصورة أوضح خارطة التحالفات في الواقع الراهن، من خلال ما يسمى صفقة القرن، ومفرزاتها من ورشة المنامة، وتحت غطاء كثيف من التعمية من خلال إدارة الصراع بين دول الخليج وإيران بحيث تبدوا الحاجة إلى الكيان وإدماجه في المنظومة العربية، جزءً من أمن دول المنطقة. فتجلي علاقة نظم الاستبداد في الواقع مع الكيان الصهيوني، يكشف الأبعاد السرية بين أدوات مشروع الهيمنة الأميركي تحديدًا. لذلك ليس صدفة أن تترافق ورشة المنامة مع اللقاء الثلاثي في القدس بأهدافه المعلنة، وهو البحث في سبل حل المسألة السورية والسلام في الشرق الأوسط. فحماية الاستبداد تؤدي إلى حماية الكيان، والكيان الصهيوني يكرس الاستبداد ويحميه. لذلك أصبح تظهير العلاقة بين هذين الطرفين الاستبداد والكيان هو المهم لدى أرباب المشروع الأميركي، ومن أجل نقل تلك الأهداف إلى حيز التطبيق، كان لابد من جمعهم في تحالف معلن يعبر عنه بما يسمى صفقة القرن، حيث لا شيء يدل على أن حلاً سياسيًا ما لقضية فلسطين سوف يحدث، بل إن التراجع عن كل الصيغ السابقة التي كانت مطروحة للحلول من المبادرة العربية، إلى اتفاق أوسلو إلى رفض حل الدولتين، إلى تأكيد كون القدس عاصمة للكيان، إلى الاعتراف بضم الجولان، إلى القفز عن كل ما يمت للشرعية الدولية بصلة، يؤكد أن المطلوب هو اتفاقات أمنية عسكرية، تؤكد تماسك جبهة أعداء الشعوب بعد التطورات الكبيرة التي شهدتها ولا زالت تشهدها البلدان العربية، من خلال ثورات الربيع العربي والتهديد الذي شكلته على مصالح تلك الأطراف، وهي تتناقض في الصميم مع مشروع الهيمنة الأميركي وتهدد أسس تلك الهيمنة.” وأضاف الخطيب ” التطبيع بين النظم العربية واسرائيل هو أمر قائم بالفعل، ولو كان يجري سرًا بين بعض النظم والكيان وتوقيع ثلاث أطراف عربية، الفلسطيني والأردني والمصري لاتفاقات تسوية وسلام مع الكيان لم يكن إلا مرحلة أساسية من مراحل العمل الصهيوني الامبريالي لجعل الكيان المصطنع (إسرائيل) كيانًا مقبولًا في إطار علاقات طبيعية مع محيطه العربي، والسؤال الذي يطرح اليوم كثيرًا، هل التطبيع مع الكيان الصهيوني ممكنًا، وهل هو مقبولًا من الشعوب العربية. بالتأكيد التطبيع بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني ممكنًا، ناهيك عن كونه أمرًا واقعًا مع عدد من النظم العربية، ولن يكون أمرًا مستبعدًا أو غريبًا أن تلتحق الكثير من النظم العربية في هذا الحلف أو ما يسمى بالتطبيع. وخصوصًا أن الأنظمة العربية جميعًا تعرف أن بقاءها واستمرارها لا يتأمن إلا من خلال العلاقة مع إسرائيل وتضافر دورها معها، وعلى كل الصعد بغض النظر عن الاعلانات السياسية والشعارات المدعاة. أما على صعيد الشعوب العربية، فما حصل من تصادم بينها وبين انظمة الاستبداد من أجل الديموقراطية والحرية وسيادة القانون، يؤكد أن هذه الشعوب تقف في الخندق المضاد للتطبيع ،لأن تلك الأهداف تتناقض جوهريًا مع أهداف مشروع الهيمنة الامبريالي وأدواته من نظم الاستبداد والكيان الصهيوني، وإن كان توهم البعض بإمكانية انجاز الديموقراطية في إطار العلاقة مع الامبريالية وتحديدًا أميركا، وتجلي دعم أميركا لأنظمة الاستبداد، يؤكد صوابية تناقض أهداف ثورات ربيع العرب بالجوهر، من أهداف مشروع الهيمنة والاحتلال الصهيوني . فليس بسبب قداسة قضية فلسطين في الشعور والوجدان الجمعي العربي، وليس بسبب المقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين، وليس بسبب تعاطفها الطبيعي والحقيقي مع مظلومية الشعب الفلسطيني فحسب، بل لأن التطبيع مع الكيان الصهيوني يستهدف ما تبقى من قدرة الأمة في الوقوف بوجه الهيمنة والنهب والاحتلال والاستبداد. المشروع الذي يريد أن يكرس الاستبداد، ويعوم ويوسع الاحتلال ويوغل في النهب. وبالتالي النظم المطبعة والجماهير الرافضة للتطبيع سيبقيان في حالة صراع، إلى أن تتمكن الشعوب من كسر بعض حلقات الاستبداد والانتصار لنفسها ومستقبل أمتها وللشعب الفلسطيني. فكسر اي حلقة من حلقات الاستبداد العربي هو انتصار لفلسطين وهو في مواجهة تطبيع المستبدين مع المحتلين.”
لكن الإعلامي السوري مضر حماد الأسعد غرد خارج السرب بقوله إن ” ثورات الربيع العربي نبهت العالم مع إسرائيل إلى أن الشعب العربي هو بركان خامد ولن يرضيهم بما يجري في المنطقة العربية( القضية الفلسطينية، و الحركات المضادة للربيع العربي ، التغلغل الايراني ) والشعب العربي عامة أصبح ينظر للقضية الفلسطينية على أنها تجارة رائجة لدى الديكتاتوريات التي تحكم الدول التي تسمى نفسها دول (الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة….الخ ) كذلك سياسة حركة حماس في غزة وعلاقتها مع إيران، وعدم التوافق مع رام الله، مع إرهاب حزب الله واحتلال الميليشيات الإيرانية سورية والعراق ولبنان واليمن.” وأضاف الأسعد ” كل ذلك قد يجعل الشباب العربي ينظر إلى مؤتمر البحرين بأن يكون المخرج الحقيقي للقضية الفلسطينية من خلال تفعيل المسار السياسي بحيث تكون هناك دولة فلسطينية على حدود ال 67 وأن القدس الشرقية عاصمة لها وهذه الأمور هي التي يبحث عنها الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت وقف المتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل أعداء فلسطين والعرب مثل إيران والنظام السوري وحزب الله والميليشيات الطائفية العراقية مع ابتزاز روسيا وأمريكا للعرب”.
المصدر: جيرون