أحمد مصطفى
أعربت بريطانيا عن قلقها من تعرض خطوط الملاحة الدولية في الخليج للخطر من جانب إيران، وقالت وزيرة الدفاع البريطانية بني موردنت “نحن معنيون بشدة بحماية بضائعنا التي تمر عبر مضيق هرمز”. ويأتي تصريح وزيرة الدفاع البريطانية في أعقاب الإعلان الإيراني عن احتجاز ناقلة مجهولة كانت تعبر مضيق هرمز ليل السبت-الأحد.
ويتصاعد التوتر بين إيران وبريطانيا تحديدا، من بين بقية الدول الموقعة على الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة العام الماضي، في إطار التصعيد الإيراني لمواجهة الضغوط الأميركية الساعية لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات للتوصل لاتفاق أفضل، بشأن نشاطاتها العدائية كلها وليس فقط برنامجها النووي.
ورغم موقف بريطانيا المختلف عن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب واتفاقها مع بقية القوى الكبرى الموقعة على الاتفاق النووي في 2015 (وهي بالإضافة لبريطانيا وأميركا: فرنسا وألمانيا والصين وروسيا) على ضرورة إنقاذ الاتفاق لمنع إيران من إنتاج سلاح نووي، إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تصعيدا حادا بين طهران ولندن.
ناقلات وتحرش بحري
يتزامن التصعيد الأخير مع لقاء وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت (والمرشح المنافس على رئاسة وزراء بريطانيا)، الوزير الأول لجبل طارق، فابيان بيكاردو، في لندن بشأن ناقلة النفط الإيرانية (غريس 1) التي احتجزها مشاة بحرية الأسطول الملكي البريطاني قبل أسبوعين لانتهاكها قوانين العقوبات الدولية على سوريا.
وفي مكالمة هاتفية بين هانت ونظيره الإيراني جواد ظريف، عرض هانت الإفراج عن طاقم الناقلة الإيرانية إذا تعهدت إيران عدم نقل النفط إلى سوريا، وهو ما يمثل انتهاكا للعقوبات الدولية على دمشق لا يمكن القبول به. لكن الوزير الإيراني كرر النفي بأن تكون الشحنة موجهة لسوريا، لكنه أصرّ على عدم تحديد وجهتها، ما جعل المسؤولين البريطانيين يتشككون في نوايا إيران.
وهددت إيران بمهاجمة ناقلات بريطانية في الخليج ردا على احتجاز ناقلتها قبالة شواطئ إسبانيا، وبالفعل تحرّش عدد من الزوارق البريطانية بناقلة نفط بريطانية كانت تعبر مضيق هرمز قبل أسبوع، ما اضطر سفينة حربية تابعة للأسطول الملكي البريطاني (الفرقاطة إتش أم إس مونتروز) للتدخل وتحذير الإيرانيين فلاذوا بالفرار.
وبعدها بأيام قليلة تعرضت قطعة عسكرية بريطانية أخرى (المدمرة إتش أم إس دنكان) لمحاولة اعتداء إيرانية في مياه البحر الأحمر وهي في طريقها إلى الخليج لتعزيز القدرات العسكرية البريطانية في المنطقة لحماية الملاحة الدولية من خطر التهديدات الإيرانية.
ورصدت القوات البحرية السعودية زورق تفجير مسيّر عن بعد في طريق المدمرة البريطانية، ما جعل الأخيرة تتخذ وضع الاستعداد الحربي قبل أن يتلاشى الخطر. وقال خبراء عسكريون بريطانيون إن محاولة الاعتداء بزورق متفجر على قطعة للأسطول الملكي البريطاني هو تصعيد عسكري إيراني، حتى لو كان الزورق مسيّرا من قبل ميليشيات الحوثي التابعة لإيران في اليمن.
نتائج عكسية
ويتوقع كثير من المراقبين أن يأتي التصعيد الإيراني مع بريطانيا بنتائج عكسية ويدفع بالبريطانيين أكثر نحو الموقف الأميركي، ما يهدد الاتفاق النووي كله بالانهيار. وهذا ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب للقول إن موقف أوروبا من الاتفاق يتغير.
ويوم الخميس الماضي كتب ترمب على تويتر “يبدو أن البريطانيين والفرنسيين والألمان بدأوا يقتنعون بأن الإيرانيين لا يريدون خيرا”.
وبدأ كثير من الكتاب والمعلقين في بريطانيا والولايات المتحدة يذكرون الجمهور بمراوغات إيران واستخدامها لأوراق الضغط للتنصل من التزاماتها. واستعاد كثير منهم وعود وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لوزير الخارجية الأميركي الأسبق في عهد الرئيس باراك أوباما، جون كيري، والتي تنصّل منها بعد ذلك.
وأشار هؤلاء إلى ما صرح به ظريف قبل أيام من أن برنامج الصواريخ الإيراني مطروح للتفاوض، ثم عاد وتراجع عن ذلك بعد ما بدا أنه “وُبّخ” من القيادة الإيرانية المتشددة في طهران. وهذا ما يجعل البريطانيين لا يثقون في أن ظريف مفوّض بالفعل لاتخاذ مواقف في حديثهم معه.
ومع استمرار التصعيد الإيراني تتزايد عدم الثقة البريطانية في إمكانية إنقاذ الاتّفاق الحالي، لذا تعمل بريطانيا بالفعل على تعزيز وجودها العسكري في الخليج.
فبالإضافة إلى المدمرة “دنكان” التي ستنضم للفرقاطة “مونتروز” خلال يومين تقريبا، سترسل بريطانيا الفرقاطة “إتش أم إس كنت” إلى الخليج في غضون شهرين، لتصل منتصف سبتمبر (أيلول) تقريبا. وتصاعدت في الآونة الأخيرة الأصوات البريطانية المطالبة بضرورة تعزيز قدرات الأسطول الملكي لحماية المصالح البريطانية.
وذكّر البعض الإيرانيين بأن بلادهم كانت القوة الغربية الوحيدة التي أرسلت قوات مع الأميركيين في حرب غزو واحتلال العراق مطلع القرن.
حماية الملاحة
وتشارك بريطانيا منذ بداية التصعيد الأخير في الخليج ضمن الجهود الدولية لحماية ممرات التجارة الدولية في الخليج وبحر عمان، لكنها زادت من عملياتها أخيرا بسبب التهديدات الإيرانية. وتحظى السفن التجارية البريطانية الآن بحماية عسكرية عند عبورها من مضيق هرمز لتفادي أي اعتداءات إيرانية محتملة.
وكان البريطانيون الأكثر قربا من الموقف الأميركي الذي اتهم إيران بالاعتداء على ناقلتي اليابان النفطيتين قبل أسابيع وقبله التفجيرات التخريبية لأربع ناقلات قبالة السواحل الإماراتية في بحر عمان. لكن بريطانيا ما زالت، حتى الآن، ترى أن هناك إمكانية لخفض التصعيد وإعادة الإيرانيين “إلى صوت العقل”، لذا كانت مشاركتهم مع فرنسا وألمانيا أخيرا في التوصل لآلية لتخفيف عبء العقوبات الاقتصادية على طهران، بخاصة في المجالات الإنسانية.
إلا أن الإيرانيين يطالبون بما هو أكثر، وكأنهم يريدون دفع الأوروبيين للضغط على الأميركيين، وهو ما لا يعتقد أحد أنه ممكن.
وحتى الآن، تعامل البريطانيون مع محاولات إيران بتعقل شديد، لكن تهديد الملاحة الدولية وممرات التجارة العالمية واستهداف مصالح بريطانية مباشرة قد يدفع بالبريطانيين إلى التخلي عن هذا “التعقل”.
صحيح أنه في آخر مناظرة للمتنافسين على زعامة حزب المحافظين الحاكم ورئاسة الوزراء، لم يبدِ أي منهما تصعيدا مع إيران، لكن ذلك يمكن أن يتغير، خصوصا في حال فوز المرشح الأوفر حظا برويس جونسون.
وكان جونسون قال في المناظرة الأخيرة ردا على سؤال “إذا كان القصد إنه حين أصبح رئيسا للوزراء هل سأرسل قوات بريطانية مع الولايات المتحدة لمحاربة إيران، فالإجابة هي: لا”. أما منافسه جيريمي هانت فقال إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة تريد حربا مع إيران.
لكن رئيس الوزراء البريطاني الجديد لن يمكنه تبرير التقاعس عن حماية مصالح بلاده أمام التصعيد الإيراني. ومع أن الناقلة الصغيرة التي أعلنت إيران احتجازها ليس معروفا بعد علم أي بلد ترفع ولا من يشغلها، إلا أن بريطانيا تجد نفسها أمام مسؤولية مشاركة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لحماية ممرات الملاحة والتجارة الدولية.
المصدر: اندبندنت عربية