هبة محمد
توثق مشاهد الأشلاء والدمار مجزرة مروعة ارتكبها سلاح الجو الروسي في ريف إدلب أمس الإثنين، راح ضحيتها نحو 43 مدنياً، على الأقل، بينهم عنصر من الدفاع المدني، فيما أصيب نحو 105 آخرين بجروح متفاوتة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وحوّلت الصواريخ الشديدة الانفجار منازل المدنيين إلى كومة حجارة وصخور دفنت تحتها الأهالي، ويأتي التصعيد العسكري نتيجة طبيعية لعدم إيجاد حل سياسي وتوافق واضح بين الضامنين الدوليين، روسيا وتركيا، حيال ما يجري في إدلب وريف حماة الشمالي، وسط محاولة موسكو التي فشلت في أرض الميدان أمام فصائل المعارضة على فرض خريطة وترتيبات جديدة للمنطقة الواقعة في محيط الأوتوستراد الدولي الواصل بين دمشق وحلب.
وقال فريق الدفاع المدني إن الطائرات الحربية استهدفت منازل المدنيين وسط مدينة معرة النعمان بأكثر من 8 غارات جوية، خلفت أكثر من 60 ما بين قتيل وجريح، فضلاً عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بمنازل المدنيين والمحال التجارية.
وتتشابه الجرائم ضد الانسانية، إذ لا تختلف الصور التي بثها الناشطون والأهالي في معرة النعمان عن مثيلاتها في خان شيخون وغيرها من المناطق الداخلة في نظام «خفض التصعيد»، في حين تداول ناشطون معارضون للنظام صوراً وأشرطة فيديو، تظهر فيها حالة الخوف والهلع ومحاولات إسعاف المدنيين والأطفال المغموسين بدمائهم، فيما وصف أحدهم الموقف بأنه «القيامة».
مدير الدفاع المدني السوري، رائد صالحة، قال انه يتواصل «منذ الصباح وعند حدوث المجزرة، بشكل مباشر مع الدول الفاعلة في الملف السوري، ومدير مكتب المبعوث الدولي، كما أرسل لهم جميعاً بيانات وتحديثات الوقائع، وهو أكثر من يمكن إنجازه» بالنسبة للخوذ البيضاء.
ويرجع مراقبون وخبراء لـ«القدس العربي»، التصعيد المتواصل من أكثر من شهرين، إلى تعثر المباحثات بين اللاعبين الدوليين، ومحاولة الطرف الروسي الضغط على أنقرة –صاحبة الموقف الأضعف- لإجبارها على الانفتاح على النظام السوري، والحصول على تنازلات أخرى. وتتركز حملات القصف الجوي المكثفة منذ بداية اتفاق سوتشي على المدن الواقعة على خط أوتوستراد دمشق- حلب الدولي، أو ما يعرف بخط «ام 5»، وهو سبب استهدافهم المتكرر، حسب ما يقول الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أيمن الدسوقي، واصفاً واقعهم بحرب الإبادة المخطط لها.
ويقول لـ«القدس العربي» إن استهداف خان شيخون ومعرة النعمان الواقعتين ضمن المنطقة الثانية في اتفاق خفض التصعيد، يعطي دلالات واضحة على رغبة روسية بفرض تنظيم جديدة للمنطقة الواقعة على الأوتوستراد وما يتضمنه ذلك من: منع تواجد فصائل المعارضة في هذه المنطقة، ونشر دوريات روسية-تركية مشتركة، ونزع سلاح الفصائل وافتتاح طريق «ام 5» أمام الحركة التجارية، وما يعزز هذا التحليل تصريح محافظ حلب منذ عدة أيام، الذي تحدث فيه عن قرب افتتاح هذا الطريق، وفق معلومات مؤكدة حسب قوله.
توقف المواجهات البرية واستبدالها بحرب وقصف جوي يعود – حسب رؤية الدسوقي- إلى تغير التكتيك، بعد حجم المقاومة التي أبدتها فصائل المعارضة وفاقت توقعات الروس، فضلاً عن الخسائر الكبيرة التي منيت بها قوات الروس، التي لا تتناسب كلفتها مع الأهداف الميدانية التي تحققت.
لذلك، تعمل موسكو على ضرب الخطوط الخلفية لفصائل المعارضة وعدم منحها الوقت للراحة وتجميع قواتها، ورفع كلف القصف على المدنيين بهدف كسر الحاضنة الشعبية الداعمة للفصائل، واستثمار ما سبق من قبل موسكو للحصول على تنازلات من المعارضة، وفق ما تم ذكره آنفاً. إضافة إلى منحها الوقت لتجميع وترتيب القوات المقاتلة والمليشيات الموالية لها تمهيداً لعمليات برية مستقبلية ضد مناطق سيطرة المعارضة.
اعتبرت مصادر تركية أن النظام السوري يسعى إلى مسح «خان شيخون» من الخريطة، بسبب ما تتعرض له المدينة من قصف بري وجوي رغم خلوها من السكان إلى حد كبير، منذ مطلع فبراير/ شباط الماضي، حيث تصدرت خان شيخون الأجندة العالمية، حسب وكالة الأناضول، إثر مجزرة وقعت جراء هجوم بالأسلحة الكيميائية من قبل النظام في 4 أبريل/ نيسان 2017، أسفر عن مقتل أكثر من 100 مدني. ولم يكن مستغرباً بالنسبة للباحث السياسي عدم التوصل إلى توافق روسي- تركي تام حيال ما يجري في إدلب وريف حماة الشمالي، معتبراً أن هذا التعثر هو ما أنتج التصعيد الروسي، الذي يمكن إدراجه ضمن خانة الضغوط على تركيا للحصول على تنازلات منها فيما يتعلق بتطبيق اتفاق سوتشي، وإحداث خرق في العلاقات مع النظام السوري، إذ يأتي الضغط الروسي في وقت تدرك فيه موسكو ضعف الموقف التركي مع تنامي خلافات أنقرة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» كانت قد كشفت في تقرير لها عن مقتل 606 مدنيين في هجمات شنتها قوات النظام وحلفاؤه على منطقة خفض التصعيد في إدلب التي تؤوي نحو 3 ونصف مليون بشري مناوئ للنظام السوري، وذلك منذ 26 أبريل/نيسان الماضي. كما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان المزيد من الخسائر البشرية جراء المجزرة التي نفذتها طائرات الضامن الروسي في مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، حيث ارتفع عدد الضحايا الى 19 مدنياً جراء الغارات الجوية التي نفذتها طائرات الجانب الروسي على سوق شعبي في مدينة معرة النعمان صباح اليوم، فيما لا يزال عدد القتلى مرشحاً للارتفاع لوجود أكثر من 45 جريحاً، بعضهم في حالات خطرة، بالإضافة إلى وجود مفقودين عالقين تحت الأنقاض.
في حين ارتفع عدد الغارات الروسية والسورية، التي نفذتها المقاتلات الحربية صباح الإثنين، إلى 40 غارة، على كل من معرة النعمان وكفرسجنة ومعرزيتا وأرمنايا وبسيدا وكفروما بريف إدلب الجنوبي، وخان شيخون والركايا والتمانعة وترعي جنوب إدلب، ومحور كبانة في جبل الأكراد، والسرمانية ودوير الأكراد بسهل الغاب، ومورك في ريف حماة الشمالي. المتحدث باسم الفاتيكان قال، الإثنين، في بيان له، إن مبعوثاً للبابا فرنسيس أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماع، أمس، بمخاوف البابا إزاء الوضع الإنساني في شمال غرب سوريا. وسلّم الكاردينال بيتر كودو أبيا توركسون، الأسد رسالة عبر فيها البابا -بحسب رويتز- عن «قلق عميق» إزاء الوضع في سوريا، خصوصاً السكان المدنيين في محافظة إدلب.
إلى ذلك، قال الائتلاف الوطني المعارض، في بيان، الإثنين، إنه بات واضحاً أن «النظام وحلفاءه عالقون في حتمية خياراتهم الأولى، وبسبب طبيعتهم الاستبدادية والدكتاتورية والقمعية، فإنهم لا يتصورون وجود خيارات بديلة سوى الاستمرار في القتل، ومن هنا تظهر مجدداً مسؤولية المجتمع الدولي تجاه حالة الاستعصاء الجارية وسلسلة القتل المستمرة التي تهدف إلى تقويض جهود استئناف العملية السياسية».
وجدد الائتلاف الوطني تأكيده أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وعلى رأسه مجموعة من الدول الفاعلة، قادرون ومطالبون بوقف الهجمات والجرائم، والعمل على وقف القتل والإجرام والتهجير، وتحريك المسار السياسي للملف السوري وفق القرارات الدولية.
المصدر: القدس العربي