محمود الشمالي
أبلغت مديرات الصحة في كل من إدلب وحلب وحماة كوادرها ضمن “مشروع تمكين مديريات الصحة”، الذي تدعمه الوكالة الألمانية للتعاون الدولي “GIZ”، بتعليق المشروع، إلا أنها ستستمر بتقديم المستحقات المالية لمدة ثلاثة أشهر.
منسق في المشروع، قال لـ”المدن”، إن قرار “تعليق المشروع” هو “التزام أخلاقي من قبل الجهة المانحة، ولا يترتب عليه أي اثر مالي حتى انتهاء الشهور الثلاثة”، وأضاف أن القرار جاء بهدف “إلغاء بعض الأنشطة في المشروع، ومناقشة أنشطة أخرى خلال هذه المدة”.
وأشار المصدر إلى أن “رفع التعليق” يحتاج إلى مناقشات وجهود كبيرة من قبل القائمين على الوضع الطبي في إدلب، ما لم يصر المانح على توقيف المشروع بشكل نهائي.
نائب مدير صحة إدلب مصطفى العيدو، قال لـ”المدن”، إن توقف الدعم الخارجي عن مديرات الصحة سيشكل “كارثة بكل معنى الكلمة، لعدم وجود موارد محلية قادرة على تغطية النفقات الكبيرة للقطاع، وعدم قدرة الناس على دفع تكاليف العلاج في القطاع الخاص”.
الباحث في الشؤون الطبية مأمون السيد عيسى، قال لـ”المدن”، إن تبعات تعليق الدعم تتمثل بتوقف خدمات بنوك الدم، ومراكز التلاسيميا والسل، والرقابة الدوائية، ونظام الإحالة، والطب الشرعي، واتلاف النفايات الطبية، ومنظومة الإسعاف المكونة من 37 سيارة في إدلب و31 في حلب.
ومما لا شك فيه، بحسب السيد عيسى، أن تنسيق العمل الصحي الذي تقوم به المديريات سيتعطل بعدما ضَبَطَ الوضع الصحي. وكذلك، يمكن ان تتعطل عملية الحوكمة لهذه المديريات بعدما وصلت إلى مراحل متقدمة تمثلت بمنح التراخيص الطبية وتنظيم العمل وتنسيق الدعم.
وبالتالي، سيتضرر 93 مشفى و117 مركزاً طبياً و112 مركز رعاية صحية أولية تقدم خدماتها بشكل مجاني للسورين في المناطق المحررة.
تعليق متكرر
أرجع العيدو، أسباب توقف الدعم الى التغييرات السياسية والعسكرية على الأرض، وقال: “أي تدخلات يمكن أن تحصل في قطاع الصحة مهما كانت صغيرة من قبل أي جهة عسكرية أو إدارية مرتبطة بها سيكون له عواقب، واعتقد أيضا أنها مرتبطة بالتغييرات السياسية التي تحصل في دوائر صنع القرار في البلدان المانحة”.
وأضاف أن الدول المانحة عادة ما تقوم بدراسة خريطة السيطرة على الأرض، بشكل مستمر، من الناحية العسكرية والإدارية، كما تقوم بتقييم سير العملية السياسية، وتقاطع كل هذه المعلومات لرسم صورة يُبنى عليها استمرار الدعم والاستثمار في المنطقة أو لا. كما ان الموضوع يختلف حسب طبيعة الدعم ان كان انسانياً أو دعم استقرار.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُعلّقُ فيها الدعم عن مديريات الصحة. في مطلع 2019 أصدرت “GIZ” قراراً مماثلاً، إبان سيطرة “هيئة تحرير الشام” على معظم مناطق إدلب، وتمدد “حكومة الإنقاذ” فيها. الوكالة رفعت التعليق بعد ثلاثة أشهر، ولكنها فرضت شروطاً صارمة بضرورة عدم تدخل أي جهة كانت بعمل مديريات الصحة مع تخفيض قيمة الكتلة المالية المخصصة للمشروع.
الجانب التركي
الخدمات الطبية في ريف حلب الشمالي الخاضع للسيطرة التركية، والتي تشرف عليها مديريات الصحة التركية، أفضل بشكل واضح من مناطق إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي الخاضعة لـ”حكومة الإنقاذ”.
مديرية الصحة التركية تقوم حالياً بتجهيز مشفى اعزاز والذي سيدخل الخدمة الطبية قريباً، بالإضافة الى مشافي في مارع والباب والراعي. وتتكفل الصحة التركية بدفع رواتب كوادر هذه المشافي، وتطبق عليهم القوانين التركية.
مسؤول في منظمة “سوريا للإغاثة والتنمية” المحلية، قال لـ”المدن”، إن “عدد كوادر الطاقم الطبي في حلب الشمالي أفضل بالمقارنة مع ادلب، هذا عدا عن الأجهزة والمعدات الطبية الاحدث التي توفرها الصحة التركية المشرفة بشكل كامل على العمل الطبي”. إلا أن “الفارق يتمثل بالبنية التحتية الجيدة جداً للعمل الطبي في ادلب، مع وجود مشافٍ وطنية كبيرة مبنية للعمل الطبي”.
خطط بديلة
في مواجهة أي قرار لتوقف الدعم تملك مديريات الصحة خططاً للطوارئ، وذلك من خلال العمل التطوعي لبعض المنشآت ريثما يتم تأمين حلول بديلة، والتعاون مع بقية المنشآت الطبية الموجودة من أجل توجيه المرضى، من خلال نظام الإحالة للمنشآت الطبية المستقرة، وتخفيف الضغط عن المنشآت التي توقف عنها الدعم.
مسؤول القسم الإعلامي في مديرية صحة حماة إبراهيم الشمالي، أوضح لـ”المدن”، وجود عمل فعلي لإطلاق حملة مناصرة لمديريات الصحة على أعلى مستوى، بهدف ثني المانحين عن قرار التعليق بالدرجة الأولى، أو لفت انتباه المنظمات الإنسانية إلى ضرورة الحفاظ على عمل مديريات ودعمها وعدم التفريط بجهودها التي وصلت الى مراحل متقدمة من العمل الحكومي الخدمي.
وكذلك فمن الممكن اللجوء إلى العمل الخيري عن طريق اقتطاع مبالغ رمزية من المرضى لتوفير الحد المقبول من المردود المادي. ومن الصعب تطبيق ذلك عملياً، نظراً للظروف المادية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها السكان، ما يضيف عليهم ضغوطاً مالية جديدة.
استمرار كوادر القطاع الطبي بالعمل، قد يعيقه توقف الدعم لفترة طويلة، ما سيؤدي إلى تراجع الخدمات بشكل تدريجي وتناقص جودتها، بالإضافة إلى المزيد من هجرة الكوادر. فالأثار السلبية لهذا التعليق يمكن أن تظهر في غضون 6 أشهر، كما قدر العيدو.
التعليق والتصعيد العسكري
صدر قرار التعليق في ظروف صعبة للسوريين في إدلب وأرياف حماة، في ظل الهجمة الشرسة التي تقوم بها مليشيات النظام الروسية، ما أدى إلى نزوح 330 ألف نسمة. وشكل ذلك تحدياً كبيراً للقطاع الطبي، خاصة بعدما باتت المشافي والعيادات والكوادر الطبية هدفاً اعتياديا للطائرات الروسية. وتعرضت 31 منشأة طبية للقصف، 20 منها دُمرت وأُخرجت عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي، كما توقفت 50 منشأة عن العمل بسبب الوضع الأمني، ما تسبب بحرمان المنطقة من 175000 خدمة طبية مجانية، بحسب العيدو.
وبالتالي، فإن اضعاف دور مديريات الصحة في هذه المرحلة سيكون كارثياً يعمق من معاناة السكان. وتابع العيدو: “نؤكد ان ملكية المؤسسات الصحية هي للمجتمع وبالتالي ستستمر بالعمل بكل الظروف ويمكن لدورها ان يقوى او يضعف، ويمكن لخدماتها ان تكون أكثر أو أقل جودة وذلك حسب توافر الموارد البشرية والمالية والمعرفية التي سوف تبقى ملتزم برسالتها الإنسانية وخدمة المجتمع”.
أين المنظمات الطبية؟
للمنظمات الطبية دور كبير جدا في تمويل الانفاق على الخدمات الصحية الى جانب مديريات الصحة التي لها السلطة الاشرافية والتنظيمية على عملها. ومن تلك المنظمات “سيما” و”سامز” و”أوسم” و”شفق”، بالإضافة الى منظمات عالمية أيضاً منها “لجنة الإنقاذ الدولية” و”Relief International”.
وتدعم هذه المنظمات مشاريع طبية مختلفة على أساس تعاقد غير دائم شهري أو سنوي، ومشاريع غير ثابتة يمكن أن تتوقف في أي وقت. ولكن لها دور كبير جداً في رأب الفجوة في هذا القطاع الحيوي، الذي يعتبر متماسكاً مع وجود مديريات الصحة، وهي الجسم التنسيقي الحقيقي على ارض الواقع الذي يستطيع توجيه الدعم الطبي لتغطية مختلف انحاء المناطق المحررة.
“خلال الفترات السابقة وجّهت المديريات بعض منظمات إلى مناطق جديدة كانت سابقاً غير مخدمة طبياً، كما أصبحت مديريات الصحة في غالب الأحيان المسؤولة عن اجراء مسابقات التوظيف للكوادر الطبية التي تطلبها المنظمات كل مديرية في منطقة عملها”، بحسب الشمالي.
تذبذب الدعم المالي للقطاع الطبي وهو العمود الفقري لصمود المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة يشكل التحدي الأكبر على الجهات الطبية العاملة، خاصة مع التصعيد العسكري العنيف لمليشيات النظام الروسية الذي يستهدف بالدرجة الأولى المرافق الحيوية وعوامل صمود السكان.
المصدر: المدن