ما يزال مصير منطقة شرق الفرات وشمالها في حكم المجهول، مع عدم وضوح اتفاق المنطقة الآمنة بين الولايات المتحدة وتركيا، في ظل تهديدات متكررة باستهداف المنطقة عسكريا من قبل أنقرة بسبب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي تعتبرها تركيا على ارتباط بحزب العمال الكردستاني المحظور على أراضيها وتصنفه على قائمة الإرهاب.
وتتخوف تركيا بشدة من “مماطلة” أميركية في تنفيذ الاتفاق المعلن بينها وبين واشنطن بخصوص إنشاء المنطقة الآمنة شمال شرقي سوريا، وهو ما عبرت عنه تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام بتنفيذ “خطط خاصة” في حال ماطلت واشنطن في تنفيذ المنطقة الآمنة.
ويأتي تخوف أنقرة من خلال نقاط كثيرة تبدو غير واضحة؛ أبرزها عمق المنطقة الآمنة، والسلطة التي ستخضع لها، والأهم إخراج الوحدات الكردية (المكون الأبرز لقوات سوريا الديمقراطية) منها، والمدة الزمنية لتنفيذ الاتفاق، خاصة أن اتفاق خارطة الطريق بشأن مدينة منبج لا زال متعثرا بفعل ما يصفه مراقبون بالمماطلة الأميركية في تنفيذه.
أنقرة وواشنطن توصلتا عام 2018؛ لاتفاق حول خارطة طريق منبج، يقضي بانسحاب وحدات “حماية الشعب” الكردية من المدينة، وتولي عناصر من الجيش والاستخبارات التركية والأمريكية مهمة مراقبة المدينة، إلا أن الاتفاق لم يستكمل تنفيذه، حيث اتهم الجانب التركي منذ ذلك الوقت واشنطن بعدم الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بهذا الاتفاق.
سيناريوهات وخيارات
وفي ظل غياب التفاصيل حول الاتفاق الأميركي التركي حتى الآن بخصوص المنطقة الآمنة، مع وجود خلافات عديدة بين واشنطن وأنقرة، فإن السيناريوهات المحتملة أمام تركيا لتنفيذ المنطقة الآمنة بمواجهة أمريكا قد تكون محدودة بسبب تمسك واشنطن بحليفتها في شرق الفرات “قوات سوريا الديمقراطية” وفق ما أوضحه محللون في تصريحات متفرقة لـ “أنا برس”.
يعتبر الكاتب والصحافي المعارض أحمد مظهر سعدو، أن استمرار القادة الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحاتهم المتتابعة حول عزمهم إنجاز المنطقة الآمنة، فهذا يعني بالضرورة أن الأمريكان مستمرون في المماطلة، والتلاعب فيما تم التوافق عليه، وبالتالي فإن ذلك يعني أن الجدية الأميركية في مهب الريح.
“وأن السياسة الأميركية التي اعتمدت على آليه ترك الباب مواربًا، وعدم فتحه على مصراعيه، هي التي ما برحت مستمرة، ولعل عدم انجاز أو تطبيق اتفاق (منبج) الموقع منذ حزيران/ يونيو 2018، بين الأمريكان والأتراك، يشير وبوضوح إلى مستوى التلاعب الأميركي، وعدم الجدية”، وفق سعدو.
ويوضح سعدو أن “الأتراك يدركون أنه لا ثقة واقعية بجل التصريحات أو التفاهمات مع الأمريكان، في وقت تستمر فيه المماطلة، وعمليات التسويف، ويؤشر إلى أن المنطقة الآمنة المزمعة ليست مجرد طائرات في الجو، ولا دوريات قليلة مشتركة بين الجهتين.
بل يفترض أن تتعدى ذلك إلى ما هو أكثر فائدة على جميع المستويات ومنها تقويض الوجود الكردي لقسد توابعها، على الحدود التركية، وكذلك الإفساح بالمجال نحو عودة طوعية مفترضة إلى ما ينوف عن مليون سوري لاجئ في تركيا، خاصة مع علو صوت المعارضة التركية من أجل إعادة اللاجئين السوريين إلى سورية في الآونة الأخيرة.
ويشير سعدو إلى أن الواقع الجيوسياسي الفج يقول إن كل التصريحات التركية تأتي في سياق الضغط، بل المزيد من الضغط السياسي على الأمريكان، حتى يدركوا أن الأتراك جديين فيما ينوون القيام به، في تطبيق اتفاقات المنطقة الآمنة على الأرض، فليس من مصلحة تركيا اليوم، القيام بعمل عسكري ضخم في شمال سورية دون التوافق أو الاتفاق مع الأمريكان ومع الروس أيضًا، لذلك فان مهلة نهاية أيلول قد لا تكون دقيقة فيما لو لم يتم التوصل إليه بينهما من توافقات جديدة قادرة على الإنجاز.
والسيناريوهات المتوقعة كما يعتقد سعدو، هي استمرار المباحثات التركية الأميركية العسكرية والسياسية، من أجل الوصول إلى اتفاق حقيقي يلبي مصلحة الدولة التركية، ولا ينهي الحالة العسكرية الكردية المدعومة أميركيًا، بشكل تام، بل ما يزال البنتاغون يرى باستمراره بدعم قسد مصلحة أميركية مستقبلية، على الأقل حتى نهاية عهد ترامب أو فترته الرئاسية الحالية.
نقاط الخلاف
وبدوره يقول الخبير العسكري المعارض العميد أحمد رحال، ما تزال نقاط الخلاف بين واشنطن وأنقرة أكثر مما تم الاتفاق عليه بخصوص المنطقة الآمنة، وواضح أن جدار الثقة مهزوز بين الجانبين، وهناك مخاوف متبادلة بين الطرفين.
وحول السيناريوهات المحتملة فيما يخص المنطقة الآمنة، يعتقد الرحال، بأن واشنطن تدرك تماماً أن تركيا في الوضع الحالي لا تستطيع الضغط، وتدرك أن تصريحات المسؤولين الأتراك هي موجهة للداخل أكثر مما هي قابلة للتطبيق والتنفيذ على أرض الواقع.
وتابع الرحال: أن تذهب تركيا نحو عملية عسكرية شرق الفرات، وهذا السيناريو الوحيد الذي تهدد به، فهذا صعب جداً؛ فتركيا تدرك تماماً خطورة أن دولتين في حلف الناتو أن يصطدموا مع بعضهم، ولا يمكن أبدا أن تدخل تركيا إلى شرق الفرات دون التنسيق مع واشنطن.
والاحتمالات الأخرى أو السيناريوهات الأخرى أو البديلة كما يرى الرحال، مرتبطة بفتح الحدود أمام اللاجئين كما هدد بذلك الرئيس التركي، والتي أكدت القيادة التركية بأن هذه التهديدات حقيقية.
وبحسب الرحال، فإن الأمور أصبحت تزداد تعقيدا أكثر مما كان الحال عليه في الفترة الماضية بين واشنطن وأنقرة.. فبعد أن صرح المسؤولون الأمريكيين عن وجهات تقارب بين الطرفين بخصوص المنطقة الآمنة.. لاحظنا في الأيام الماضية اتساع الفجوة والخلاف بينهما، حتى أن الحديث بدأ مجددا عن فرض عقوبات على تركيا.. وهذا يدل على أن اتفاق شرق الفرات قد انهار تماما.
واختم الرحال حديثه مع “أنا برس” بقوله إن تركيا أوراقها محدودة في مواجهة الولايات المتحدة الامريكية فيما يخص شرق الفرات.. مرجحا أن يكون هناك تنسيق أمريكي روسي لتحجيم دور تركيا في الملف السوري، وبالتالي فأن الضغوط متزايدة على أنقرة من قبل موسكو وواشنطن وستزداد في المرحلة المقبلة.
المصدر: أنا برس