أمين العاصي
لم تخرج القمة الثلاثية حول سورية التي استضافتها أنقرة أمس الاثنين بين الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، عن مسار سابقاتها بتفاهم الزعماء الثلاثة على ضرورة التسوية السياسية للصراع والتمسك بمسار أستانة، لكن بدا واضحاً أنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق تام حول قضايا حساسة مثل وضع إدلب ومصير نظام بشار الأسد، وذلك فيما كان النظام قد استبق القمة بقصف على إدلب ومحيطها أمس.
وبدا من كلمات الرؤساء الثلاثة في مستهل القمة، أن كل واحد منهم يركز على الأولويات التي يعتبرها أساسية بالنسبة لبلاده، فأردوغان كان يشدد على مواصلة الجهود “لتجفيف مستنقع الإرهاب في شرق الفرات”، متحدثاً عن “إلحاق هزائم كبيرة بالتنظيمات الإرهابية عبر عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون”. وأكد أن “مسار أستانة يعتبر المبادرة الوحيدة القادرة على إيجاد حلول ملموسة لإخماد الحريق المشتعل في سورية”، معلناً الاتفاق مع نظيريه على الحفاظ على وحدة سورية وإيجاد حل سياسي دائم للنزاع.
من جهته، كان بوتين يركز على قلق بلاده “الشديد من الوضع المتوتر في إدلب، التي تشهد تزايداً لنشاط الإرهابيين”، وفق قوله، مضيفاً أنه “لا يمكن أن تبقى المنطقة مرتعا للإرهابيين وعلينا أن نتخذ الجهود كافة لإزالة تلك المخاطر التي تأتي من إدلب”. كما شدد على أن “هناك مهمة ملحّة لإطلاق عمل اللجنة الدستورية إضافة إلى مكافحة الإرهاب”، مضيفاً أن “جهودنا المشتركة مكّنتنا من تأمين الاستقرار وخفض مستوى العنف، والأهم أننا تمكنا من إرساء أسس التسوية السياسية بناء على القرار 2254 الأممي”. كما أعرب بوتين عن قلقه الشديد من الوضع في شرق الفرات، معتبراً أن أي تطورات يجب ألا تؤثر في وحدة أراضي سورية.
أما روحاني فجدد القول إن الحل في سورية لن يكون عسكرياً، معيداً التركيز على ضرورة “عدم السماح للإرهابيين في إدلب باستغلال الظروف”، وتأكيد “استمرار محاربة الإرهاب حتى اجتثاثه وعودة اللاجئين وإعادة بناء سورية”.
وقبيل اللقاء الثلاثي، الذي تأخر، ما عكس حدة التباينات في وجهات نظر الدول الثلاث حول الملف السوري تحديداً الوضع في إدلب، عقد أردوغان لقاء مع بوتين استغرق ساعة ونصف الساعة، كما عقد اجتماعاً آخر مع روحاني استمر قرابة الساعتين. وأكد بوتين، أن العمل على تشكيل اللجنة الدستورية السورية على وشك الانتهاء، مشددا على ضرورة عملها مستقبلا بشكل مستقل وبلا ضغوط خارجية. في موازاة ذلك نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن روحاني قوله عقب لقائه أردوغان إنه “يجب دعم الحكومة السورية لمكافحة فلول الإرهابيين، خاصة في منطقة أدلب وشرقي الفرات، ومواصلة الجهود المشتركة حتى اقتلاع جذور الإرهاب في المنطقة”، ما يشير إلى حجم التباعد في الرؤى تجاه الوضع في إدلب وكيفية حل الملف.
ولم يأبه النظام السوري للقمة الثلاثية، بل واصل تصعيده العسكري والإعلامي، وخصوصاً في القصف على إدلب ومحيطها، محاولاً استثمار تقدّم قواته في الفترة الأخيرة في ريفي حماة وإدلب على حساب فصائل المعارضة سياسياً من خلال الإصرار على السيطرة على الطرق الدولية وفرض رؤيته حيال اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور دائم للبلاد تجري على أساسه انتخابات يأمل المجتمع الدولي أن تكون مدخلاً لحل سياسي مستدام ونهاية للحرب التي بدأها النظام ضد معارضيه عام 2011. بالتوازي مع ذلك، استمر في التهديد المعلن بمواصلة القتال في الشمال الغربي من سورية في حال لم تُفضِ قمة أنقرة إلى تفاهمات جديدة من شأنها فرض حلول مناسبة له، وبدا أن النظام يربط السيطرة على الطرق الدولية بتحريك ملف اللجنة الدستورية.
وقبيل ساعات من انعقاد القمة، كانت قوات النظام تواصل أمس الاثنين عمليات القصف المدفعي والصاروخي على محافظة إدلب في شمال غربي سورية ومحيطها، مستهدفة مناطق في جبالا ومعرة حرمة وحيش وكفرنبل وكرسعة والتح في ريفي إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، بالتزامن مع تحليق طائرات الاستطلاع في المنطقة ذاتها، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وكانت روسيا قد أعلنت عن وقف إطلاق نار من جهة النظام السوري وسرى على الأرض منذ نهاية أغسطس/آب الماضي، إلا أن قوات النظام لم تلتزم بالإعلان بشكل كامل واستمرت في عمليات خرق وقف إطلاق النار، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين. وتعمّد النظام وبضوء أخضر من الجانب الروسي، التصعيد قبيل أيام من القمة في محاولة واضحة لفرض الرؤية الروسية على الجانب التركي والتي تقوم على الشروع بخطوات جدية باتجاه تفكيك “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، وفتح الطرق الدولية بضمانات تركية، أو مواجهة شاملة تسعى خلالها قوات النظام للتقدّم مجدداً في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي وصولاً إلى مدينتي معرة النعمان وسراقب، المحطتين الهامتين على الطرق الدولية. ويتطلع النظام إلى السيطرة على الطريقين الدوليين “إم 4″ الذي يربط مدينة حلب بالساحل السوري، و”إم 5” الذي يربط حلب بمدينة حماة وسط البلاد ومنها إلى حمص ومن ثم دمشق.
وقبيل القمة، حاول النظام التسويق لفكرة عودة مدنيين إلى المناطق التي سيطر عليها أخيرا في ريفي حماة وإدلب، إذ نشر إعلامه معلومات عن عودة بعض أهالي مدينة خان شيخون الذين يقيمون في مناطقه إليها. وزعمت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام أن من أسمتهم بـ”الإرهابيين”، حاولوا “نشر الخوف باستهداف طلائع العائدين إلى خان شيخون”، في حين تؤكد المعطيات الميدانية أن ما نشرته الصحيفة عارٍ عن الصحة، إذ لم تحاول فصائل المعارضة استهداف المدينة منذ بدء وقف إطلاق النار قبل أكثر من أسبوعين. ولم تُسجَل أي حالة عودة إلى المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً، من المنطقة الخاضعة لفصائل المعارضة خشية قيام قوات النظام بعمليات انتقام بحق العائدين كما تفعل عادة في المناطق التي تسيطر عليها.
وعلى الرغم من موافقة النظام على الهدنة التي أعلنها الروس من طرف واحد في 31 أغسطس الماضي، الا أن قواته واصلت عمليات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي. ووثّق “المركز الإعلامي العام” في إدلب خروقات هذه القوات منذ مطلع الشهر الحالي وحتى منتصفه، موضحاً أن المقاتلات الحربية الروسية شنّت 10 غارات جوية بصواريخ شديدة الانفجار على الشمال الغربي من سورية ما أدى إلى مقتل مسن وطفل. وأشار المركز إلى أن طيران النظام شنّ 18 غارة خلال وقف إطلاق النار أدى إلى مقتل طفلة ودمار كبير بالممتلكات. وبيّن المركز أن القصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات النظام أدى إلى مقتل 10 مدنيين، بينهم طفلان وامرأتان، إثر قصف معسكرات الأسد والمليشيات الموالية له، ومعسكرات القوات الروسية بـ3578 قذيفة وصاروخاً مختلفة الأنواع نحو 81 مدينة وبلدة وقرية في محافظة إدلب ومحيطها.
وزار دمشق على نحو لافت، وقبيل يوم واحد من القمة الثلاثية، المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، والتقيا رئيس النظام بشار الأسد وبحثا معه أجندة قمة أنقرة. وذكرت صحيفة “الوطن” أن المشاورات أفضت إلى الاتفاق على أسماء اللجنة الدستورية كاملة وأعضائها، ونسب توزع الأطراف المكونة لها، مشيرة إلى أنه لم يتم الاتفاق على آليات عمل هذه اللجنة، إذ ما زال هذا الموضوع قيد البحث. ونقلت الوطن عن مصادر في النظام أن الأخير يتمسك بلائحة الأسماء التي قدّمها، رافضاً إجراء أي تغيير عليها. وكانت مصادر في المعارضة ذكرت لـ”العربي الجديد” أن النظام يطالب بعقد اجتماعات اللجنة الدستورية في دمشق في مسعى لتعطيل عملها لأنه يدرك ان المعارضة ترفض هذا المبدأ بالمطلق لأسباب سياسية وأمنية.
وتضاف قمة أنقرة إلى سلسلة قمم عقدها الثلاثي الضامن في سورية منذ بدء مسار أستانة أواخر عام 2016، لم تثمر عن حلول جدية مستدامة لجملة ملفات في القضية السورية، إذ سرعان ما تتنصّل موسكو وطهران من الاتفاقات مع أنقرة وهو ما يسمح للنظام بقضم المزيد من المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة. وعُقدت القمة الأولى في سوتشي الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تناولت مناطق خفض التصعيد التي أقرها مسار أستانة إضافة إلى ما سمي “مؤتمر الحوار الوطني” الذي رفضت المعارضة المشاركة فيه مطلع عام 2018. وعُقدت القمة الثانية في العاصمة التركية في إبريل/نيسان 2018، تلتها قمة في العاصمة الإيرانية طهران في السابع من سبتمبر/أيلول من العام الماضي، ولم تخرج بنتائج جدية حيال الوضع في إدلب. كما عقد أردوغان وبوتين وروحاني، قمة في مدينة سوتشي الروسية، منتصف فبراير/شباط الماضي، لم تفض إلى اتفاق واضح حول اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور للبلاد تجري على أساسه انتخابات.
المصدر: العربي الجديد