أحمد مظهر سعدو
في 7 تموز / يوليو 2018، تم توقيع الاتفاق بين الروس والأميركان وبعض المعارضة السورية في الأردن على التسوية، أو بشكل أصح تسليم منطقة (خفض التصعيد الجنوبية) التي تضم محافظتي درعا والقنيطرة، للنظام السوري، على غرار اتفاقات التسوية التي حصلت قبل ذلك، ومن ثم إنهاء وجود كل من لا يوافق على ذلك، وترحيله مع ذويه إلى منطقة خفض التصعيد في الشمال السوري محافظة ادلب. وقد بقيت في درعا والمنطقة الجنوبية كل التشكيلات العسكرية التي وافقت على التسوية وانضمت إلى الاتفاق، منها تشكيلات (بشار الزعبي، وأحمد العودة) لكن وفق شروط يُفترض أن تكون روسيا وقوات شرطتها العسكرية المنتشرة قد ضَمنتها. ومازال الحديث في درعا وخارجها يدور حول كيفية التسليم ولماذا، في وقت كان يمكن لتلك الفصائل أن تصمد أكثر، أو تحسن من شروط التسوية تلك. حيث أن الغموض ما يزال حول بعض الأدوار لبعض قادة التسوية وعرابيها.
وبعد أن مضى أكثر من عام على توقيع الاتفاق، في الجنوب إلا أن درعا ما تزال على صفيح ساخن، كما يقال، حيث تتزايد تحركات وعمليات اغتيال تستهدف شخصيات وقوات للنظام السوري، وكذلك لعناصر كانوا سابقًا في بعض الفصائل المعارضة. كما إن التظاهرات التي حصلت من قبل المئات من أهالي مدينة درعا في 11 آذار/ مارس 2019 رافضة إعادة تمثال حافظ الأسد، بعد أن حاولت أجهزة النظام إعادة نصبه هناك، أي في المكان نفسه للتمثال الذي سبق وأسقطته جماهير درعا، عام 2011، مع بداية ثورة الشعب السوري آنذاك. وكانت هذه المظاهرات الجديدة محاولة لإحياء روح الثورة من جديد حسب مراقبين.
وكان النظام السوري قد اعتبر هذه المظاهرات متنافية مع اتفاق المصالحة. الذي جرى بين روسيا والمعارضة في حزيران/ عام 2018.
والوقائع على الأرض تؤكد ذلك، إذ يحاول النظام السوري ومن معه من ميليشيا طائفية، وحزب الله، وكل كتائب الشبيحة الهيمنة والتغول على أهل حوران، متجاوزين في ذلك كل هذه الاتفاقيات، حيث تشتكي مجموعات المصالحات إلى الضامن الروسي ولا من مجيب، ولا يكلفون أنفسهم حتى الرد على ذلك وهذا ما قاله المحامي عدنان المسالمة المنسق العام للجنة التفاوض عن مدينة درعا للعربي الجديد حيث أكد لنا أن ” النظام مازال يتعامل بملف الجنوب كملف أمني، أما عن الاتفاقية وما نُفذ منها، النظام لم ينفذ شيء يذكر منها ومازالت معظم الملفات دون حل، ابتداء من ملف المعتقلين وحتى المنشقين والموظفين إلى أن نصل الى ملف الخدمات كلها دون المستوى المطلوب ولم ينفذ منها شيئاً يذكر.” وعن دور الروس باعتبارهم الضامن قال ” لقد بعثنا بمذكرة للروس للالتزام بتعهداتهم كجهة ضامنة وحتى الآن لا تجاوب ولا جواب”.
لكن ما يحاول فعله النظام السوري اليوم في المنطقة الجنوبية، وفي محاولة للالتفاف على اتفاق المصالحة، هو محاولته تشكيل أحزاب في درعا، ظاهرها معارض لكن جوانيتها التبعية للنظام، وهي نفس الأحزاب المُدجَّنة التي سبق وقام النظام بتشكيلها مسبقًا، من أجل أن يقال أن لديه تعددية حزبية ما، وأن لديه معارضة يمكن أن تشارك في اللجنة الدستورية المزمعة ، وسواها من المؤتمرات التفاوضية الدولية، لكن حقيقتها أنها تؤيد النظام بكل ما تستطيع، وهي مؤلفة من (الشبيحة) والمنتفعين، والمقربين، ومنها الذي يسمى بحزب( التضامن) وهو حزب قديم جديد حيث يتم الآن افتتاح فرعًا له في درعا، من أجل ضبط العملية السياسية والأمنية معًا.
وقد أشار الأكاديمي الدرعاوي أحمد الحمادي للعربي الجديد بقوله ” هذا توجه ليس بجديد ولكن بالحقيقة هو حزب قديم يحاول إحياء نفسه وضخ الحياة بمسيرته من جديد، حيث يعمل على تحقيق كسب بعض القواعد له في درعا، بعمل فرع له فيها، ويرأس الفرع شخصية كانت معارضة هو الدكتور (خالد قنبر). ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الحزب سيكون كغيره من الواجهات السياسية في ظل النظام المجرم القاتل”. ويرى الحمادي أن ” ﻻ رأي وﻻ برنامج وﻻ أجندة تنفذ، إﻻ كانعكاس للتوجه والضبط والسيطرة التامة للبوط العسكري الأسدي، ولنا في أحزاب ما يسمى (الجبهة الوطنية التقدمية) أكبر مثال.” واعتبر الحمادي أن ” النظام ﻻ يسعى لتنشيط الحياة السياسية العامة، بل كان كعادته يسعى لخلق واجهات هيكلية، دون جدوى فاعلة وتأثير بالتغيير، ومن خلال ملاحظتنا أثناء مسيرة ثورتنا رأينا بأن أغلب اﻷبواق شراسة ومزاودة وتهجمًا على الثورة ودفاعًا عن النظام القاتل المجرم، هم من هذه اﻷحزاب التي ارتضت العيش تحت بسطار النظام القمعي، لتحقيق مكاسب وامتيازات بسيطة لقادتها الذين ينفذون دورهم بكل احترافية.”
أما المحامي عدنان المسالمة فيقول للعربي الجديد ” ما جرى الحديث عنه من أن النظام قد سمح للمصالحات بإنشاء حزب سياسي في درعا ليجمع فيه المصالحات المقربين من النظام فأنا شخصيًا لم أسمع أن النظام سمح لأحد بإنشاء حزب سياس جديد “. وبشأن ما قيل بأن قوات النظام باتت تطوق مدينة درعا وهو ما يخالف اتفاقات سلفت أجاب المحامي “المعلومة ليست لها صحة إذ كيف تطوق درعا ونحن تقدمنا عليهم وأخذنا سجنة، وتقلصت الحواجز حتى لم يبق سوى عدد من الحواجز القليلة بين مناطق النظام والمناطق التي لدينا، وأنا لا أتوقع دخول النظام حاليًا إلى مدينة درعا.”
من جهته أكد الكاتب والمعارض السياسي أسامة المسالمة للعربي الجديد أن ” معظم مناطق درعا خارج القبضة الأمنية حتى الآن، وخاصه (درعا البلد) ومعها الجزء الكبير من الريف، ومازال السلاح الفردي بيد الأهالي، فبنية درعا لا تسمح بذلك، أي بتكوين أحزاب تابعة للنظام، وانتشار حزب الله في بعض المناطق بالقرب من القنيطرة ومنطقة اللجاة كنقاط عسكرية هو صحيحًا، لكن لن ينتشر المذهب الشيعي في درعا، لأن درعا مغلقة عشائريًا ولا تؤمن بالعمل الحزبي وما تراه طافٍ على السطح لا يعبر عن الواقع.” واعتبر أسامة المسالمة أن ” النظام الآن يمر بمرحلة هو غير قادر عمليًا َ على تقرير حتى مصيره فيها، وإلى أين تقوده اللعبة الدولية، والتي قد تطيح برأسه في مرحلة قريبة جدًا. المشكلة باعتقادي هي ببعض الباحثين عن الفتات والأدوار الشخص.ية لهم، بين ركام الوطن وشلالات الدماء، لشعب مذبوح، هؤلاء يبحثون عن مصالح ضيقة وآنية من خلال خلق حالات سياسية وهمية منفصلة عن الواقع، ولكنها تخدم طموحاتهم ومصالحهم، ولا أعتقد أن لهذه التشكيلات أي مستقبل، أو رصيد أو حتى مشروع سياسي”.
المصدر: العربي الجديد