يبدو أن الولايات المتحدة وتركيا لن تتوصلا قريباً إلى اتفاق بشأن «منطقة آمنة» مقترحة على طول الحدود التركية – السورية، على الرغم من طول فترة التفاوض التي قاربت السنة. وربما ضغطت أنقرة أكثر في الفترة الأخيرة، لأن ملف اللاجئين السوريين أصبح ينافس القلق الكردي في الأهمية، لاعتبارات داخلية انتخابية وتغليب النزعة القومية، وخارجية، فقد بدا مشروع «المنطقة الآمنة»، كما لو أنه محاولة تركية جديدة لإسكان مليوني سوري في المنطقة ليفصلوا بين أكراد تركيا وأكراد سوريا. فالمنطقة الآمنة العميقة التي تمتد على مسافة 20 ميلاً على امتداد أكثر من 400 كيلومتر من حدودها مع شمال شرقي سوريا، تريدها تركيا أن تحتضن ثلث اللاجئين السوريين، في أقل تقدير، الذين تستضيفهم.
وفيما يتعلق بالآلية الأمنية التي اتفق عليها الأمريكيون والأتراك قبل فترة، قامت أنقرة بتسيير دوريات مشتركة تقودها الولايات المتحدة تصل أحياناً إلى 14 كم، وهنا، لا يعتقد «آرون شتاين»، مدير برنامج الشرق الأوسط بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، في تعليقاته المنشورة على شبكة «تويتر»، أن «الولايات المتحدة يمكنها تقديم المزيد. لذا، يبدو حقًا أن الكرة في ملعب أنقرة حول الخطوة التالية»، ويرى أنه «وصلنا إلى مرحلة «والآن، ماذا بعد» الآلية الأمنية التركية – الأمريكية، لقد أعطت الولايات المتحدة ما يمكن أن تقدمه وهي تعلن «عودة» أنقرة إلى غرفة عمليات التحالف (مما يعني عدم مهاجمة «قوات سوريا الديمقراطية).
وأشارت تقديرات مراقبين إلى أن تركيا مُصممة على انتزاع «منطقة آمنة» بالعمق الذي تعلن وتدافع عنه، خالية من قوات «قسد»، وتشن حملة ضاغطة على الولايات المتحدة لمزيد من التنازلات الأمريكية، لكن لا يبدو أن واشنطن متحمسة لذلك، وتحاول جرَ أنقرة إلى القبول بمنطقة أقل مساحة مما اقترحته تركيا. وقد وافقت على خطة المنطقة الآمنة التي عرضتها الولايات المتحدة، لكن بشروط مع امتيازات هذا الجيب، وكذا «العودة إلى الولايات المتحدة لتقديم تنازلات بناءً على خطة مشتركة، ولكن لم يُتوافق عليها، رغم تكرار المطالبة والضغط»، كما هو رأي «آرون شتاين». وأضاف أن تركيا «كانت بارعة في تنفيذ إستراتيجية الجيب أو الضغط أو التهديد..»، لكن كل هذا، كما يرى مراقبون، قد لا يغير كثيراً من الحقائق على الأرض.
صحيح أن تركيا كثفت ضغطها ولا تكاد تهدأ وتدفع لإلزام إدارة تراكب في المنطقة الآمنة بالعمق الذي حدَدته، لكن واشنطن ليست متحمسة لهذا العرض، ويحاول ترامب استرضاء اردوغان ببعض الإجراءات والآليات، كالدوريات المشتركة وإخلاء مناطق حدودية من الوحدات الكردية، لكن لا يبدو، على الأقل حتى الآن، أن أمريكا مستعدة للذهاب بعيداً في تنفيذ الخريطة التركية للمنطقة الآمنة ـ وتتهمها أنقرة بأنها تتحرك ببطء شديد، أقرب إلى المماطلة والتراخي.
وربما حرصت تركيا على انتزاع امتيازات الجيب (المنطقة الآمنة بطولها وعمقها في شمال شرقي سوريا)، لأنها تهدف إلى إعادة توطين مليون لاجئ سوري في «منطقة آمنة» من خلال مشروع بناء ضخم (منازل، مستشفيات، مدارس، مساجد..)، يُكلَف حوالي 27 مليار دولار، وفقًا لما ذكرته محطة TRT Haber الحكومية، وهذا يقلق الروس، فإذا كانت موسكو قد غضت الطرف عن مطالب تركيا بمنطقة آمنة، وتفهَمت قلقها ومخاوفها، فإنها تتوجس من أي توسع تركي في منطقة شرق الفرات، ولا تريدها أن تذهب بعيدًا في استغلال «المنطقة الآمنة» لتكون مُلحقة بها.
ويشير مراقبون إلى أن من أبرز مسائل الخلاف الأمريكي – التركي حول «المنطقة الآمنة» في الشمال الشرقي، هو مطالبة أنقرة بالسيطرة الكاملة عليها بعمق 32 كيلومتراً من الأراضي الممتدة من نهر الفرات إلى الحدود السورية التركية العراقية، وتعارض واشنطن فكرة إنشاء منطقة تديرها تركيا، لصالح منطقة تديرها الولايات المتحدة، ويكون لأنقرة وجود محدود ويُسحب المسلحون الأكراد من منطقة حدودية بعمق 5 إلى 14 كيلومتراً، وهذا التباين نابع أساساً من الخلاف الجوهري حول تهديدات الأمن القومي لكل منهما.
و»تركيا غير راضية تمامًا عن مركز العمليات المشتركة الذي انشئ على الحدود السورية بالتعاون مع الولايات المتحدة»، كما أوضح الصحافي التركي، فهيم تاستكين، في مقال نشره موقع «المونيتور»، مضيفاً: «من وجهة نظر تركيا، يقيد المركز عملية شاملة شرق الفرات ضد القوات الكردية التي تعتبرها تركيا تهديدًا لأمنها القومي، غير أن عمق المنطقة المعنية بتسيير الدوريات لا يتوافق مع توقعات تركيا».
لكن، كما تساءل الصحافي «تاستكين» مستفهماً: «هل سيكون اردوغان قادرًا على انتزاع امتياز من ترامب، الذي وعده بمنطقة آمنة على بعد 20 ميلًا؟ وإذا لم يحصل اردوغان على ضوء أخضر من ترامب بنهاية أيلول/سبتمبر، فهل ستتحرك تركيا من جانب واحد؟». ولا يرجح الصحافي التركي أن «تشن تركيا هجوماً، حيث جمعت قواتها على طول الحدود مرات عدة لكنها امتنعت عن اتخاذ أي إجراء، لا يرجح ان تشن عملية من دون تنسيق مع الولايات المتحدة، وإذا استجاب ترامب لنصيحة مرؤوسيه الذين يتعاملون مع الملف السوري، فمن المحتمل ألا يرضي الأمر تركيا».
المصدر: القدس العربي