أمين العاصي
في الوقت الذي كان فيه الطيران الروسي والنظام السوري يمطران مدن وبلدات محافظة إدلب في شمال غربي سورية بالصواريخ والقذائف، مسببَين المزيد من المجازر بحق المدنيين إلى جانب تدمير مرافق عامة، كانت دبابات “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) تحاول اقتحام بلدة كفرتخاريم في ريف المحافظة الشمالي لكسر إرادة المعارضين لها وإخضاع كامل المحافظة لإرادتها والتنظيمات المتطرفة الملحقة بها. واتخذت “هيئة تحرير الشام” من خلافات على “أموال الزكاة” التي تجمعها ما تُسمى “حكومة الإنقاذ”، الذراع السياسية لها، ذريعة لاقتحام كفرتخاريم، فيما رفض أهالي البلدة الخضوع والتسليم لـ”الهيئة” التي تواجه مقاومة من مقاتلين محليين. وأكد ناشطون محليون مقتل عدد من المدنيين والمسلحين في اشتباكات اندلعت على إثر محاولات “الهيئة” اقتحام البلدة، مشيرين إلى أنّ محاولات الاقتحام تجري من محاور عدة وسط قصف مدفعي، فيما تدور اشتباكات على أطراف كفرتخاريم، في ظلّ استخدام “الهيئة” رشاشات ثقيلة وقذائف هاون.
وقالت صفحات مقربة من “تحرير الشام” إنّ مقاتلي الأخيرة سيطروا على الكازية ومشفى التوليد والمرصد في مداخل كفرتخاريم، بينما أعلنت مجموعات “لواء هنانو” التي تسيطر على البلدة، النفير العام لصدّ حملة الهيئة ضدّ البلدة وأهلها.
وأشارت الصفحات المقربة من “الهيئة” إلى أنّ هدف الحملة على بلدة كفرتخاريم هو “القبض على المفسدين”، زاعمةً أن هؤلاء “رفضوا الاتفاقات كافة التي جرت بين الهيئة ومجلس شورى المدينة”، واعتدوا بالضرب على أعضاء المجلس، وكسّروا سياراتهم “فلم يبقَ أمام الهيئة سوى التدخل لحل المشكلة”.
لكنّ مصادر محلية تحدّثت عن أنّ “هيئة تحرير الشام” وضعت في جميع معاصر الزيتون في البلدة أشخاصاً من طرفها من أجل أخذ “الزكاة”، الأمر الذي رفضه الأهالي الذين قرروا توزيع “الزكاة” على الفقراء في البلدة والنازحين المهجرين، وهو ما رفضته “الهيئة”، مهددةً باقتحام البلدة إذا لم ينصع الأهالي لطلبها، وأعطتهم مهلة 48 ساعة انتهت مساء أول من أمس الأربعاء.
ورفض أهالي كفرتخاريم اتفاقاً أبرمه “مجلس شورى” البلدة مع “الهيئة”، ونصّ على “دخول الأخيرة وسيطرتها على الحواجز ومعاصر الزيتون والمخفر فيها”. وأفاد موقع “بلدي نيوز” المعارض بأنّ “هيئة تحرير الشام”، بمشاركة ما يُسمى “أجناد القوقاز” و”الحزب الإسلامي التركستاني” وكلاهما تنظيمان متطرفان مرتبطان بـ”الهيئة”، استهدفت بلدة كفرتخاريم بالرشاشات والمدفعية الثقيلة وقذائف الدبابات منذ ساعات الفجر الأولى ليوم أمس الخميس، بغية اقتحامها وفرض السيطرة عليها، ما أدى إلى مقتل مدنيين وإصابة خمسة آخرين بجروح.
من جهته، أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أنّ الاشتباكات تتواصل بتقطع وبوتيرة متفاوتة العنف على تخوم كفرتخاريم، بين “الهيئة” من طرف، ومسلحين من أبناء البلدة ومقاتلين من “فيلق الشام” التابع للمعارضة السورية والمسيطر على المنطقة من طرف آخر، تترافق مع استهداف “تحرير الشام” للبلدة بالقذائف، في محاولة متواصلة منها لاقتحامها.
في غضون ذلك، أصدرت الفعاليات المدنية والثورية والعسكرية في كفرتخاريم، أمس، بياناً أكدت فيه أنّ الاتفاق بين مجلس شورى البلدة، وفصيل “هيئة تحرير الشام”، “قد ولد ميتاً، لكونه صدر عن جهة تابعة للأخيرة تدعي تمثيلها لأهالي كفرتخاريم”. ورفضت هذه الفعاليات في البيان ذاته، أن تسلّم سلاحها “الذي حاربت به نظام الأسد وحلفائه لسنوات” لفصيل “هيئة تحرير الشام” أو أي طرف آخر، كما رفضت تسليم أي شخص مطلوب في البلدة لـ”الهيئة”.
من جهته، شجب “المجلس الإسلامي السوري” التابع للمعارضة السورية، ومقره مدينة إسطنبول التركية، اقتحام “هيئة تحرير الشام” لبلدة كفرتخاريم، بعد رفض أهاليها دفع الضرائب لحكومة الإنقاذ التابعة لـ”الهيئة”. وجاء في بيان للمجلس أنّ “هيئة تحرير الشام ليست لها سلطة شرعية معتبرة حتى ولو بحكم الغلبة”، مشيراً إلى أنها “ليست دولة معترفاً بها، لا من قبل المناطق التي تسيطر عليها، ولا من غيرها، ولا حتى من قبل العلماء والوجهاء وأهل الرأي والمشورة”، وفق البيان. كذلك، استهجن الشارع السوري المعارض “عنتريات” هيئة تحرير الشام والفصائل المتطرفة الملحقة بها على أهالي كفرتخاريم، في وقت تعجز فيه عن القيام بحملة ضدّ قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي، بحسب تعبير البعض.
وتزامن هجوم “تحرير الشام” على كفرتخاريم مع تكثيف القصف من قبل روسيا والنظام السوري على بلدات إدلب وريفها، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى، وسط تخوف من عملية عسكرية مرتقبة للنظام على المحافظة.
وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أنّ وتيرة القصف الجوي من قبل الطيران الروسي وقوات النظام على مدن إدلب وبلداتها ارتفعت، مؤكداً أنّ هذا القصف هو الأعنف منذ وقف إطلاق النار الجديد نهاية شهر أغسطس/آب الماضي. وأشار المرصد إلى أنّ القصف استهدف أمس كلاً من مدن وبلدات حاس ومحيطها، وأطراف بينين ومعرزيتا ومعرة حرمة وسرجة والشيخ مصطفى ومعرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، وكفر حلب بريف حلب الغربي.
من جهتها، قصفت قوات النظام بلدة الحويجة بسهل الغاب، والركايا وتل النار ومحيط بلدة خان العسل في ريف إدلب الجنوبي، فيما دارت اشتباكات متقطعة ليل الأربعاء-الخميس بين قوات النظام والفصائل المقاتلة على جبهة الراشدين غرب حلب. بدورها، قالت وكالة “سانا” التابعة للنظام السوري إنّ مدنياً قتل وأصيب ثمانية آخرون نتيجة قصف الفصائل المسلحة بالقذائف على أحياء الجميلية والسريان ومحيط القصر العدلي السكنية في مدينة حلب. في الأثناء، قال بيان لفريق “منسقو استجابة سورية” إنّ الطائرات الروسية وقوات النظام تستهدف عمداً المنشآت والبنى التحتية في الشمال السوري، لافتاً إلى توثيق استهداف أكثر من 14 نقطة خدمية خلال 72 ساعة. وندد البيان بـ”صمت المجتمع الدولي وعجزه عن الوفاء بالتزاماته وواجباته بفرض القانون الدولي والإنساني وتوفير الحماية للمدنيين والمنشآت التي تقدم الخدمات لهم”، معتبراً أنّ استمرار الصمت هو “دعوة مفتوحة لقوات النظام وروسيا للاستمرار في تحدي قواعد القانون الدولي واقتراف المزيد من الجرائم بحق المدنيين”.
وكان الطيران الروسي قد دمّر الأربعاء مستشفيين في ريف إدلب وأخرجهما من الخدمة، هما مستشفى “كفرنبل” الجراحي الذي قصفته الطائرات الحربية الروسية بالصواريخ الفراغية مباشرةً، ومستشفى “شنان” للجراحة النسائية والأطفال. ودمرت الطائرات الحربية التابعة لقوات النظام، مبنى قيادة قطاع الدفاع المدني في مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ونقطة الدفاع المدني النسائية بالصواريخ الفراغية في المدينة نفسها.
على صعيد آخر، لا تزال التطورات العسكرية والميدانية تتلاحق في منطقة شرقي نهر الفرات، حيث ذكرت مصادر محلية أنّ “الجيش الوطني السوري” التابع للمعارضة، سيطر أمس الخميس على قرية الشركراك في ريف الرقة الشمالي بعد اشتباكات ليومين مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، فيما أشار “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى استقدام القوات الروسية مزيداً من التعزيزات العسكرية نحو القواعد العسكرية الجديدة لها شمال وشمال شرق سورية. وأفاد المرصد بوصول مزيد من الشاحنات التي تحمل معدات عسكرية ولوجستية نحو القاعدة العسكرية الروسية في عين عيسى شمال الرقة، والقاعدة العسكرية الروسية في منطقة منبج شمال شرق حلب.
في السياق، أكد مظلوم عبدي، القائد العام لـ”قوات سورية الديمقراطية”، أنّ لدى الأخيرة شرطين للتوصل إلى اتفاق مع النظام السوري حول مصير منطقة نهر الفرات: “الأول، أن تكون الإدارة القائمة حالياً جزءاً من إدارة سورية عامة ضمن الدستور، والثاني أن تكون قسد كمؤسسة استقلالية، أو يمكننا القول أن تكون لها خصوصيتها ضمن منظومة الحماية العامة لسورية”.
ورفض عبدي في تصريحات صحافية له الأربعاء، دخول “قسد” إلى قوات النظام على شكل أفراد وأشخاص وقيادات، معتبراً أن وجود قوات النظام على الحدود السورية التركية “سياسي لا عسكري”. وكانت “قوات سورية الديمقراطية” قد أبرمت تفاهماً مع النظام والجانب الروسي الشهر الفائت لإيقاف العملية العسكرية التركية، أتاح للأخيرين نشر قوات على طول الحدود السورية التركية شرق نهر الفرات، ما عدا الحدود ما بين مدينتي تل أبيض وراس العين، المقدرة بنحو 100 كيلومتر، وباتت تحت السيطرة التركية المباشرة.
المصدر: العربي الجديد