ياسر الحسيني
أعلن رئيس الحكومة اللبنانية (سعد الحريري) استقالته، بعد ثلاثة عشر يومًا من الاحتجاجات الشعبية، التي عمّت كلّ المدن اللبنانية، وعطّلت الحياة بمعظم جوانبها، مطالبة بسقوط أركان الدولة جميعها، متّهمة الجميع بالفساد.
ميّز الاحتجاجات هذه المرّة أنّها لا تنتمي إلى لون طائفي، كما جرت العادة في بلد محكوم بالمحاصصة الطائفية، ولا خرجت بمطالب سياسية تعبّر عن فريق معيّن، وإنما كانت مطالبها تتعلق بالأوضاع المعيشية والأعباء الماديّة التي أثقلت كاهل المواطنين، وسوء الخدمات وغياب المحاسبة، وحجم الضرائب التي تزداد يوماً بعد يوم.
على الرغم من أنّ الفرقاء السياسيين قد أجمعوا على أن مطالب المحتجّين محقّة، فقد كانت مواقفهم متباينة تجاه هذه الموجة العارمة التي لم تشهدها لبنان منذ عهد الاستقلال، والتي دفعت الكثيرين بأن يطلقوا عليها اسم “ثورة”.
(سمير جعجع) زعيم القوات اللبنانية، وجدها مناسبة لتأييده للحراك الشعبي، فسارع إلى سحب وزرائه من الحكومة، فيما خرج الأمين العام لحزب الله (حسن نصر الله) يخاطب اللبنانيين محذّراً من محاولة إسقاط الحكومة في الشارع، وأنّه لن يسمح بذلك حتى لو اضطر الأمر نزول محازبيه و”قلب المعادلة” على حدّ تعبيره، ثمّ ما لبث أن اتّهم بعض من يقودون الحراك، بأنّهم ينفذّون أجندات خارجية، ولهم ارتباط مع سفارات دول تسعى لزعزعة الاستقرار في البلد. ماحصل بعد ذلك، أنّ عناصر من حركة أمل الشيعية وحزب الله، هاجموا المعتصمين في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، وقاموا بتحطيم الخيم وتفريق المعتصمين بالعصي والهراوات، تنفيذاً لوعيد حسن نصر الله، فسقطت الحكومة التي كان يدافع عنها.
برز التيار العوني في تشكيكه بهذا الحراك الشعبي، وكذلك حركة أمل الشيعية التي يتزعّمها (نبيه بري) رئيس البرلمان، بالإضافة إلى حزب الله الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبنان اليوم. ولكن لإنصاف هذه الثورة لا بدّ من معرفة من هم الذين نزلوا إلى الشارع وإلى أيّ جيل ينتمون؟ إنّها ثورة شباب عايش في طفولته أحداثٍ هزّت لبنان، منذ اغتيال (رفيق الحريري) في شباط2005 ، وما تلاها من اغتيالات لشخصيّات كانت تعارض الوجود السوري وسلاح حزب الله، وكانت أصابع الاتهام موجّهة إلى الإثنين يومها بدون مواربة، ثمّ أصبح حزب الله بنظرهم جالب المصائب عندما شنّت إسرائيل حربها على لبنان في تموز2006، بسبب قيام حزب الله باختطاف جنديين إسرائيليين في الجنوب، ودفع لبنان كلّه ضريبة تلك المغامرة، خسائر بشرية وماديّة ضخمة ونزوح آلاف الأسر اللبنانية إلى سورية.
في السابع من أيار2007 استيقظت بيروت، على وقع استباحتها من قبل عناصر حزب الله (أصحاب القمصان السوداء) الذين قاموا بترويع الأهالي، وإطلاق الرصاص وقطع الطرقات والاعتداء على مبنى تلفزيون المستقبل، وهذا الجيل المنتفض يتذكّر جيداً كلّ تلك الأحداث وما تلاها من ممارسات سبّبت الأذيّة لهم في طفولتهم وشبابهم، ولهذا لايمكن لأي خطاب سياسي أن يقنعهم بالعدول عن التظاهر والمطالبة بحقوقهم المسلوبة، وخاصّة إذا جاء النصح من الجهة التي يراها المعتصمون أنّها هي أسّ البلاء الذي أوصل لبنان إلى حافّة الانهيار، أي حلف ما يسمى “المقاومة والممانعة” الذي يقوده حزب الله المثبت ولاءه لولاية الفقيه وليس للبنان .
لكن طبيعة الاتّهامات التي كان يروّج لها فريق (8 آذار)، عبر وسائل إعلامه كانت تثير المخاوف من الانزلاق إلى العنف، وعلى رأسها محطة التلفزيون التابعة لرئيس الجمهورية والتيار الحر”OTV” وتلفزيون “المنار” التابع لحزب الله، أو بكلمة أدقّ محاولة التخويف بالحرب الأهلية إذا ما استمرّت “الثورة” كما جاء على لسان حسن نصرالله، على الرغم من الطبيعة السلميّة للمظاهرات وشعاراتها الخالية من كل أشكال الطائفية أو الحزبية أو المناطقية، ولعلّ هذا ما أربك السيد حسن ومن هم تحت عباءته، وكم كان يتمنّى أن يكون للسنّة دوراً بارزاً في الساحات كي يلجأ إلى أسلوبه الذي اتبعه في سورية، إلّا أن الشارع السنّي فوّت عليه هذه الفرصة، وخاصة في مدينة طرابلس، بعد أن تعالت أصوات عديدة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، محذّرة المحتجّين بضرورة الحفاظ على سلميّتهم، مهما تعرّضوا للاستفزاز.
ثورة شبابية في عموم لبنان، اضطرّت حسن نصر الله للظهور على الشاشة ثلاث مرات في غضون أسبوعين، كان آخرها يتّصف بالهدوء ومحاولة استمالة الشارع، بعد أن أسقط في يده، ولم تنفع لغة التهديد والتخوين التي استخدمها في الخطابين السابقين، وهذا بحدّ ذاته مثيراً للريبة، فهذه اللهجة قد تخفي ماوراءها، وربما تشهد لبنان سلسلة من الإغتيالات التي يتقنها جيّداً هذا الحزب، الذي فشل في دفع الجيش للتصادم مع المتظاهرين، أو ربما يلجأ إلى افتعال حرب “مسرحية” مع إسرائيل لاستعادة ما يمكن من شعبيته التي هبطت إلى أدنى مستوياتها حتى في حاضنته الشيعية، فهل يذهب بعيدًا في مغامراته اللّاوطنية، كما يريد سيّده في طهران وحكم دولة الملالي؟.
المصدر: اشراق