عادت ظاهرة الخطف المتبادل في الجنوب السوري مرة أخرى، حيث سجلت مناطق في محافظتي درعا والسويداء في الشهر الجاري حوادث خطف متبادلة، وكان آخرها اختطاف طبيب من درعا في السويداء، ومدني من الأخيرة.
ويخشى سوريون أن يعيشوا مجدداً معاناة ظاهرة الخطف المتبادل بين المحافظتين (درعا والسويداء) الجارتين، الظاهرة التي بدأت منذ العام 2012، بعد خروج قسم كبير من محافظة درعا عن سيطرة النظام السوري. وغالباً، ما كانت عمليات الخطف المتبادلة تنفذها عصابات مسلحة بدوافع اقتصادية لطلب فدية، غير أن ذلك لا يعني غياب النزعات المناطقية القديمة الجذور عنها.
المحلل السياسي، الدكتور نصر فروان من درعا، حذر من تغذية هذه الظاهرة لفتنة طائفية ما بين أبناء درعا والسويداء، مشيراً في حديث خاص لـ»القدس العربي» إلى تورط أجهزة النظام السوري في المسؤولية عن إثارتها من حين لآخر. وقال «رغم محاولات أجهزة النظام السوري وتحريضها على عمليات الخطف المتبادل، إلا أن هذه الظاهرة لم تستفحل بسبب العادات والتقاليد، والقيم العشائرية، وحق الجيرة بين أبناء المحافظتين، وكذلك تدخل العقلاء والوجهاء من الجانبين».
وأضاف فروان، أنه منذ صيف العام الماضي 2018، بعد سيطرة النظام السوري على كامل الجنوب السوري، برعاية روسية، بدأت ظاهرة الاختطاف المتبادل تنحو منحاً خطيراً، حيث بات الفلتان الأمني يعم الجنوب السوري، وسط اتهامات لأجهزة النظام بالمسؤولية عن غالبية تلك العمليات، الهادفة إلى تدمير النسيج الاجتماعي السوري.
ووفق المحلل السياسي، فإن سيطرة النظام أدت بشكل غير متوقع إلى زيادة الفوضى، موضحاً «كان متوقعاً أن يتم ضبط الأمن بشكل كامل، غير أن المشهد اليومي أثبت عكس ذلك تماماً، حيث يكاد لا يمر أسبوع إلا وتسجل مناطق أرياف درعا الشرقية، وأرياف السويداء الغربية، أي مناطق التماس ما بين المحافظتين، عمليات خطف، وعمليات اغتيال». وقال فروان، إن هذه الظاهرة تلقي بظلالها على العلاقات المجتمعية بين درعا والسويداء، موضحاً «النظام يستفيد من إثارة الخلافات بين درعا والسويداء، لتعزيز سلطته الهشة في تلك المنطقة الاستراتيجية من سوريا».
ومقابل اتهام فروان الصريح للنظام السوري بالمسؤولية عن غالبية عمليات الخطف المتبادل في درعا والسويداء، أكد مصدر من درعا، أن قسماً كبيراً من عمليات الخطف هي بدوافع اقتصادية، عبر طلب الفدية التي تصل لمبالغ كبيرة، تتجاوز في بعضها حاجز الخمسة ملايين ليرة سورية. وأشار المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه في حديثه لـ»القدس العربي»، إلى انتشار البطالة والفقر الشديدين في عموم الجنوب السوري، مقابل انتشار السلاح وغياب السلطة الحقيقية عن تلك المنطقة.
كما أضاف، أن بعض عمليات الخطف تكون بدوافع انتقامية، تصفية لحسابات سابقة بين أبناء المحافظتين، لافتاً إلى وجود خلافات متجذرة في المنطقة، وقال «غير أن ما يثير الاستغراب، أن المسؤولين عن عمليات الخطف المتبادل، لا يتعرضون للملاحقة من قبل النظام، رغم أن الجميع يعرفهم بالاسم». ويشير ذلك وفق المصدر ذاته، إلى وجود مصلحة لدى النظام باستمرار هذه العمليات، التي من شأنها تقوية سلطته في المنطقة، حيث يحاول النظام ترهيب الجنوب السوري، لدفع الأهالي إلى الالتفاف حوله، لأنه هو الطرف الوحيد القادر على حماية الجميع، وفق قوله.
من جانبها، أشارت شبكة «السويداء 24» إلى تفاقم عمليات الخطف والخطف مضاد بين محافظتي درعا والسويداء، وذكرت على «فيسبوك»، أن أكثر من 15 حالة اختطاف سجلت على الجانبين مؤخراً طمعاً بالفدية المالية، مما أدى لحوادث رد فعل، بعد عجز الجهات الأمنية والمعنية عن حل المشكلة. وأضافت، أن «العقلاء تمكنوا سابقاً من تدارك هذه الظاهرة، رغم تجاهل الجهات الحكومية والمعنية لهذه الحوادث»، وتساءلت «هل ينجح أبناء السهل والجبل في تجاوز هذه المحنة».
يذكر أن النظام السوري كان قد استعاد السيطرة على درعا في تموز/ يوليو 2018، إثر توقيع اتفاق الجنوب مع فصائل المعارضة برعاية روسية، لكن الاتفاق لا يسمح بالانتشار في كل المناطق التي شملتها اتفاقات التسوية، باستثناء المؤسسات الحكومية التي عاودت عملها.
المصدر: القدس العربي