د _ زكريا ملاحفجي
يقول (زيغمونت باومان) عالم الاجتماع في سلسلته ، (الحياة السائلة و الرقابة السائلة )، حيث يؤكد بأن الرقابة التي كانت تفرضها الدول أو الأُسر مما يسمح بنشره أو لا يسمح بنشره وتحديده عبر محددات تراها الدول وفق رؤيتها باتت اليوم مستحيلة فالرقابة الصلبة انهارت، لذا أعتقد أن الأساليب التي تسلكها الدول في مواجهة الاحتجاجات التي تجتاح المنطقة عبر صوارم من حظر مواقع وقطع انترنت واعتقال لمجرد الرأي بات اليوم غير مجدي على الاطلاق، فخبر أي اعتقال ينتشر مثل النار في الهشيم ويتفاعل معه الآخرون ولو لم تنشره وسائل الاعلام الرسمية، ونحن مقبلين على زمن بدأ ينتشر فيه الانترنت الفضائي المفتوح، فحتى الدول لا تستطيع أن يكون لها أي مراقبة عليه، وهذا سيجعل الشعب أكثر وعياً وأكثر قدرة على الوصول للمعلومة وعلى نقد ورفض واقعه البائس فالحروب التي تشنها إيران في الوسط العربي وشعبها يعاني البطالة والحصار الاقتصادي وسوء توزيع الثروة الذي تسببه إدارة نظامها الحالي، قد أضحى متاحًا لفهم ومعرفة ذلك للصغير قبل الكبير، ولهذا أقول نحن أمام ثورات سائلة ستسيح في المنطقة ضد أي نظام لا يعي هذا الواقع الجديد ويتقن التعامل مع الشعوب بالشفافية والاقناع والحرية.
ضمن مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا سأل أحد المذيعين فنانة شاركت في الاحتجاجات هل أنت تنتمين لحزب يشارك في الاحتجاجات، فأجابته: لا لكن أنا لدي مليونين ونصف متابع على تويتر أعبر فيه للآخرين لمَ أنا شاركت بالاحتجاج وأتبادل معهم كل التفاصيل.
فالصورة التقليدية أيام الرقابة الصلبة والمعلومة تبقى حبيسة حزب ينشرها بمنشور بطريقة سرية لاتصل إلا لأعداد قليلة من البشر تتفاعل معها وتحت الخوف من السلطات باتت من الماضي، واليوم هناك واقع جديد يحتاج إلى فهم جديد وطريقة تعامل جديدة ، إذ ما عادت الشعوب تغيب عنها أية معلومة أو يسهل التلاعب بها كالسابق، والشعوب تتعلم من أخطائها، صحيح أن هناك حدودًا سياسية معترف بها دولياً، لكن الشعوب ككتلة بشرية تؤثر وتتأثر ببعضها وتتفاعل مع قضايا بعضها، ونحن أمام الذهاب للمواطن العالمي ولو اختلفت جوازات سفره وألوانها.
من أولى اهتمامات الشعب هو أن يعمل ويعيش ويشعر أن هناك توزيع عادل لثروات بلده ولا يهمه الحروب التي تقيمها دولته في أراضي الآخرين، فهو غير مستفيد منها مالم تهدده تلك الدول فالضخ السابق والتعبئة الجماهرية عبر أكذوبات إعلامية، ما عادت تجدي اليوم، ونحن أمام تدفق للمعلومات بشكل كبير وسريع جداً.
والواقع الجديد يحتاج إلى فهم جديد وأكثر من يفهمه هو جيل الشباب الذين يعيشون هذا الواقع ومعطياته ويوقنون بحتمية التغيير للطبقة التقليدية ويفهمون أكثر الفساد السياسي وأثره وأسبابه، ولعل هناك حكمة تاريخية أساسية في حكم الشعوب يمكن الاتكاء إليها في هذا السياق وهي أن “العدل أساس الملك”.
المصدر: صحيفة اشراق