عبد الله البشير
“اختار لي والدي، الذي كان يعيش المد القومي العربي في الستينيات والسبعينيات اسم المدينة المصرية أسوان وسدها المنيع تيمناً بحلمه الوحدوي وانتمائه الناصري”، تقول السورية أسوان نهار لـ”العربي الجديد”. وتوضح: “التصق بي الاسم حتى يومنا هذا، ليشهد على تغيّر الزمان والأحلام، وما زال اسمي للوهلة الأولى يثير استغراب كل من يعرف سوريّة تحمل اسم مدينة مصرية، وولّت أحلام الوحدة العربية لكن بقي لي الاسم الذي سماني به والدي”. وعن وطنها، تقول نهار: “سورية هي مكان مولدي وحيث عشت قصة حب في حاراتها العتيقة، وتزوجت وأنجبت أطفالي، وهي المكان الذي شكلني وعشته وعاش في داخلي. لم يكن كل شيء فيها مثالياً فغادرت إلى الخليج قبل نشوب الثورة، إلا أن معناه تجذر في روحي بعد اندلاع الثورة السورية العظيمة، وتعمق ارتباطي به وانتمائي له. أحسست كغيري من السوريين غداة الثورة بأنني جزء من ذلك الوطن وأبنائه، وتعرفت إلى السوريين أكثر بعدما كنت كغيري قد قاربت على فقدان الثقة فيه”.
وتتحدث نهار عن سورية كوطن حاضن لذكرياتها. “الثورة السورية منحتني مفهوم الهوية الذي كنت أبحث عنه منذ الطفولة. تحولت سورية بالنسبة لي بعد عام 2011 من مجرد مكان حاضن للذكريات، إلى وطن بمفهومه الحقيقي، حيث للإنسان خيار وقرار وصوت، والأهم من هذا كله، كرامة”. أما عن مغادرة سورية، فتوضح: “توجهت إلى الإمارات قبل الثورة، ثم انتقلت طوعاً إلى إسطنبول، تلك المدينة التي لا يمكن لمن يعرفها إلا أن يعشقها ويفضلها على أي خيار آخر. وقد تكون إسطنبول أكثر شبهاً بذلك الوطن الذي لطالما حلمت بالعودة إليه، وإن كان لا شيء يعوض عن الوطن الأصلي، إلا أنني سعيدة في هذا الوطن الآخر. في النهاية، الوطن هو المكان الذي تجد نفسك فيه. وربّما البعد عن سورية، وعلى الرغم من قساوة الأمر خصوصاً إذا كانت الظروف قسرية، جعلنا نخرج من قوقعتنا التي ظل النظام السوري يبنيها حولنا طوال عقود، فاكتشفنا أن للحياة وجوهاً أخرى جميلة، وأن الأماكن مهما كنت تظنها غريبة عنك، سيحدث وأن تحيطك بحنانها، كأبوظبي، وإسطنبول، والقاهرة، وغيرها من المدن التي لم أزرها بعد. لكنها كلها شقيقات دمشق”.
تغير الكثير من المفاهيم لدى نهار بعد الثورة السورية، واكتشفت أن العلاقات الإنسانية والأخلاقية أهم بكثير من تلك التي تحددها صلة الدم. “حتى أن الكثير من المفاهيم التي كنت قد ظننت أنها ثابتة لدي تغيرت مع تغير مواقف الأشخاص وأفعالهم، الأمر الذي جعلني أكسب أصدقاء جدداً تربطني بهم اليوم رابطة أساسها الثقة أولاً والاحترام ثانياً”.
تتابع نهار: “في قاموسي، لا أعترف بشيء اسمه اليأس أو الانتظار. الفرصة لم تتسن لي من قبل لاستكمال دراستي العليا بسبب انخراطي في العمل التطوعي ورعاية أسرتي، إلا أنني قررت منذ فترة استكمال دراستي العليا والتي لم يكن اختيارها من فراغ، بل بعد ملاحظتي لضعف توجيه الموارد البشرية وتأهيلها. السوريون ربما لا تنقصهم المهارات الفردية إنما القدرة على توجيه تلك المهارات واستثمارها وتنظيمها. لذلك، اخترت التخصص في إدارة الموارد البشرية، ولدي خطط لمزيد من الدراسة والبحث. وأكثر ما أعتز به هو استمراري وانتظامي في العمل التطوعي الإغاثي. ومنذ ثماني سنوات، استطعت إنشاء فرق إغاثية عدة في الداخل، وساهمت في إيجاد فرص عمل كثيرة، وأنشأت مدارس ومكتبات ومراكز تأهيل وصحة نفسية، ومخيمات للهاربين من القصف. وما لا يعرفه كثيرون أن مثل هذا العمل يستهلك الوقت والطاقة المماثلة للعمل بدوام كامل. إلا أنني لم أتوقف عن العمل يوماً واحداً طوال السنوات الثماني الماضية. لا أعتبر النجاح مهمة تنتهي خلال مدة زمنية محددة، بل هو عملية مستمرة تحتاج إلى تطوير وتحفيز دائمين”.
المصدر: العربي الجديد