أحمد مظهر سعدو
القصف الهمجي الروسي الأسدي الإيراني لم يتوقف مطلقًا، وهو النازل فوق رؤوس البلاد والعباد، حيث يراكم أعدادًا جديدة من الشهداء والمهجرين قسريًا، وبالرغم من كل ما يقال إقليميًا أو دوليًا، عن محاولات هنا أوهناك لإيقاف هذه المقتلة بحق أهالي إدلب، بل بحق كل السوريين المهجرين سابقًا إلى هذه المحافظة، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى الإصرار الروسي على إنجاز حالات جديدة من قضم الأراضي في الريف الادلبي، وكذلك بعض المدن التي يحكى أنها قد أضحت الهدف للانقضاض والقضم ، كمعرة النعمان، وجسر الشغور، وحتى أريحا، ولا يبدو أن هناك أي أمل جدي بإيقاف سريع لهذه المحرقة التي طالت كل البنية التحتية ، والآلاف من البشر قتلًا وتهجيرًا.
كل ذلك شيء وما يعانيه اليوم أهالي المخيمات المهجرين إليها في الشمال السوري جراء المطر الغزير والسيول شيئًا آخر، حيث لم يكف ناس إدلب والسوريين قاطبة ما جرى ويجري لهم من قصف وموت يطالهم يوميًا، بل جاءت الشتوية بغزارة أمطارها، وعزوف المنظمات، والدول (الصديقة) للشعب السوري، عن القيام بأي فعل جدي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تغرق الخيام التي لا تكاد تحمي الناس تحتها، وتطوف أشياء الناس في الوحل والمياه، والصقيع والبرد يلاحق الناس، أطفالهم ونساءهم وكل ما يملكون، وتعجز أو تتهاون كل الدول العربية والإسلامية والصديقة، عن أي فعل، تاركة مصير هؤلاء البشر، بين القصف والغرق مطرًا أو بردًا.
ويبقى السوري يتساءل كيف يقاوم صلف وعنف وقهر النظام، بينما لا يستطيع المقاومة أو التصدي للسيول الجارفة، وكيف يمكن أن يتحمل كل ذلك بينما يرى العرب العاربة تتفرج، ولا من مغيث، يُترك السوريين لمصائرهم، فمن لم يمت بالبراميل الأسدية مات بغيرها، من سيول مطرية، او برد قارس، لا يمكن تحمله من قبل أطفال ولدوا في المخيمات، يُترك السوري اليوم ليلاقي المصير تحت المطر والقصف، وتتواصل حالات التخلي ، حتى من أشياء بسيطة تحمي من برد الشتاء والمطر الغزير الذي أغرقهم وما زال، ويتنادى السوريون بين بعضهم البعض في محاولة لإنقاذ الأطفال والنساء والشيوخ، في وقت يجدون فيه أن التخلي بات سيد الموقف، والنظام الرسمي العربي، راح منشغلاً في مسائل أخرى، وأولويات جديدة، لا تمت لحالة السوريين بأي صلة.
بات العون والمساعدة في عملية الإنقاذ مجرد أفكار ومشاريع لا تلقى أي صدى، وأصبحت كل المساعدات التي تقدم لأطفال سورية لا تتعدى نسبتها 15 بالمئة من الحاجة الحقيقية للمخيمات، وللناس الغارقين في وحل المطر وأوحال أخرى لا تخفى على أحد. في وقت نجد فيه أن الكثير من المنظمات باتت تعتش على آلام السوريين، وتقضم من أي مساعدات تصل السوريين من الخارج، بما يتجاوز نسبة ال 40 بالمئة، بل تزيد عن ذلك أحيانًا، تحت دعاوى شتى منها وجود المصروفات الإدارية وسواها.
والمشكلة الأدهى والأمر أن الكثير ممن يتصدر المشهد السياسي من معارضات باتت هي الأخرى، عاجزة ومتعاجزة عن الفعل الجدي من أجل شعبها السوري، لتضع كل بيضها في سلة الخارج، ولا تلتفت إلى معاناة السوريين، بل الأهم بالنسبة لها، مصالحها التنظيمية، والمالية، وهذا ما يساهم في انفراط عقد العلاقة الترابطية بين هذه المعارضة بتلاوينها الكثيرة، وبين السوريين (الغلابة) الذين قاموا بثورتهم من أجل حياة أفضل، من أجل حرية وكرامة، وليس من أجل أن يتسيد عليهم، ما هو لا يختلف كثيرًا عن الإجرام الأسدي.
القصف والموت والمطر والسيول، هي الحيوات اليومية للسوريين، والتخلي هو سيد الموقف، والمصائر غائبة عن المشاهدة الحقيقية، والمشهد السوري، غاية في الصعوبة والسوء، ولا حياة لمن تنادي، فالكل بات منشغلًا بهمومه الخاصة، ولا يحاول أي فعل من أجل السوريين، الذين فاقت تضحياتهم كل التضحيات، وهم يتصدون بصدورهم للمشروع الفارسي الطائفي، ويقاتلون، ويتحملون عن الأمة كل الأمة، وهذه الأمة المترامية الأطراف تتركهم لوحدهم. ويغيب عن ذاكرتها أنكم (أكلتم جميعًا يوم أُكل الثور الأبيض).؟!
المصدر: المدار نت