فارس وتّي
أعلن مدير (مركز المصالحة الروسي) في سورية يوري بورينكوف، يوم أمس الأحد، افتتاح ثلاثة معابر في ريفي إدلب وحلب، من أجل خروج المدنيين إلى مناطق سيطرة قوّات النظام، زاعمًا أن “تلك الخطوة جاءت بطلب من النازحين، من أجل العودة إلى قراهم التي سيطرت عليها قوّات النظام حديثًا”، ووفقًا لما جاء في بيان بورينكوف، فإن المعابر الثلاثة: (معبر أبو ظهور في ريف إدلب الشرقي، معبر الهبيط في ريف إدلب الجنوبي، معبر الحاضر في ريف حلب الجنوبي) ستُفتح ابتداءً من ظهر اليوم الاثنين، وسيتم إبلاغ المدنيين الراغبين في الخروج من تلك المعابر، عن طريق رسائل نصية قصيرة ومنشورات وتقارير تلفزيونية وإذاعية.
يأتي إعلان مدير (مركز المصالحة الروسي) افتتاح المعابر، بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع التركية وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة، الذي دخل حيز التنفيذ في تمام الساعة الثانية عشرة ليلًا من يوم أمس الأحد، وقد تم تسجيل 12 خرقًا لقوّات النظام، بحسب (مراصد حركة تتبع الطائرات)، بقذائف المدفعية والصاروخية على قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي، منها “معرشورين، كفرباسين، الدير الغربي، تقانة، تلمنس، محيط معرة النعمان، معرشمشة، حنوتين، بعربو، معصران، بابيلا، الحامدية”، تسببت في مقتل مدني وإصابة آخر بجروح.
من جانب آخر، أصدر فريق (منسقو الاستجابة) بيانًا أمس الأحد، حول إعلان (مدير مركز المصالحة) افتتاح المعابر الثلاثة في إدلب وحلب، أكّد فيه أن افتتاح تلك المعابر هو “محاولة جديدة لخلط الأوراق تحت حجج عديدة، أهمها حماية المدنيين وإبعادهم عن العمليات العسكرية”.
وقال الفريق إن “المساعي التي تبذلها روسيا لإخراج المدنيين من إدلب إلى مناطق سيطرة النظام، سوف تقابل بالفشل، كما حصل في المرات السابقة، وذلك لأن أغلب القاطنين في إدلب والشمال السوري عامة هم من المهجرين قسرًا والنازحين الذين هجرتهم الآلة العسكرية الروسية وقوات النظام”.
واعتبر الفريق أن “إظهار القوات الروسية بمظهر الضامن من أجل حفظ عمليات السلام في المنطقة، والمساعد الأول في العمليات الإنسانية، من خلال تقديم المساعدات للمدنيين عن طريق المنظمات التابعة للنظام، هو عملية فاشلة، لن تعطي النتيجة التي تبتغيها وزارة الدفاع الروسية”.
وفي هذا الشأن، قال محمد حلّاج، مدير (منسقو الاستجابة) لـ (جيرون): “لا يوجد أي أهداف إنسانية لروسيا من إقدامها على افتتاح المعابر”، واتهم روسيا بأنها “تسعى إلى إفراغ المنطقة بالكامل من السكّان المدنيين، لإعطاء ذريعة لها ولقوات النظام أمام المجتمع الدولي بأن المنطقة خالية من السكّان، وأن عملياتها العسكرية فقط على الجماعات الإرهابية، بحسب زعمها، وذلك لتبرير أي هجوم عسكري يحصل على المنطقة لاحقًا”.
وأضاف: “تسعى روسيا إلى إظهار نفسها على أنها ضامن إنساني، وأنها تلتزم بالقانون الدولي، وذلك من خلال تمديد المساعدة الإنسانية عبر الحدود في الشمال السوري بالشروط التي وضعتها، وإعلانها هدنة وقف إطلاق النار في إدلب، وافتتاح المعابر من أجل حماية المدنيين، والترويج في وسائلها الإعلامية بأن المجموعات المسلحة تخرق اتفاق وقف إطلاق النار وتستهدف أماكن المدنيين، على الرغم من أن لدينا معلومات موثقة تؤكد استهداف روسيا للنازحين على الطرقات، واستهداف المدنيين في الأحياء السكنية، واستهداف البنى التحتية في عموم المنطقة، وهي كافية لارتكاب روسيا جرائم ضد الإنسانية في إدلب”.
وعن تداعيات توصل روسيا مع تركيا إلى اتفاق (وقف إطلاق النار) في إدلب، يرى الصحفي والناشط السياسي أحمد نور رسلان أن “التطورات الأخيرة التي طرأت على ملف خفض التصعيد الرابعة في إدلب كان لها صدى دولي واسع، ولا سيما مع استمرار روسيا في اتباع الأسلوب العسكري في الحسم بالمنطقة، وضرب كل الاتفاقات الدولية المتعلقة في منطقة خفض التصعيد”، وقال لـ (جيرون): “اعتدنا سياسة روسيا القائمة على خرق جميع اتفاقات وقف إطلاق النار التي أُعلنت في السابق، بذريعة وجود الجماعات الإرهابية في المنطقة، وتَعرض مواقعها ومقارها العسكرية للقصف من قبل تلك الجماعات، إضافة إلى بث الشائعات عن وجود تحركات عسكرية لفصائل المعارضة، وامتلاكها أسلحة كيميائية”.
ولفت رسلان إلى أن “روسيا تسوّق هذه الحجج لتبرير تحركاتها في إدلب من تصعيد جوي وصولًا إلى العمليات العسكرية وقضم مناطق جديدة في المنطقة، على غرار ما حصل في الغوطة الشرقية ودرعا ومنطقة شرق السكّة حتى ريف حماة الشمالي، وجميعها كانت ضمن نطاق اتفاق مناطق (خفض التصعيد) مع جميع الدول المعنية بالملف السوري، وكانت اتفاقات مؤقتة من أجل كسب الوقت والاستفراد بمناطق جديدة على حساب مناطق أخرى”.
وأضاف: “قد لا يكون اتفاق وقف إطلاق النار كغيره، خاصة مع وجود تغيرات دولية مع عرقلة روسيا للحل السياسي في جولة (جنيف2) بخصوص (اللجنة الدستورية)، إضافة إلى المتغيرات الدولية المتعلقة بإيران وأمريكا، ومقتل قاسم سليماني (قائد الحرس الثوري الإيراني) الذي سيكون له أثر على الميليشيات الإيرانية في سورية، كونها تعيش حالة اضطراب بعد فقدانها القيادة والمحرك الأساس لها، إضافة إلى الضغوطات الدولية والاقتصادية على النظام السوري بعد إقرار (قانون قيصر)، وبالتالي سوف تستغل روسيا حالة الاضطراب لتفرض وصايتها على سورية”.
وأشار رسلان إلى أن “المتغيرات السياسية التي تطرأ على الساحة السورية، على الصعيد السياسي والعسكري، لها أثر كبير على معركة إدلب التي لا تُفضل روسيا أن تكون طويلة الأمد، لعدم قدرتها على خوض حرب الشوارع أو مواجهة المناطق التي يكون فيها مقاومة، كون القدرات العسكرية التي تزجّها روسيا في المعارك كـ (الفيلق الخامس) غير قادرة على خوض حرب استنزاف طويلة، بل إن روسيا تعوّل على محاولة قضم المناطق أو الالتفاف عليها وإسقاطها، وهذا ما فشلت فيه في منطقة معرة النعمان الشرقي، حيث لجئت إلى حشد قواتها العسكرية على أطراف ريف حلب الغربي، في وقت سريان هدنة وقف إطلاق النار لبدء معركة جديدة غير واضحة المعالم”.
وأوضح رسلان في حديثه أن هدنة (وقف إطلاق النار) ليست دائمة، وإنما محدودة، وأكد أن “هناك وفدًا تركيًا رفيع المستوى سيتوجه اليوم إلى موسكو من أجل التفاوض بشأن إدلب وتثبيت اتفاقية (وقف إطلاق النار) وفق شروط تحددها الدولتان”، مشيرًا إلى أن “روسيا سوف تعود بشروطها إلى مقررات (سوتشي) التي تنّص على إبعاد الفصائل العسكرية بمسافة 30 كم عن (المنطقة المنزوعة السلاح) وحلّ (هيئة تحرير الشام) وانخراطها في (الجيش الوطني السوري)، وفتح الطرقات الدولية وتسيير دوريات مشتركة، وهي شروط تعجيزية يصعب على تركيا تطبيقها، من أجل كسب الوقت وإعادة الخطط وترتيب الأوراق السياسية والعسكرية بهدف السيطرة على مناطق جديدة في إدلب”.
وحذّر رسلان “جميع المدنيين في إدلب من العودة إلى قراهم في ريف إدلب الجنوبي، ودعا جميع الفصائل العسكرية إلى أن تستغل هذا الوقت في تحصين الجبهات، وإعداد خطط عسكرية استباقية لمواجهة النظام وحليفه الروسي، كون روسيا غير صادقة بهدنتها، إلا إذا كان هناك قرار دولي حقيقي لوقف إطلاق النار”.
المصدر: جيرون