أحمد مظهر سعدو
تتأسس البنية المعرفية لأية علاقة مجتمعية متينة، على جملة من المعطيات العلمية، لعل من أهمها وأكثرها رسوخًا، وتجذرًا، القدرة على التكيف الاجتماعي، وهو أحد تعريفات الذكاء لدى الأنساق المجتمعية عمومًا. من هنا فقد جاء اللقاء المهم لثلة متميزة من السوريين والأتراك في مدينة غازي عينتاب التركية، على هذا الهدي والأساس وضمن هذه المفاعيل، وفي نفس السياق المعرفي الانسجامي التكيفي، من خلال انعقاد الاجتماع الأول لإطلاق مشروع (منصة التنسيق والتواصل المدني في عملية تكيف واندماج المهاجرين السوريين) الذي أطلق في 18 كانون ثاني / يناير 2020، في مبنى بلبل زادة بمدينة غازي عينتاب، وبدعوة من مركز بيكام، ومنبر الشام.
حيث التقت مجموعة من الشخصيات الوطنية السورية والتركية، لإنجاز الاجتماع الأول في سياق المشروع الذي انطلق مؤخرًا والمدعوم من قبل المديرية العامة للعلاقات مع المجتمع المدني التابعة لوزارة الشؤون الداخلية التركية، ليساهم في بناء مدماك عمل تآلفي انسجامي، طالما شابه الكثير من الإشكالات، والعلاقات غير الصحيحة، ضمن بعدٍ كان يراد منه غير ذلك، من قبل بعض العنصريين غير المتقبلين للوجود الإنساني السوري على الأرض التركية، مما انعكس سلبًا على مجمل حيوات الناس السوريين اللاجئين قسرًا، إلى الجارة تركيا، بل إلى كل الجيران في المحيط الجغرافي السوري.
ويبدو أنه كان لابد من الدفع نحو إطلاق مثل هذا المشروع الميداني، والضروري، في محاولة لوصل ما انقطع، والتأسيس لعلاقات أفضل، وأكثر انسجامًا وتكيفًا. وقد تحدث الكثير من المشاركين منوهين بأهمية ذلك، حيث أكد السيد تورغاي ألدمير رئيس منبر الأناضول بقوله ” إننا نحاول جاهدين الاقتراب من الحل، انطلاقًا مهمًا في الجغرافيا الإسلامية، لينعكس ذلك على الوجدان الإنساني إيجابًا ” مشيرًا إلى أن ” هذه المشاريع هي بمثابة منصات مجتمع مدني مع إخوتنا السوريين وصولاً إلى العقل الجمعي المشترك، إذ لا بد من أن نشارك في أفكارنا على أقل تقدير، ضمن مرحلة جديدة نمتلك فيها مقاربات مرحلية، كل ذلك كي ننتج ما يمكن أن نصيغه ونضعه أمام صانعي وراسمي السياسات ” وأضاف ” السوريون (بالفعل) كملوا نواقصنا، وقد التقينا فأكملنا بعضنا البعض، ونحن الذين أقمنا دول العدل سابقًا. وبوجود السوريين تمت إضافة قيمًا جديدة هنا”. أما عميد جامعة غازي عينتاب فقال: ” في هذا النظام العالمي الجديد تتحدد آلام ومخاضات جديدة وكبيرة، ونشهد في الجغرافيا الإسلامية الكثير من الصراعات، حيث يتدخل الغرب، ونرى أن الشرق في مرحلة نشوء جديد، منها الصدمة الكبيرة التي جرت وتجري في سورية”. ثم أضاف ” لكن السوريين هنا ينتجون ويعملون، حيث نشهد في غرفة تجارة عينتاب لوحدها أكثر من 2000 شركة لسوريين، وأيضًا في غرفة الصناعة هناك ما يزيد عن 100 شركة ومعمل، ونشهد الاحتضان الكبير للطلبة السوريين في جامعة غازي عينتاب” ثم قال ” تركيا قامت بمساعدة كل الإخوة السوريين حتى لا نتركهم بدون تعليم، نعمل من أجل رضى الله أولًا، لكن لابد أن نظهر هذا للعالم أجمع. كما يجب أن نمتلك القدرة على إدارة الأزمات”.
أما السيد محمد علي اوغلو رئيس مركز بيكام فقال” علينا أن ننتج تقارير حول منتجات هذا اللقاء وبدعم أكاديمي من جامعة غازي عينتاب، وسوف نعمل على متابعة كل توافق أو كلمة نقولها” كما تحدث أحد أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة غازي عينتاب، عن أنه لا وصفة سحرية لدينا، بل علينا اقتراح الحلول، والعمل من أجل الأتراك والسوريين على حد سواء. وقد تقدم غير مشارك في مداخلات جمة ومفيدة، ساهمت في إبداء الجدية في أتون العمل الحقيقي لهذه المنصة، نذكر من المتدخلين: القاضي علي باكير، محمد حسنو، عبد الرحمن ددم، د_ زكريا ملاحفجي، علاء الدين حسو، جمال مصطفى، عزام خانجي، د_ سعد وفائي، د_ مصطفى الحسين، علي محمد شريف، حسن النيفي وآخرين.
وما يهم السوريين من كل ذلك أن الذين اجتمعوا سيتابعون المخرجات، بلقاءات متواترة، لإنجاز ما هو حقيقي وميداني، نحو علاقة انسجامية تكيفية صحيحة وخالية من أية شوائب. وهو جهد يبدو أنه سيكون حثيثًا هذه المرة، ومن الممكن أن ينعكس إيجابيًا على مجمل السوريين الذين تجاوز عديدهم في تركيا ثلاثة ملايين وستمائة سوري في مجمل الأراضي التركية، سبق وهجروا نتيجة العدوان والاجرام الأسدي الروسي الإيراني على منازلهم وقراهم والذي ما يزال متواصلاً على أهلنا في إدلب وكل ما حولها.
المصدر: المدار نت