التغيير حصل فعلا، وأسد اليوم غير أسد الأمس، والعالم ينتظر استبداله!
التخلص من الاحتلالات الداخلية شرط التخلص من الاحتلالات الخارجية
المعارضة تفتقر للرؤية، والاستراتيجية، والشعور بالمسؤولية
السلطة عندنا: طبقة لقيطة تتألف من ثعالب وضباع تنهش بالمجتمع
محمد خليفة
الدكتور برهان غليون: مفكر يمتاز بالفعالية الثورية، أستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون منذ أربعين عاما، ورائد الدعوة للخيار الديمقراطي، منذ سبعينيات القرن الماضي للخروج من مأزق الانسداد التاريخي، وعطالة النخب ودورانها في دروب اليسار الماركسي والقومي التي لم تؤدي إلا للدوران بموازاة النظام الذي شرع في تمكين (الدولة المتوحشة) كما سماها ميشيل سورا.
برز د. غليون بعد هزيمة حزيران 1967 مثقفا مستقلا عن الأحزاب، ولكنه مثقف طليعي منتم، ملتزم، بالقضايا السورية والفلسطينية والعربية. انتقل الى اوروبا ضمن موسم هجرة المثقفين للشمال طلبا للحرية. درس علم الاجتماع، وواصل نضاله الفكري والسياسي. تميز باعتداله ووسطيته وانفتاحه على التيارات السياسية كافة، بدون تقلبات وتعرجات.
أول من نادى بالخيار الديمقراطي بديلا عن الاستبداد المغلف باليسار القومي – الاشتراكي، وحذّر من أزمة لا حل لها سوى بالديمقراطية.
مع “ربيع دمشق” عاد الى سورية في زيارات متتالية يبذر بذور التغيير داعيا السوريين لكسر جدران الخوف، وإنقاذ سورية، مطالبا بتغيير سلمي بعد وفاة حافظ الأسد، والانتقال الى الحرية والديمقراطية، فواجه عنت وعسف السلطة.
مع اشتعال ثورة 2011 الشعبية تقدم صفوف النخب السورية داعيا وساعيا الى تحالف وطني عريض يشكل مظلة لثورة الشارع وحراك الشباب، وأجمعت كل التيارات عليه ليكون أول رئيس لأول مؤسسة تمثل الثورة وتجمع كل أطياف المعارضة (المجلس الوطني السوري). ولكنه استقال بعد أن تبين له صعوبة التوليف بين المتناقضات.
ولأنه أكاديمي وباحث بالطبيعة رأى أن مسؤوليته العلمية والوطنية تمليان عليه إجراء مراجعة نقدية لتجربة الثورة والمعارضة، وفتح ملفاتها في الهواء الطلق، ليشجع الآخرين على الاقتداء به، بهدف الاصلاح والتصحيح. فأصدر كتابه ” المهم والمدوي ” [عطب الذات / وقائع ثورة لم تكتمل] الذي سلط الأضواء الكشافة على ثورة شعب يتوق للانعتاق من الاستبداد والقمع والكبت، وكشف عثراتها ونقاط ضعفها وأخطائها في إطار الظروف والعوامل الاقليمية والدولية الموضوعية. وأولى الدكتور غليون اهتماما خاصا لدور المعارضة بمؤسساتها وقواها الحزبية والاجتماعية، باعتباره واحدا من أقطابها.
وأتصور أن كل قارئ منصف سيجد في الكتاب تحريضا ذهنيا لكل قوى ونخب الثورة للاشتراك في تجربة المراجعة، وممارسة النقد والنقد الذاتي، بغرض تجاوز العثرات وتصحيح المسيرة، تصليبا لمنهج الثورة التي يعلم أنها لن تتراجع عن أهدافها، ولن تحقق انتصارها بيسر وسهولة، ولا بد لها من معالجة الأخطاء لتستمر وتتقدم وتنتصر.
غليون بعين أكاديمية وعين سياسية بدأ عملية المراجعة وممارسة النقد مدفوعا بروح الحرص على الثورة وحسب، لا بدوافع التهاتر والمناكفة مع أي مكون أو أحد.
الحوار التالي يدور ويتركز فيما ورد في الكتاب الكبير حجما ومادة ومحتوى وأهمية، والذي ستصدر الطبعة الثالثة منه قريبا. إنه حوار في العمق على قضايا جوهرية في الثورة، والمسائل والاشكاليات التي تناولها كتابه المهم والمدوي.
س1 – هل قلت كل ما تريد وما يجب قوله في كتابك (عطب الذات)؟
ج – هيهات. ذكرت بالكاد ما لا يمكن تجاهله لفهم ما جرى لنا، وبعض الأسباب التي بدت لي أساسية لفهم أخطائنا في تنظيم قوانا، وانتزاع مكاسب سياسية كانت في متناول اليد لو أحسنا اداءنا السياسي والاعلامي والعسكري. لكن هذا غيض من فيض مما ينبغي ان يتناوله الباحثون في المستقبل لتحليل تجربتنا الماضية، والتعمق في وصف أحداثها، والكشف عن دروسها. وأنا أشبهه بإزالة بعض الأنقاض التي تقبع على صدورنا وتشل حركتنا.
لا تزال امامنا في هذا المجال، وجيل الشباب الذي شهد الثورة بشكل خاص، مهام كثيرة ينبغي تحقيقها قبل ان نصل إلى الغاية النبيلة التي ضحى من اجلها ملايين السوريين، بعضهم بأرواحهم وبعضهم بأرزاقهم، وبعضهم بتشردهم وغربتهم وبؤسهم. والمقصود طبعا إعادة البناء للمجتمع والدولة والعقل والضمير والعمل والانتاج. وهذه مهام أصعب بكثير، وينبغي ان نركز الآن عليها، ولا نبقى غارقين في مناقشات عقيمة، عمن هو السبب في الخراب والدمار، والبحث في الانقاض عن شواهد وأدلة لإدانة هذا أو ذاك، بينما السبب واضح أمامنا كالشمس: نظام العبودية والقهر والاستئثار بالسلطة واستملاك الموارد، ومنها البلاد نفسها، ورهن مصيرها، ومستقبل شعبها بمصالح دنيئة. لكن ما لم ننجح في معرفة لماذا استطاعت سلطة قهرية انقلابية غاشمة أن تتحكم بنا، أي بشعب غاية في النشاط والحركة والذكاء، خلال نصف قرن، وتقودنا إلى المذبحة، لن نتمكن من الخروج من الكارثة التي نعيشها، ولا من إقامة سلطة شرعية وبناء نظام اجتماعي جديد.
س 2 – ما ردك على اتهام البعض بأن غاية “الكتاب” تبرئة ذاتك من المسؤولية عن الفشل والانحراف الذي وقعت فيه المعارضة وتوزيعها على الآخرين؟
ج – ما ينبغي ان نفهم من هذه الجملة هو العكس تماما، أي أن من يشرح للجمهور أسباب فشل المعارضة في قيادة الثورة يدين نفسه، أما من يصمت عما حصل فهو يثبت براءته، وليس بحاجة إلى تقديم اي كشف حساب ولا للقيام بأي مراجعة. وبالفعل هذا ما شهد عليه سلوك أكثر قادة المعارضة الذين فضلوا الصمت، ولم يشعروا بالحاجة لتقديم اي تفسير للجمهور يشرح ما حصل ورؤيتهم لأسباب الكارثة.
لو كان ما يقوله هذا البعض صحيحا، فالمدان الأول في هذه المسألة هو المعارضة والنشطاء الذين ولّوا أمرهم لشخص لا يستحق من جهة، وانتظروا صدور “كتاب عطب الذات” حتى يعلنوا لا مسؤوليتهم عما تسميه في سؤالك انحراف الثورة وفشلها من جهة ثانية. ولكان عليهم، أكثر من ذلك، أن يثبتوا انهم نجحوا في تصحيح مسار الثورة وتحقيق اهدافها بعد ثمانية سنوات من استقالة المتهم الاول في فشلها. أما فيما يتعلق بالتبرئة فأنا لم أدع انني كنت سياسيا محنكا أو صاحب تجربة سياسية عتيقة حتى اسمح لنفسي بمحاسبة الآخرين أو اتهامهم، أو بنزع الشرعية عن كلام أحد وأقل من ذلك احتكار الحقيقة او ادعاء معرفتها. إنما أنا محلل سياسي لتجربة شاركت فيها، وأحاول ان أشرح للجمهور الذي أولاني ثقته دوافع اختياراتي ومواقفي، ورؤيتي للمصاعب التي واجهناها واقتراحاتي لتجاوز اخطائنا الماضية. لكن سؤالي: من هو هذا “العبقري” الذي بدل الاعتذار عن أخطائه بكلمات معدودة، ينفق أربع سنوات من العمل المضني في البحث والتنقيب ومراجعة الوقائع والتدقيق في التواريخ، لتحرير كتاب بأكثر من 500 صفحة لينفي عن نفسه تهمة لم يوجهها إليه أحد …؟!
لا يمكن لمثل هذه الاتهامات الرخيصة بالفعل ان تعفي من يريدون خدمة الثورة والشعب السوري من مهمة المراجعة الموضوعية الصعبة والشاقة، والبحث في الظروف والاشكالات والتحديات التي واجهتنا، والتمييز بين العوامل الذاتية والموضوعية والفردية والجماعية. فليبادر من لديه رد أو نقد يستحق النقاش إلى عرضه على الجمهور، وننتهي من هذا الموضوع الشخصي لنناقش القضايا المهمة والمركزية.
وبالمناسبة لقد أهديت، أنا نفسي، نسخا عديدة من الكتاب لأصدقاء كثر، بمن فيهم أشخاص شاركوا في قيادة المجلس الوطني، وطلبت منهم إرسال ملاحظاتهم لتصويب ما يمكن ان يكون بدر مني من نسيان أو خطأ في سرد الوقائع وتحليل الأحداث. وقد أرسل لي البعض ملاحظاتهم التي سأستفيد منها في الطبعة القادمة. فمن دون تبادل الآراء، والنقد والرد على النقد، لا يمكن ان نتقدم لا في الفكر ولا في السياسة. أما ال”نق” والنميمة فلا يقودان إلا إلى المزيد من النق والنميمة.
للأسف، كثير مما تنتجه بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة من خطابات وتعليقات يعكس الخوف من تحمل مسؤولية ما حدث، والتهرب من مواجهة الواقع المؤلم بل الفاجع. لكن هذا دليل ضعف. وأخشى ان نقرأ بعد وقت بدل المراجعة اتهاما للشعب بالمسؤولية عن الكارثة، بذريعة التخلف أو التدين والتعصب القومي والقبلي والطائفي، بدل التركيز الذي كان سائدا في البداية، عن حق، على بسالة ابنائه وبطولاتهم. عندئذ سنكون شركاء مع حفاري القبور لدفن روح الثورة الشعبية والقضاء على صدقيتها وشرعيتها وصدق الحديث عن ثورة كرامة وحرية.
يعكس اللجوء إلى منطق الاتهامات السائد، من دون قرائن ولا أدلة ولا وقائع، الدرجة العالية من الاحتقان والغيظ والاحباط الذي يزعزع ضمير بعض أفراد النخبة الأكثر هشاشة. لكن لا يفيد هذا المنطق في شيء. إنه يشبه تخبط الغريق الواقع في رمال متحركة. وهو أسوأ مرشد للعمل. فبدل التحلي برباطة الجأش والتصميم على التأمل والمراجعة العقلانية لإصلاح الحال يدفع هذا المنطق إلى البحث عن كبش محرقة نرمي عليه جميع الأخطاء والإخفاقات لنحرر ضميرنا من اي شعور بالذنب، ولتعود الأمور إلى سابق عهدها. في هذه الحالة من الطبيعي ان يتحول النقد الى اتهام، ولا تحدث اي مراجعة للذات، ولا يحصل اي تغيير في الوعي أو في الممارسة، وبالطبع أي تغيير في الواقع المادي أيضا. ومن ينظر إلينا من الخارج يرى اننا ما نزال في المكان نفسه منذ قيام الثورة الى اليوم. لم نصحح اي خطأ قمنا به، بالعكس زادت اخطاؤنا وتراكمت حتى لم نعد نتعرف على أنفسنا.
س 3 – من هي إذن هذه (الذات) التي وصفتها بالعطب في الكتاب، وماذا أردت تحقيقه من هذا الكتاب، وأين يكمن العطب الرئيسي في نظرك؟
ج – ليس المقصود بكلمة ذات، التي اثارت بعض اللبس، ذاتك او ذاتي او ذات اي فرد، إنما نقول للتبسيط “الذات الوطنية”، التي تشير إلى استعدادات شعب للتصرف كذات واعية ومريدة وموحدة، أو إذا شئت ما يجعل من جمهور مشتت قوة تملك الوعي والإرادة والشعور بوحدة مصيرها ومستقبلها المشترك، ويحول ملايين الأفراد من حشد لا معنى له إلى أمة، أي إلى فاعل “تاريخي” يعمل مع أمم أخرى على مسرح الأحداث، ويحقق ما لا قدرة لفرد، أو أفراد، أو أحزاب او جمعيات، مهما عظم شأنها، أو شأنهم، على تحقيقه: بناء الدول ، وتغيير النظم ، وانجاز التحولات الكبرى السياسية والاقتصادية والعلمية. وفي الرد بنجاح على هذه المهمة: مهمة جعل المتعدد واحدا، التي عبر عنها الجمهور الثائر بشعار: واحد واحد واحد، ثلاثا، في بداية الثورة، تكمن عبقرية النخب وتبرز أيضا جدارة كل واحدة من الأمم واتساق عملها وفعلها. وبالعكس في إخفاق النخب في الاستجابة الصحيحة تجاه هذه المهمة التأسيسية للذات الجمعية، تبرز درجة ضعفها، وهزال تفكيرها وتنظيمها ووعيها.
لذلك لم تكن الغاية من الكتاب حتى نقد المعارضة، فهي نفسها ضحية تغول عقود من قبل نظام الاستبداد والعسف والعنف، ولا يحتاج تبيان نقاط ضعفها الكثيرة إلى كل هذا الجهد، والعطب الذي نشكو منها يتجاوز المعارضة افراد وجماعة، كما يتجاوز كل فرد منا. أما العطب فيتعلق في نظري بضياع الثقة الاجتماعية والوطنية والانسانية التي لا غنى عنها لتحويل المجتمعات من رميم سياسي الى ذات جماعية فاعلة. لذلك لم يركز نقد الذات على المعارضة السياسية بالمعنى الضيق للكلمة، وإنما على جميع أعضاء النخبة السورية، موالاة ومعارضة، ثوار ونشطاء وفصائل عسكرية ورجال اعمال ورجال دين ومثقفين ومنشقين، أي على عجزنا كشعب، بصرف النظر عن شخصياتنا ومهننا، عن العمل المتسق، على قلب رجل واحد، وتنظيم صفوفنا وتوحيد جهودنا، لتحقيق الاهداف التي كنا مجمعين عليها.
فغاية الكتاب هي تحليل أسباب الكارثة التي وصلنا إليها، وفهم دورنا فيها ومسؤوليتنا الجماعية عنها. وربط هذا التحليل، الذي هو نوع من نقد الذات أو محاسبة النفس، بنقد الخيارات السياسية والخطط والاستراتيجيات، أي بنقد ممارستنا الجماعية، كما تجلت خلال الثورة. وهذا من خلال قراءة تنصف الثورة، وتبين الظروف التي أدت إلى “انحراف”ها، هنا وهناك، وتغير خططها وردود افعالها ووسائلها، وذلك في أحد منعطفاتها الأكثر حساسية وخطرا، وفي مواجهة رواية خصومها الكثر، ومشوهي صورتها، وناكري قضيتها العادلة. وليس لهذا النقد الذاتي السياسي علاقة بالتشهير، او الكشف عن العيوب والنقائص الفردية أو التاريخية، وإنما يستند إلى السعي لفهم الواقع كما هو، وتبيان الصحيح من الخاطئ في خياراتنا، وأحكامنا ومواقفنا. وهذا هو معنى القراءة النقدية للثورة. ومن ضمن هذه القراءة، وفي هذا السياق، جاء تحليل سلوك بعض القادة الذين لعبوا أدوارا رئيسية في توجيه دفة الممارسة والتنظيم والتخطيط.
فالنخب هي التي تتحكم بموارد المجتمعات البشرية والمادية وتخطط لمستقبلها، وتتحكم بتوظيفها واستثمارها. ومنها تولد القيادة التي تصوغ الرؤى والغايات والخطط للجماعة المتفاعلة معها، وعلى قدر هذا التفاعل. وفي هذا الميدان تتفاضل النخب وتتمايز. فليس لمن يمارس القيادة من منطق النخبة/العلقة التي تعيش على مص دماء جمهورها وإضعافه حتى الموت أو التشكيك بقدراته وأهليته، الصفات ذاتها التي تميز النخبة/الاجتماعية التي تدرب شعوبها وتهيئها لتحقيق الانجازات الكبرى، كما يهيئ السائس فرسه لنيل المركز الأول في السباق. وهنا بالضبط ينبغي البحث عن عطب الذات الجمعية او صلاحها.
ودعني استغل هذه المناسبة لأذكر من لم يتسن له حتى الآن رؤية الكتاب، بمادته ومسائله الرئيسية التي ليس لهذا الاتهام غير البريء هدف سوى إخفائها وصد الجمهور عن اكتشاف نقائص النخبة واخطائها، والتي لا مهرب لنا من مراجعتها والنقاش فيها إذا أردنا الخروج من الكارثة. المسألة الأولى هي المسألة التنظيمية التي ما زلنا نعاني منها حتى اليوم، وهذه كانت مهمة (المجلس الوطني) الذي حاول جمع قوى المعارضة الحزبية والنشطاء وتوحيدها، والذي كان فشلنا في الحفاظ عليه يعني تشتت قوانا وخسارتنا معركة ايجاد قيادة سياسية للثورة. والثانية مسألة الاستراتيجية التي تخبطنا فيها وراهنا لفترة على التدخل الدولي، وتنازعنا حول طلبه او عدم طلبه بعد انتقال النظام إلى خيار الحرب الشاملة. والثالثة مسألة الانتقال من السلمية إلى الثورة المسلحة، وكيف جرى التسلح، والمشاكل التي رافقته، وفوضى السلاح التي ولدت من عجزنا عن توحيد الفصائل وإخضاعها للقيادة السياسية، بل لقيادة عسكرية موحدة. والرابعة مسألة صعود الايديولوجيات الاسلاموية على مختلف اشكالها إلى واجهة الثورة الفكرية والاعلامية، مع تزايد الشعارات والتسميات الدينية، وانحسار الشعارات والهتافات الديمقراطية التي سيطرت على المرحلة الأولى، وما نجم عن ذلك من انقلاب الموقف الدولي على الثورة والنظر إليها كحرب اهلية طائفية او مذهبية، لا تستحق تضامن المجتمع الدولي معها ولا دعمها. والخامسة ادارة العلاقات الخارجية، العربية والاقليمية والدولية، وكيف أدى تشتتنا ونزاعاتنا الداخلية إلى خسارتنا رصيدنا السياسي وانحسار التعاطف الدولي عن قضيتنا. والسادسة كيف نفهم اسباب تشتتنا وانقساماتنا وما اظهرناه من عجز عن العمل المتسق والمتناغم مقابل الميل الواسع للانفراد بالقيادة والفصائلية والشللية والمحاصصة وغيرها من النقائص التي اعتورت ممارستنا الجماعية. باختصار إن ما سعى إليه الكتاب هو البحث في دينامية العوامل الذاتية والموضوعية وتفاعلاتها التي أدت إلى ما سميته الكارثة. ولذلك قلت في مناسبات عديدة وفي الكتاب أيضا إن موضوع الكتاب الرئيسي هو الكارثة السورية وليس الثورة التي تستحق كتابا آخر يليق بما قدمه السوريون من تضحيات اسطورية.
للحوار بقية