أثار إعلان القيادي في “الفيلق الخامس” في محافظة درعا أحمد العودة، العمل على تشكيل جيش موحد في حوران، يضم المقاتلين من أبناء المنطقة “من أجل حفظ أمنها” ردود فعل متباينة في أوساط المعارضة.
وبينما رأى البعض في هذا الاعلان استجابة موضوعية للواقع الأمني المتردي في المناطق التي تديرها المعارضة في درعا، والتي لحقت خسائر كبيرة في صفوفها خلال الأشهر الأخيرة الماضية، اعتبر آخرون أن هذا الإعلان مجرد دعاية إعلامية.
وكان العودة، وهو قائد اللواء الثامن في الفيلق الخامس المدعوم من روسيا في درعا، والذي يتكون من مقاتلي فصائل المعارضة الذين وقعوا على اتفاقية التسوية مع قوات النظام عام 2018، قد أكد الثلاثاء “العمل على تشكيل جيش موحد في درعا من أجل ضبط الأمن فيها وحماية المحافظة وكل سوريا”.
إعلان العودة جاء خلال مشاركته في تشييع ضحايا تفجير استهدف حافلة كانت تقل عناصر من الفيلق الاثنين في بصر الحرير بريف درعا الشرقي، ما أدى الى مقتل تسعة منهم وجرح الآخرين.
وهذا الهجوم هو الأخير ضمن سلسلة من عمليات التفجير والاغتيال التي تصاعدت في مناطق سيطرة فصائل التسوية في ريفي درعا الشرقي والغربي خلال الشهرين الماضيين، والتي كان أغلب ضحاياها قادة ومقاتلين من هذه الفصائل. وبينما يتهم البعض تنظيم “داعش” بالوقوف خلف هذه العمليات، يرى آخرون أن المستفيد الأكبر منها هو النظام وحليفه الإيراني، الساعيان لبسط سيطرتهما الكاملة على حوران.
ويبدو أن الغضب الشعبي المتصاعد ضد الطرفين المتهمين بنشر الفوضى والقيام بأعمال عنف في مناطق سيطرة المعارضة بريف درعا، هو الدافع الرئيسي لإعلان العودة التوجه لتأسيس الجيش الموحد، حيث يفضل الأهالي في هذه المناطق الوجود الروسي فيها على سيطرة القوات المدعومة من إيران، لاسباب مذهبية وأخرى تتعلق بالجرائم التي ارتكبتها قوات النظام والميليشيات الموالية لها في هذه المناطق.
وبينما رأى بعض الضباط المنشقين عن النظام، أن الحديث عن تشكيل جيش موحد لأبناء الجنوب هو لمجرد الاستهلاك الإعلامي، وأن مقومات مثل هذا الجيش ليست متوفرة بأي حال، أكد الصحافي مؤيد أبا زيد أن المساعي لتأسيس هذا التشكيل “جدية”، وكان قد بدأ البحث فيها منذ أسابيع.
وأضاف أبا زيد في حديث ل”المدن”، أنه “بعد التوافقات الأخيرة التي جرت الشهر الماضي وسمحت بتوسيع الفرقة الرابعة المدعومة من إيران انتشارها في ريفي درعا الشرقي والغربي، تردى الوضع الأمني في هذه المناطق وتزايدت عمليات الخطف والسرقات التي يقوم بها غالباً أشخاص مرتبطون بهذه الفرقة، التي أصبحت صاحبة السلطة المطلقة”.
ولذلك، يتابع أبا زيد، بات الجميع، بمن فيهم روسيا على ما يبدو، ممتعضين من هذا الواقع، وعليه بدأت مساعٍ جدية خلال الأسابيع الماضية لإنشاء قوة من أبناء الجنوب لمواجهة الواقع الأمني المتردي والتغلغل الإيراني المرفوض شعبياً في المنطقة. وتفجير الحافلة الذي اتُهم به النظام سرّع الإعلان عن هذه المساعي التي كان سيتم الكشف عنها بكل الأحوال.
وقال إن “هذا الجيش هو قوة ردع بالدرجة الأولى وليس قوة قتال، لكن لا يستبعد أن يدخل في مواجهة بالنهاية مع القوى المدعومة إيرانياً، علماً ان هذا يتوقف على الموقف الروسي من الوجود والنفوذ الإيراني ومدى تهديده للحضور الروسي في المنطقة، أي أننا سنكون أمام قوة مدعومة من جيش احتلال أقل سوءاً لمواجهة جيش احتلال أسوأ”.
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة “أن التسابق الروسي الإيراني مازال مستمراً في الجنوب السوري، وذلك من خلال إعادة هيكلة كل طرف للقوات المسلحة التي تتبعه، ولأن الروس كانوا طرفاً في اتفاقية إعادة بسط النظام سيطرته على حوران وذلك برضى من الفصائل العسكرية المعارضة وبموافقة أميركية إسرائيلية، كان لابد للروس أن يعيدوا هيكلة هذه الفصائل في فيلق يتبع لهم وهو الفيلق الخامس”.
وأضاف في حديث ل”المدن”، “لأن الروس يريدون أن يعود الاستقرار الأمني للمنطقة الجنوبية، فهم بحاجة إلى قوة مركزية عسكرية من أبناء المنطقة، وهذا ما يتوافق مع توجهات قيادات الفصائل هناك ليحظوا بدور في مستقبل سوريا، و في الوقت ذاته فإن الاستقرار الأمني يحفز مناطق أخرى لتحذو حذوها وبالتالي خدمة أهداف روسيا في كسب ثقة المزيد من السوريين”.
ورغم عدائها الشديد للفيلق الخامس، إلا أن نظرة المعارضة لقوات هذا الفيلق في درعا تبدو مختلفة إلى حد كبير، بالنظر إلى أنها تتألف من مقاتلي الفصائل الذين تمكنوا من خلال الانضمام إلى الفيلق، من الحفاظ على مسافة كافية من قوات النظام وعدم السماح لها بالتحكم في المناطق التي ينتشرون فيها بريف درعا، ناهيك عن عدم مشاركتهم في القتال ضد فصائل المعارضة في المناطق الأخرى، لكن الإعلان الأخير من قبل قيادة الفيلق الخامس في درعا يظل محل تساؤلات بالنظر إلى الظروف المعقدة جنوب سوريا والتنافس الحاد بين إيران وروسيا على تلك المنطقة.
المصدر: المدن