سامر إلياس
كشفت وثائق أن الجنرال الروسي الذي قتل الثلاثاء في سورية متورط في إخفاء الحقائق حول مقتل أحد المجندين في الخدمة العسكرية في عام 2016، إذ يقول ذووه إنه تعرض للتعذيب قبل وفاته، في حين ذكر تقرير وزارة الدفاع الروسية أنه قضى منتحراً بعد خلافات مع صديقته. وتوضح بيانات وزارة الدفاع الروسية عن أعداد القتلى في سورية أن معظم الجنرالات والقتلى الروس المنتشرين على الأرض سقطوا في منطقة دير الزور شرقي سورية.
وفتحت لجنة التحقيق الروسية قضية جنائية للتقصي حول أسباب مقتل الجنرال ميجور (اللواء) فيتشسلاف غلادكيخ المستشار العسكري للقوات الروسية المنتشرة في سورية. وبعد ساعات على مصرع غلادكيخ الذي يعّد أكبر خسارة للعسكريين الروسي منذ مارس/ آذار 2018، أكد رئيس لجنة التحقيق الروسية ألكسندر باستيركين أن جميع التحقيقات حول مقتل العسكريين الروس في سورية تتولاها اللجنة بمساعدة “الجهات الحكومية السورية” وفقاً للاتفاقات الموقعة بين الجانبين، مشدداً على أن “تحديد المذنبين في قتل وجرح عسكريينا ليس واجباً وظيفياً بل قضية شرف”.
وقتل الجنرال الروسي مساء الثلاثاء على بعد 15 كيلومتراً عن مدينة دير الزور في منطقة تتقاسم النفوذ عليها القوات الأميركية، و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) ذات الغالبية الكردية، وتنشط فيها مجموعات من بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي. وحسب البيانات الرسمية فإن الحادث وقع نتيجة تفجير عبوة ناسفة مصنعة يدوياً أثناء مرور موكب روسي كان عائداً من منطقة وزع فيها مساعدات إنسانية، وجُرح في الانفجار ثلاثة من الجنود الروس، وتوفي أحدهم لاحقاً بحسب صحيفة “كوميرسانت” الروسية، ولم يكشف عن هوية باقي الجنود أو حالة المصابين بجروح.
وفي عريضة على موقع change.org وقّع عليها قرابة 245 ألف روسي، طالب الموقعون بكشف الأسباب الحقيقة عن وفاة المجند في الخدمة الإلزامية أندريه شليجكوف الذي كان يؤدي واجبه الوطني في قطعة عسكرية تحت إمرة غلادكيخ المتهم، بحسب العريضة، بعدم الاكتراث لشكاوى كثير من عائلات المجندين حول الجحيم الذي يعيشه أبناؤهم في قطعهم العسكرية، وحجم التعذيب والإهانات من قبل الضباط في دائرة أرورينبورغ التي يشرف عليها غلادكيخ. وتتهم العريضة الجنرال بالتغطية على حقيقة قتل المجند وعدم محاسبة الضباط الفاسدين الذين يطالبون برشى من المجندين لتحسين ظروف خدمتهم.
وتكذب العريضة ادعاءات لجنة التحقيق في حادث مقتل المجند الشاب والتي ذكرت فيها أنه انتحر بسبب خلافات مع صديقته، وتشير إلى شهادة الأم أن ابنها لم يكن له صديقة في تلك الفترة، وأنه نقل إلى المستشفى مرتين قبل وفاته بأشهر بسبب التعذيب والضرب، في حين كانت البيانات الرسمية تفيد بأنه عولج بسبب نزلات برد. وأكدت والدة شليجكوف أنها لاحظت علامات تعذيب وكدمات على جثته عند استلامها، ورجح بعض أقاربه أنه دُفع إلى الانتحار بسبب المعاملة السيئة من قبل الضباط في وحدته العسكرية، والتنمر من قبل زملائه.
وطالبت العريضة بـ”إعادة الشرفاء ممن يستحقون أن يحملوا لقب الضباط والقادة، لأن العقيد (قبل ترقيته في 2016 إلى جنرال ميجور) غلادكيخ لا يستطيع تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه”، مشيرة إلى أنه قبل انتقال فيتشسلاف غلادكيخ فإن القطعة العسكرية كانت تحت إمرة جنرال آخر قام بإحلال النظام، ومنع الضباط من فرض أتاوات على المجندين وعاقب جميع من سعى إلى إثارة الفتن على أساس قومي في القطعة، واهتم بتوفير أفضل الظروف لخدمة الضباط والمجندين.
واللافت في القضية أن والدة المجند شليجكوف تخلت بعد أشهر عن رفع قضية جنائية للتحقيق في مقتل ابنها، وبحسب موقع “ايخو موسكفا” رفضت استقبال أي مكالمات هاتفية لتوضيح السبب، وفي 2017 أقرت محكمة روسية بدفع 1.5 مليون روبل (الدولار كان حينها بحدود 60 روبلاً) و600 ألف روبل لكل من جده وجدته، وأغلقت القضية بتأكيد تقرير التشريح أن الوفاة ناجمة عن انتحار.
وتتكتم السلطات الروسية على عدد القتلى في المعارك في سورية والخارج، وبحسب وسائل إعلام روسية ومتابعات بعض المواقع المتخصصة قتل ما يزيد عن 100 عسكري في سورية منذ التدخل العسكري المباشر لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد في سبتمبر/ أيلول 2015، إضافة إلى مئات من عناصر مرتزقة شركة “فاغنر” للخدمات الأمنية الذين قضى العشرات منهم على يد “قسد” والمروحيات الأميركية في فبراير/ شباط 2018 أثناء محاولتهم التقدم نحو أحد الحقول النفطية في دير الزور مع مجموعات من قوات النظام السوري والمليشيات الطائفية الداعمة لها.
وفي مارس/ آذار 2018 أقرت روسيا بمقتل 26 ضابطاً روسياً بينهم الجنرال (اللواء) فلاديمير يرمييف، أثناء تحطم طائرة نقل عسكرية ” أنطونوف – 26″ في مطار حميميم. وقتل في الحادث أيضا ًستة من طاقم الطائرة، وحينها قالت وزارة الدفاع إن تحطم الطائرة ناتج عن خلل تقني تسبب في عدم القدرة على السيطرة عليها أثناء الهبوط.
واللافت أن معظم خسائر روسيا على الأرض حدثت حسب البيانات الرسمية في منطقة دير الزور، وكان آخر جنرال روسي قتل في الميدان هو اللواء فاليري أسابوف، الذي لقي حتفه في دير الزور في سبتمبر/ أيلول 2017 بعد إصابته بجروح قاتلة أثناء هجوم لمجوعة مسلحة في منطقة متقدمة لجيش النظام السوري. وكان ذلك أثناء معارك استعادة مدينة دير الزور، أعقبها انفجار لغم أرضي تسبب في تحول جثته إلى أشلاء بحسب ما نقلت “كوميرسانت” حينها عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية.
وفي مايو/ أيار 2018 أقرت وزارة الدفاع الروسية بمقتل أربعة مستشارين عسكريين روس، وإصابة 3 آخرين في محافظة دير الزور شرقي سورية. وحينها، ذكرت مواقع إعلامية روسية أن الوزارة اضطرت إلى الإعلان عن الخسائر الجديدة التي مُنيت بها في 23 من الشهر ذاته بعد وصول جثامين أربعة جنود إلى مدينة تشيتا شرقي روسيا ومواراتهم الثرى ورجحت أن ستة عسكريين روس سقطوا في معارك مع المعارضة في هذه المنطقة.
وتعرضت القوات الروسية في سورية إلى خسائر فادحة معظمها بسبب حوادث طيران، ففي 17 سبتمبر/ أيلول 2018، قتل 15 ضابطا روسيا بعد إصابة طائرة كانت تقلهم بصواريخ المضادات الأرضية السورية مقابل مدينة جبلة. وحينها تخفت الطائرات الإسرائيلية المغيرة على مواقع في الساحل السوري وراء طائرة استطلاع وتشويش روسية من نوع ” إيليوشين 20″ ما عرضها لنيران المضادات السورية وسقوط الطائرة ومصرع جميع عناصرها.
وقبلها، وفي أثناء توجهها إلى سورية من أجل إحياء حفلة في قاعدة حميميم للجنود الروس تحطمت طائرة “تو 154” وقتل جميع أفراد الجوقة الموسيقية الروسية بعد سقوط الطائرة في البحر قبالة مدينة سوتشي جنوبي روسيا على البحر الأسود.
وذكرت السلطات أن الطائرة العسكرية التي كان على متنها 92 شخصا بينهم عشرات من المغنين والعازفين والراقصين بالفرقة الموسيقية العسكرية سقطت في البحر الأسود وهي في طريقها إلى سورية بسبب عطل فني.
المصدر: العربي الجديد