حازم الأمين
لا ينقص مخيم عين الحلوة ما توعدت به إسرائيل يا سيد هنية. لقد جئت لتضيف إلى مصائب أهل المخيم مصيبة جديدة. في كل مرة أزور فيها مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين تصيبني كآبة تعيق مقدرتي على تنفسٍ طبيعي، أنا ابن صيدا وابن المخيم. الفقر هناك مخصب بأنواع أخرى من الحرمان ومن الاستعصاء، وللفقر والحرمان وظائف حولت المخيم إلى بؤرة أمنية تواطأت عليها أجهزة أمن رسمية وغير رسمية. وأصبت بالدهشة حين شاهدت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في المخيم مبتسماً وسعيداً ومذهولاً من حجم الاستقبال الذي حظي به في عين الحلوة. فقد وصل الرجل إلى المخيم ليتوعد منه “العدو” بصواريخ تصل إلى العمق الإسرائيلي. لم ينتظر حتى يعود لغزة، على رغم أنه قال أن صواريخه مركونة في القطاع، ولم يأتِ لينظر بأحوال الناس في المخيم! لا ينقص مخيم عين الحلوة ما توعدت به إسرائيل يا سيد هنية. لقد جئت لتضيف إلى مصائب أهل المخيم مصيبة جديدة. لم يلفتك ما يعيشه السكان من حرمان وحصار تمارسه عليهم “دولة المقاومة” التي استضافك حزبها. لم يلفتك الاكتظاظ المُهدد بفايروس “كورونا”، ولا ما أصاب السكان جراء عيشهم في دولة مفلسة! جئت لتطلق “صواريخ” وتغادر من فورك، وتترك الفلسطينيين في المخيم ضحايا لتصريحاتك التي أثارت ريبة لبنانيين كثراً ومخاوفهم. هذا الأمر يا سعادة رئيس المكتب السياسي، سيخلف صدوعاً جديدة كان الفلسطينيون في لبنان في غنى عنها. أعرف أنه لا يعنيك أمر هؤلاء الفقراء مثلما يعنيك أمر الصواريخ، وأعرف أنك لا تملك حساسية تساعدك على التمييز بين مصلحة اللاجئين ومصلحة أهل المحور. زج الفلسطينيين مرة جديدة في الانقسام الداخلي قد يعينك في علاقاتك العابرة لقطاع غزة، لكنه سيضع هؤلاء اللاجئين بين فكي كماشة انقسام أهلي ومذهبي، ويضيف إلى مصائبهم مصيبة. ربما أدهشتك حفاوة الاستقبال في المخيم، لكن دعنا نفسر لك سر هذه الحفاوة، لا سيما أن “حماس” ليست القوة الأبرز في عين الحلوة. هؤلاء الذين استقبلوك هم أيتام القضية مثلما هم أيتام لبنان. معلقون في الهواء، لا أحد يسأل عنهم. الأونروا تواصل تهديدها لهم بتركهم للعوز وللجوع، ومنظمة التحرير تركتهم في مواجهة الفراغ الكبير في هذه الدولة المفلسة والتي تمنعهم من العمل ومن الخروج من المخيم. وصلت إلى المخيم يا سيد هنية فشعر الناس بأن ثمة من يسأل عنهم. ليس صعباً أن تطلق “صواريخك” في بيئة هذه حالها. سكان المخيم لا يملكون ناصية عبارتهم، وينتظرون أي شيء يأتيهم به زائر. لقد تذكرتهم بصفتهم وقود انقسام جئت إلى لبنان في سياقه وفي ذروة اشتغاله. لا تعنيك الكارثة المحدقة بهم، ولا يعنيك أنهم ممنوعون من العمل في أكثر من 70 مهنة. السلطة التي استضافك حزبها لطالما حولت المخيم إلى بؤرة مطلوبين، ومدت أجهزتها الأمنية نفوذها فيه عبر جماعات دفعت بهم إلى المخيم. طبعاً هذه تفاصيل لا تعنيك، فالمهم بالنسبة إليك خطاب الصواريخ الفارغة. والغريب بالسيد هنية، وهو رئيس المكتب السياسي لحركة تقيم دويلتها في غزة أنه حل ضيفاً على حزب في لبنان، لا على دولة ولا على حكومة. والغريب بالسيد هنية، وهو رئيس المكتب السياسي لحركة تقيم دويلتها في غزة أنه حل ضيفاً على حزب في لبنان، لا على دولة ولا على حكومة. غابت عن حساباته الأوضاع الدقيقة التي يعيشها لبنان. فنحن، وان كان لدينا حزب مسلح، لكن هذا المأزق نكابده كلبنانيين. ننقسم حوله ونحاول ما نستطيع حياله، أما أن يزورنا صاحب سلطة في دولة أخرى ويشعر أن بإمكانه توعد إسرائيل من أرضنا، ومكاشفتها بامتلاكه صواريخ، فهذا ما لا يستطيع هنية فعله من أي دولة أخرى. حليفتاه تركيا وقطر تقيمان علاقات مع إسرائيل لا يقوى السيد هنية على مجرد الغمز منها. دولتنا، إضافة إلى أنها مفلسة وفاسدة وفاشلة، هي مستباحة أيضاً، وأن يأتي ضيف وينتهك السيادة، فهذا لن يحرك ساكناً في وجدان أهل “لبنان القوي” ذاك أنهم سبق أن باعوا السيادة في مار مخايل وأخذوا ثمنها وزارة الطاقة، ولاحقاً قصر بعبدا ومتفرعاته. لكن على المرء أن يخاف فعلاً على اللاجئين جراء دفعهم إلى ما لا ناقة ولا جمل لهم فيه. لا مكان لمصيبة جديدة تسقط على رأس هؤلاء الفقراء. أيتام فلسطين وأيتام لبنان، وأيتام العرب الزاحفين لبيعهم في حروبهم في الخليج وغير الخليج.
المصدر: درج