راشد عيسى
فتح «نمس باب الحارة» أشدّ النار على «المؤسسة العامة للسينما» في سوريا، مطلِقاً تعبير (ولاحقاً هاشتاغ) «المزرعة العامة للسينما» في وصفها. قال «النمس» (الفنان مصطفى الخاني) إن فساداً كبيراً يعمّ تلك «المزرعة» بإشراف وزير الثقافة محمد الأحمد، الذي صار سابقاً للتو، ويبدو أن الخاني كان يتحدث لإذاعة «المدينة» بمناسبة تشكيل حكومة جديدة، وتعيين وزير ثقافة جديد) وكذلك بإشراف الإدارة التي تتعهد «المزرعة» منذ عشرين عاماً.
من بين ما قاله الخاني إن الأفلام التي تنتجها المؤسسة تكلّف ميزاينة ضخمة «لكن مين عم يشوفها» محتجاً أولاً على «السويّة» ومن ثم احتكارها من قبل «أربع خمس مخرجين» «بيخرجوا مع بعض، ويمثلون في أفلام بعض، وبيعملوا تعاون فني مع بعض…»! وسمّى ثلاثة مخرجين؛ عبداللطيف عبدالحميد، جود سعيد، وباسل الخطيب. عند سماع اسم عبداللطيف، ومعروف أنه بالفعل أكثر من أخذ فرصاً في المؤسسة، لأسباب لا تخفى على المتابعين. انتفض المذيع، تغيرت وجهته، وراح يدافع عن مخرجه المسكين المتوقف عن الإخراج منذ سنوات! وبالإمكان المتابع أن يتخيل أيضاً لأي أسباب انتفض المذيع دفاعاً عن هذا المخرج بالذات. فربما كان عبدالحميد للنظام بمثابة علي الديك في عالم الطرب والغناء. إنه علي الخاص بالسينما، وبالتالي هو من عظام الرقبة، ولا يجب لأحد أن يمس به، حتى لو كان برتبة «نمس».
لا يفوت الخاني أن يقدّم تصوره للحل في «المزرعة» إذا يكفي بالنسبه له «أن يُطبَّق العُرف الموجود في المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني، والذي لا يسمح للمخرج أو الممثل النجم، بتكرار تجربته مع المؤسسة قبل ثلاث أو أربع سنوات على الأقل، وذلك كي يكون هناك فرص لأكبر قدر من المبدعين السوريين، وكي لا يبقى الموضوع حكراً على البعض» أي، ببساطة، سيكتفي الخاني بإعطائه دور عاجل في فيلم، ويعدكم في هذه الحالة أن يصمت لثلاث أو أربع سنوات مقبلة.
هو لا يريد أن يرى ما يجري أبعد من تلك «المزرعة الخاصة» كما يصرّ على تسميتها، يصرّ على رؤيتها مجرد أزمة كعكة، تحلّ بتوزيعها بشكل عادل على عشرة مخرجين وأربعين ممثلاً!
هل تتصور عزيزي النمس أن فساد عشرين عاماً في المؤسسة، كما تقول، ينحصر فقط بين محمد الأحمد وزيراً، أو مديراً وطاقم من الموظفين؟! هل فساد المؤسسات الأخرى أقلّ سوءاً؟ انظر مؤسسات القضاء، حيث العدل هناك يبكي الجن لو سمعوا به. انظر «مؤسسة» الحواجز الأمنية. التعليم، الطبابة والمشافي، براد المشفى خصوصاً، الإعلام، الأعلاف، وطبعاً الأجهزة الأمنية.. أليست كلها مزارع خاص مرعبة في فسادها وتوحش أكثرها؟ في إمكانك الاستنتاج، حتى لو لم تكن البكالوريا الخاصة بك «علمي» أن مجموع المزارع الخاصة لن يفضي إلا إلى مزرعة خاصة كبيرة، اسمها، كما تعلم، سوريا الأسد. هنا بالضبط تكمن مشكلة المؤسسة العامة للسينما.
مطاردة القوافي
في حلقته «الإعلام والحمام الزاجل» يقترب ياسر العظمة من طبيعته أكثر من الحلقات الماضية. تحديداً من حيث العودة إلى اللهجة العامية السورية، بخلاف قصيدته السابقة عن دمشق، وصوغها في قالب مسجوع. لا ندري إن كان لدى الفنان السوري خبر بأن المنفلوطي بات ينتمي إلى الماضي السحيق، وأن أساليب لا تحصى في الأداء قد ظهرت واختفت بعده. لا شك أن المتلقي سيستمع إليك أفضل إن حرّرتْه من مطاردة الأوزان والقوافي، بل ستتحرر أنت نفسك بالتخلي عن ذلك. في إمكان المادة الأخيرة نفسها لو كانت حديثاً عادياً، ولا بأس إن تخلله شيء من الشعر، أن تؤثر وتؤدي إلى نقاش نحتاجه جميعاً.
كذلك فإن هذه العمومية في التناول لا تفيد، فالإعلام كله ساقط ومدان وغير مجدٍ.. كلام لا يفيد أحداً، ولا يصيب أحداً. كما لا يفيد الخلط بين الحديث عن «المنتج المقاول» واالحديث عن الرئيس الأمريكي ترامب.
يتمنى المرء مثلاً لو توقف الفنان السوري المخضرم عند هذه الجزئية المتعلقة بالمنتج المقاول والإنتاج التلفزيوني العربي الذي أدى إلى مسلسل فيه ممثلون وشخصيات تنتمي إلى مختلف الأقطار. يحتاج الأمر إلى نقاش قد يغنيه الفنان بخبرته. سيكون مفيداً أن يتحدث عن أمثلة بعينها، ومنتجين بأسمائهم، وأي قنوات يقصد… من دون ذلك سيكون برنامجك للتسلية وتزجية الوقت، لا للتسلية والفائدة معاً كما أشرتَ في حلقتك الأخيرة.
مبادرات فردية!
في ترند «بي بي سي» سنجد عنواناً يقول «مدون سعودي، طرد سابقاً من المسجد الأقصى، يغني لإسرائيل» إذ «سبق أن أثارت زيارته للقدس في 2019 بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، موجة استنكار واسع، إذ منعه فلسطينيون من دخول المسجد الأقصى وعمدوا إلى ملاحقته وطرده من المدينة القديمة والمقصود بـ «المدون» هو محمد سعود «المعروف بدعمه للتطبيع مع إسرائيل، وقد دأب منذ سنوات على نشر فيديوهات تمتدح الإسرائيليين ويحرص على تهنئتهم في أعيادهم الدينية والرسمية. فهو لا يخفي تواصله مع المسؤولين الإسرائيليين، خاصة أولئك الذين لديهم حضور بارز عبر مواقع التواصل الاجتماع».
خطوة المدوّن السعودي ليس فريدة من نوعها، إذ يمتلئ عالم الميديا الاجتماعية هذه الأيام بـ «مبادرات فردية» مماثلة، سعودية وإماراتية خصوصاً، لكن هل هي حقاً فردية، أم أن الحكومات الساعية لفرض التطبيع أرادت لها أن تبدو فردية، وشعبية، كما لو أنها مطلب الناس الأول في تلك البلدان!
الدرس في منتهى الوضوح؛ فرضت اتفاقيات السلام مع إسرائيل بواسطة حكّام مستبدين، من دون العودة إلى شعوبهم للاستفتاء على قضية بهذا الحجم، لكن الأيام أثبتت أن التطبيع بقي على مستوى الحكومات وبقي الناس في أماكنهم لا يستسيغون النوم في سرير العدو، ولا نوم العدو في أسرّتهم، لقد شهد الجميع ردود فعل شعبية تاريخية في مصر المحروسة كما في الأردن، ما يعني أن التطبيع لا يمكن أن يمرّ بجرة قلم بين حكومتين. خصوصاً أن التطبيع يعني في جوهرة جعل العلاقات طبيعية، وهذا ما يستحيل إجبار الناس عليه.
يحاول المطبّعون الجدد اليوم الاستفادة من الدرس عبر إيهامنا بأن التطبيع هو مطلب شعبي، ولذلك يكشّون ذبابهم الالكتروني في هذا الاتجاه.
المصدر: القدس العربي