الغوطة الشرقية، غوطة دمشق التي كانت غناء، تباد بسكانها المدنيين، ويقوم نظام الاجرام الأسدي ومن معه من إيرانيين وروس، بحملة غير مسبوقة (لتطهير الأرض) من سكانها، كما تشير كل أفعالهم على الأرض، وهناك مقتلة ومحرقة حقيقية ضد أهلنا في الغوطة. لكن يبقى السؤال المقلق والمحير: ما سر كل هذا الصمت المقيم لدى الشعوب العربية، وخاصة في مصر العظيمة، وباقي أقطار الوطن العربي، علمًا أن ما يجري في الغوطة من قتل للأطفال والنساء وكل الناس البسطاء ، بات يقلق العالم أجمع . هل من تفسير لذلك؟ ومتى سنشهد صحوة شعبية عربية من أجل وقف هذه الإبادة بحق السوريين؟
أحمد نسيم برقاوي يجيب عن ذلك بقوله ” تنتمي جريمة الغوطة التي تنفذها الجماعة الحاكمة وإيران وروسيا والميليشيات الطائفية، المليشيات التي تشكل الآن الجسم الأساسي لقوة الجماعة الحاكمة العسكرية، إلى طقوس الجرائم المتعددة التي ارتكبت في حلب وبلداتها وإدلب وقراها وداريا والمعضمية الخ. وقد تم تنفيذ جميع الجرائم في ظل جعجعة عالمية بلا طحن، وصمت للمجتمع المدني والشعبي العربي والأوربي والأميركي.” ويحيل برقاوي ذلك إلى أمرين ” الأول: أن سورية أصبحت موضوع اقتسام جغرافي وسكاني لأميركا وحلفائها، وروسيا وإيران وتركيا، ولم تعد القضية السورية بالنسبة لهذه الدول قضية شعب ثار من أجل حريته وكرامته واستقلاله الوجودي. وبالتالي لم يعد يعني هذه الدول الجانب الإنساني السوري وما ترتكبه الجماعة الحاكمة والمحافظين عليها من جرائم بحقه، وإذا أضفنا إلى ذلك الشحن الإعلامي العالمي حول مسألة مواجهة (الإرهاب في سورية) أدركنا إهمال المجتمع المدني الأوربي وغير الأوربي للتراجيديا السورية في صورتها المروعة في الغوطة. أما الأمر الثاني وهو المتعلق بالصمت الشعبي العربي، فإن المجتمعات العربية إما أنها تعيش المشكلات التي نتجت عن ثورات الربيع العربي وانهيار الدكتاتوريين واستيقاظ الهويات المتناقضة كما هو الحال في ليبيا وتونس ومصر وليبيا، (وانشغال العراق بالحروب المحلية بعد الاحتلال الأميركي)، وبالتالي فإن انشغالها بشؤونها أنساها شؤون الآخرين.
وإما بلدان لا تعرف بالأصل طقوس نشاطات المجتمعات المدنية والسياسية، وبالتالي هي ليست في شرط تاريخي يؤهلها لمثل هذه النشاطات.” وأضاف برقاوي بقوله ” استيقاظ الضمير الأوربي والأميركي وضمير بعض الدول العربية أمام الجريمة التي تتم بحق أهل الغوطة إذا لم يتعين بسياسة فاعلة على الأرض بدعم من دول عربية، فإنه لن يكون له معنى، سوى معنى واحد ألا وهو: إنك أنت أيها السوري الذي ثرت من أجل حريتك وكرامتك يقع عليك أمر الكفاح والمواجهة مع أدوات القتل والتدمير. يقع عليك وحدك أمر تقرير مصيرك”.
أما الكاتب الأحوازي صباح الموسوي مدير قناة المحمرة فقد قال ” منذ سايكس بيكو والأمة تنزف دمًا في مختلف أقطارها وما حدث ويحدث في سورية الحبيبة ليس سوى حلقة في هذا المسلسل الطويل والدامي، وإن حملة الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في الغوطة لا يمكن فصله عن المخطط الإجرامي الذي يستهدف سورية والشعب السوري والرامي إلى تمزيق سورية وشعبها، وشراسة الحملة التي تتعرض لها الغوطة يعود لتاريخ أهلها في مقاومة الاستعمار وثباتهم في مواجهة المخطط، الذي يستهدف سورية اليوم. وما روسيا وإيران ومعهم النظام البعثي المجرم، إلا أدوات في هذا المخطط.” ويبين الموسوي أن ” سكوت العالم الغربي وأتباعه على جرائم الإبادة المرتكبة في الغوطة دلالة على رضى الغرب على ما يجري، وأنه هو من خطط لهذه الإبادة والمنفذ هم أدواته. أما فيما يتعلق بموقف شعوب الأمة من هذه الجريمة فإننا ندرك تمامًا أنها شعوب مغلوبة على أمرها، وهي تئن من وطأة الاستبداد، ولكن رغم ذلك فشعوب الأمة قدمت الكثير من المساعدة والعون، وهي مستعدة أن تقدم المزيد لو أتيح لها المجال. ولكن قوى الاستبداد هي من تمنع شعوب الأمة من النصرة الكاملة لأهلنا في سورية عامة، وفي الغوطة خاصة” وأضاف ” لقد تم إغلاق الكثير من الجمعيات الخيرية التي كانت تقدم العون لأهلنا في سورية، وهذا الاستبداد جزء من منظومة التآمر على الأمة وعلى الشعب السوري، و العالم الغربي المسؤول الأول، فلولاه لما تجرأت إيران على كل هذا الإرهاب ولما تجرأت روسيا على إجرامها ولما بقي بشار وعصاباته كل هذه المدة في الحكم يقتل النساء والأطفال والشيوخ بمختلف الأسلحة السامة وغير السامة. إن أهل الغوطة ضحية تآمر كبير يستهدف الأمة بأكملها”.
الباحث اللبناني فضيل حمود قال ” أسباب لامبالاة شعوبنا العربية أمام إبادة ومحرقة الغوطة الشرقية وشعبها الأعزل المحاصر وقبلها حلب وغيرهم، متعددة ومختلفة من بلد عربي لآخر. الشعوب في حالة صراع بقاء متفاوتة يرثى لها في اليمن والعراق وليبيا. لقد استطاعت أنظمة الاستبداد إعادة الشعوب إلى مربع الخوف والقدرية والاستسلام لواقع القهر والاستعباد، بعدما كسرتهم وانتفضت عام ٢٠١١؛ أعادتهم إلى قبول معادلة الأمن والاستقرار النسبي مقابل الصمت المطبق والخضوع؛ هذا ما حصل بشكل خاص في مصر.” وأضاف حمود قائلًا ” لقد استطاع نظام الاجرام في دمشق (تدريجيًا) مع حلفائه في الداخل والخارج في تسويق مقولات التضليل لشعوبنا (حرب ضد تكفيريين، حماية ما يسمى بالأقليات، مقاومة وشماعة فلسطين) خصوصًا في المغرب العربي. ساعدته في ذلك النخب عامة والقوى القومية واليسارية خاصة، التي خانت في غالبيتها قضايا شعوبنا بوقوفها معه ورديفه السيسي في القاهرة. وهناك عامل آخر (مصري) يضاف فأكثرية شعبها ونخبها ترفض الاخوان المُسلمين؛ في حين تصدرهم ولاحقًا مع منظمات جهادية عنفية إسلامية الثورة السورية واختطافها.”. ثم نوه إلى دور الاعلام بقوله ” لا بد من الإشارة إلى دور الاعلام المتضافر في نفس الاتجاه، في تغييب الوعي وإدراك شعوبنا العربية لحقيقة الصراع في عمقه ونتائجه عليها، وإن كارثة العصر الإنسانية لشعبنا السوري ستطالهم. للأسف الشديد لا أرى في المدى المنظور صحوة شعبية عربية من أجل وقف الإبادة بحق شعبنا السوري، طالما المستبد السيسي وأمثاله يتسلطون ويتحكمون في شعوبنا المغلوب على أمرها”.
الكاتب والسياسي اللبناني عبد الناصر طه قال ” التغيير الديموغرافي يجري في سورية قدمًا على ساق، وأمام أنظار العالم أجمع تتم عمليات تطهير سكاني، وإحلال غرباء بدل السكان الأصليين، والغريب أنه يحصل ذلك تحت أنظار الأمة العربية التي غابت عن الفعل وأصبحت في حال دفاع مستميت عن وجودها، لأنها تتعرض للخطر تباعًا، دولة بعد دولة.” وأكد طه أن ” سر الصمت المريع لدى الشعوب العربية تجاه مجازر الغوطة التي يندى لها جبين الإنسانية، مردّه إلى أسباب أبرزها انشغال الشعوب العربية بمآسيها نتيجة الحروب الداخلية في كلٍ من سورية واليمن والعراق ومصر، وغيرها بنسب متفاوتة، على أكثر من صعيد، وأيضًا تصوير الحروب آنفة الذكر، وكأنها حرب بين الاستقرار والإرهاب، ما أدّى إلى اختلاط المفاهيم عند المواطن العربي وعدم القدرة على التمييز بين ما هو وطني أو عميل، وكذلك غياب مصر كقوة أساسية وأولى، وانكفائها إلى الصفوف الخلفية بعدما رهنت دورها وتاريخها لمساعدات مالية تنتظرها من بعض دول الخليج العربي، في ظل نظام فاسد غارق في الظلم والظلام ما ينذر بمستقبل مظلم للشعب المصري وللعرب عامة، ولا ننسى قوة الإعلام العربي والعالمي التدميرية المدعومة بأموال خليجية لتشويه صورة المعارضة الحقيقية للأنظمة الحاكمة المستبدة، وإبراز
دور القوى الطائفية والمذهبية، ما يمنع قيام أي قوة شعبية عربية في المدى المنظور وبالتالي مداهنة أكثر الدول العربية إن لم نقل كلّها للاحتلالين الروسي والأميركي لأجزاء من سورية، وهذا سمح للروس بالتمادي في الإجرام منذ تدمير حلب مرورًا بالأرياف السورية، ومؤخرًا في الغوطة”.
أما القيادي في حزب الكرامة المصري عبد العزيز الحسيني فقد كان له رأي مختلف حيث قال: ” ما يحدث في الغوطة جريمة وصفتها الامم المتحدة أنها عقاب جماعي، كما أن الأنباء الواردة عن منع المدنيين بالقوة من الخروج من الغوطة، إذا كان قد حدث فهو جريمة أخرى، ومن شبه المؤكد أن كل الأطراف المسلحة سواء النظام والمعارضة في سورية الحبيبة، قد تورطت في جرائم ضد المدنيين ربما تنحدر إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والله أدعو أن يتم حلًا سياسيًا يؤدى إلى توفير مناخ يمكن الشعب السوري من اتخاد قراره بإرادة حرة في كل ما يخص حاضره ومستقبله”. ونحن هنا نضع كلام السيد الحسيني احترامًا لرأيه مع كل اختلافنا مع توصيفاته التي وردت.
المصدر : جيرون