أمين العاصي
فتح اغتيال الناشط والصحافي السوري حسين خطاب، أول من أمس السبت، في وضح النهار في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية، الباب مجدداً أمام تساؤلات الشارع السوري المعارض عن راهن ومستقبل هذه المناطق التي تكاد تنزلق إلى فوضى أمنية عارمة، في ظلّ انتشار السلاح بشكل واسع من دون وجود جهات قادرة على وضع ضوابط أو محاسبة مجموعات منفلتة تمتهن السرقة والتصفيات الجسدية والاعتداء على الممتلكات.
واغتال مسلّحون مجهولون، ظهر أول من أمس السبت، خطاب، عبر إطلاق النار عليه بشكلٍ مباشر والفرار، في مدينة الباب، الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي، في حادث كان له وقع الصدمة على أغلب الفعاليات المدنية في المنطقة، والتي طالبت بتدخل جدي من الجيش لوضع حد لما يجري. وحمّل أكثر من تجمع إعلامي في داخل سورية وخارجها، في بيان أمس، “الجيش الوطني” والحكومة السورية المؤقتة مسؤولية “التقصير في حماية الصحافيين والإعلاميين في الشمال السوري”. وطالبت هذه التجمعات بـ”محاسبة المقصرين والعمل على القبض على مرتكبي هذا الفعل الشنيع”.
ويأتي حادث الاغتيال في سياق سلسلة طويلة من عمليات التصفية والاعتقال التي تجري في مناطق “الجيش الوطني”. ويسيطر هذا الأخير على ثلاث مناطق في شمال سورية وهي “غصن الزيتون” التي تضم منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، و”درع الفرات” التي تضم جانباً كبيراً من ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، إضافة إلى “نبع السلام” في منطقة شرقي نهر الفرات. ويعد الفلتان الأمني هو السمة المشتركة لهذه المناطق التي تسيطر عليها مجموعات وفصائل تتبع لـ”الجيش الوطني” ولكنها لا تلتزم بضوابط وضعها مؤسسو هذا الجيش.
وتكثر الاعتداءات والتجاوزات في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية، والتي سيطر عليها “الجيش الوطني” مطلع عام 2018. وفي أحدث هذه الانتهاكات ما ذكره “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أمس الأحد، عن قيام مسلحين مجهولين بخطف ناشط في المجال الإغاثي في عفرين، ثمّ رميه في إحدى المزارع المحيطة بالمدينة بعد ضربه وسلب ما لديه من مال. وبحسب المصدر ذاته، فقد نفذت “فرقة الحمزة” التابعة للمعارضة السورية، حملة دهم واعتقال لعدد كبير من المدنيين في قرية بعية التابعة لناحية شيراوا في ريف عفرين، مشيراً إلى أنّ الفرقة نشرت عدداً من الحواجز الأمنية على مداخل ومخارج القرية وضمن الأحياء السكنية.
ولكن “الجيش الوطني” يحمّل المجتمع الدولي جانباً من مسؤولية ما يجري في المناطق التي يسيطر عليها، بحسب القيادي فيه، مصطفى سيجري، الذي أشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ هذا المجتمع “لا يقدم أي مساعدة حقيقية من شأنها إنهاء معاناة أهلنا وشعبنا”. وأضاف: “محاربة قوى الإرهاب والاستبداد ليست مسؤوليتنا نحن فقط، بل هي أيضاً واجب المجتمع الدولي، ولكن وبكل أسف تُركنا في مواجهته (الإرهاب) وبشكل منفرد على مدار عشر سنوات كاملة”.
واعتبر سيجري أنّ “فوضى السلاح تنتهي بانتهاء الحرب وبناء المؤسسة العسكرية”، مضيفاً “ما زالت الحرب قائمة، ولم نصل للمرحلة التي يمكن القول فيها إننا بتنا أمام مؤسسة عسكرية حقيقية”. وأكد أنّ قيادة الجيش الوطني “تبذل جهداً في ضبط الأمن ودعم الاستقرار والتضييق على القوى غير المنضبطة”. وشدد على أنّ “بناء المؤسسة العسكرية الاحترافية يستلزم الحصول على دعم حقيقي وإمكانيات، والواقع يقول إننا ومنذ سنوات نعمل بشكل تطوعي، إذ إنّ كل كوادر الجيش من قادة وعناصر وضباط وصف ضباط وأكثر من 100 ألف مقاتل، يعملون بشكل تطوعي في ظلّ غياب الموارد والدعم الحقيقي”.
وعن الناشط الإعلامي حسين خطاب الذي اغتيل في مدينة الباب، قال سيجري إنه “كان يقود معركة الصورة والخبر والقلم ضدّ قوى الإرهاب والاستبداد”، مضيفاً أنّ “مواجهة الإرهاب والخلايا المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية ليست بالأمر السهل، وما حدث في مدينة الباب يمكن أن يحصل في أكثر دول العالم تحصيناً”.
من جانبها، طالبت مصادر محلية في منطقة درع الفرات بتحرّك من الجانب التركي لوضع حدّ للفلتان الأمني في المناطق التي تسيطر عليها فصائل مرتبطة بالجيش التركي، مشيرةً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ الخطوة الأولى “تكمن بخروج هذه الفصائل من المدن والبلدات والقرى، وتقديم الدعم للشرطة المدنية ومساعدتها على تحكيم القانون، ومحاسبة الخارجين عنه”.
بدوره، رأى الباحث في الشأن السوري والجماعات الجهادية، عرابي عبد الحي عرابي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك جملة أسباب للفلتان الأمني في الشمال السوري أبرزها “الغياب الكلي للسلطة التنفيذية”. وأوضح أنّ “هناك عدداً كبيراً من الفصائل، بعضها منضبط ولا يوجد حوله شبهات فساد، ولكن عناصره قليلة، وفي المقابل هناك فصائل غير منضبطة وغير محترفة، تضم عناصر منحرفة تروّج للمخدرات ولتجارة السلاح، وبعضها يتعامل مع النظام ومع قوات سورية الديمقراطية (قسد)”. أشار إلى أنّ “هناك تضامناً بين شبكات الفساد في المنطقة كي لا تُكشف”.
كما لفت عرابي إلى أنّ “غياب جسم أمني واحد في مناطق سيطرة الجيش الوطني يلعب دوراً في فوضى السلاح والفلتان”، موضحاً أنّ “كل فصيل لديه جهاز أمني خاص به”. وبيّن أنّ جهاز “الشرطة الحرة” الموجود في الشمال السوري “مكبّل”، مشيراً إلى أنّ “هناك ابتعاداً من الشخصيات الفاعلة في المجتمع عن المشهد العام لأنها وصلت إلى قناعة أنه من الصعب مجابهة الفساد، لذا آثروا الانسحاب والهجرة”. وأكد أنّ “النظام يستغل جملة هذه الأسباب لتمرير السيارات المفخخة إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، ليؤكد أنّ الأمن في سورية لا يضبط إلا من خلاله”. وختم بالقول إنّ “الشمال السوري يحتاج إلى القانون وإنهاء حالة الفصائلية ومحاربة الجريمة، والقضاء على سوء الأوضاع المعيشية والفقر”.
المصدر: العربي الجديد