أمين العاصي
تتجه العلاقة بين قوميي أكراد سورية والنظام إلى تصعيد كبير، قد يفضي إلى صدام عسكري في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، إذ تشهد مدينة القامشلي التي تضم عدداً كبيراً من الأكراد توتراً أمنياً منذ نحو أسبوع، على خلفية اعتقالات متبادلة من قبل أجهزة النظام الأمنية وقوات “الأشايس” الكردية، التي تعد بمثابة شرطة محلية تابعة لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرقي البلاد. وتدخّل الجانب الروسي لنزع فتيل التوتر بين الطرفين، وتمّ الاتفاق على إجراء عملية لتبادل الموقوفين أمس الأربعاء، بين قوى الأمن الداخلي (الأسايش) وقوات النظام، بوساطة روسية، وفق موقع “نورث برس” الإخباري. وكان موقع “نورث برس” قد أشار إلى أن مدينة القامشلي شهدت الثلاثاء استنفاراً أمنياً عقب إطلاق عناصر تابعين للنظام النار على نقطة تمركز لـ”الأسايش”، في حي حلكو وسط المدينة. من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى إصابة 4 عناصر من قوات النظام في مدينة القامشلي في اشتباكات محدودة مع القوات الكردية، موضحاً أن حواجز أمنية انتشرت على مداخل ومخارج المربع الأمني في المدينة، والذي يقع تحت سيطرة النظام السوري.
وتسيطر القوات الكردية على محافظة الحسكة، باستثناء مربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي وبعض القرى القريبة من المدينتين، إضافة إلى “الفوج 123″ (فوج كوكب) قرب الحسكة، و”الفوج 154” (فوج طرطب) قرب مدينة القامشلي، ومطار القامشلي الذي تحول إلى قاعدة عسكرية روسية منذ أواخر العام 2019. كما تنتشر قوات النظام في مناطق عدة على الشريط الحدودي مع الجانب التركي، وفق اتفاق تركي – روسي أبرم أواخر العام 2019 إبان العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات.
وتدل المعطيات الميدانية إلى أن النظام غير قادر على الدخول بصدام عسكري واسع النطاق مع الجانب الكردي في محافظة الحسكة، إذ لا يملك القوات الكافية لذلك. ولا يريد النظام تصعيد الموقف أكثر، كي لا يخسر وجوده الشكلي في الشمال الشرقي من سورية، والذي يعد الأغنى بالثروات البترولية والزراعية والمائية.
وألقى الباحث السياسي المقرب من قوات “قسد”، أزاد حسّو، باللائمة في أحداث مدينة القامشلي، على ميلشيا “الدفاع الوطني” التي تضم موالين للنظام، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن النظام نفسه “يحاول منذ فترة أن يتخلص من هذه المليشيات لأنها تسبب له مشاكل مثلما تسبّب لقوات قسد”. وبيّن حسّو أن الوضع في مدينة القامشلي “تحت السيطرة”، مشيراً إلى أن “قسد” حاصرت هذه المليشيا داخل المربع الأمني، لافتاً إلى أن الجانب الروسي “تدخل”. ورأى أن “ما جرى في القامشلي هو من تداعيات ما يجري في بلدة عين عيسى، إذ رفضنا تسليم البلدة، ولكن ذلك لم يتحقق، وأرادوا أن يسيئوا لنا باستخدام الدفاع الوطني لكي نرضخ ولكنهم فشلوا”. وأشار الباحث المقرب من “قسد”، إلى أن “أي تصعيد في المستقبل لن يكون في صالح روسيا والنظام السوري”، مضيفاً أن “روسيا تحاول حالياً إيقاف التصعيد عن طريق تدخلها المباشر، لكن أتوقع أن الدفاع الوطني بعد فترة ستخرج من تحت سيطرة النظام السوري وستكون هناك مشاكل ستصب لصالح قسد والمنطقة بشكل عام”.
ومن الواضح أن التوتر الذي يسود محافظة الحسكة هو نتيجة انسداد الأفق أمام تفاهم بين التنظيمات القومية للأكراد السوريين والنظام الذي يطالب “قسد” التي تهمين عليها الوحدات الكردية، بتسليم منطقة شرقي نهر الفرات مقابل “حقوق ثقافية” للأكراد في المنطقة. ولكن “قسد” ترفض ذلك، مستندة إلى دعم كبير من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ورفضت “قسد” أخيراً تسليم بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي للنظام السوري، على الرغم من الضغوط الروسية والتركية، ما يشير إلى أنها ليست بصدد التفكير في الوقت الراهن في التخلي عن أي منطقة انتزعتها من تنظيم “داعش”.
وكان النظام أسهم في تشكيل الوحدات الكردية في العام 2012 والتابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، من أجل محاصرة الحراك الثوري في المناطق ذات الأغلبية الكردية من السكان في شمال سورية. وكان هناك تنسيق عسكري وأمني كامل بين الطرفين حتى أواخر العام 2015 حين شكل التحالف الدولي قوات “قسد” من اتحاد فصائل عدة، منها الوحدات الكردية والتي وُضعت في قلب هذه القوات. ومنذ ذلك الحين، بدأت العلاقة بين الأكراد والنظام تفتر، خصوصاً أن الأخير رفض تقديم تنازلات لهم في جولات حوار عدة، عقدت برعاية روسية.
من جهته، رأى الباحث السياسي المقرب من “الإدارة الذاتية” الكردية، إبراهيم مسلم، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنه “طالما هناك تنافس بين الطرفين (النظام و”قسد”) لزيادة النفوذ، سيكون هناك المزيد من الخلاف، وبالتالي صدام واسع، خصوصاً بعد الهجمات التركية الأخيرة على كل من عين عيسى وتل تمر”. وأشار مسلم إلى أن الوسيط الروسي يؤكد أن قوات النظام موجودة في الحسكة لحماية الحدود السورية ضد التدخل التركي، وليس زيادة نفوذه في المناطق التي تدار من أبناء المنطقة، معتبراً أن “النظام ترك الاحتلال التركي وتفرد بقوات قسد”.
على صعيد ذي صلة، ذكرت وسائل إعلام أنه من المنتظر وصول قائد بعثة حلف شمال الأطلسي في المنطقة، الأدميرال بيير أولسون، إلى قواعد التحالف في شرق الفرات في سورية، في زيارة هي الأولى من نوعها، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يجتمع مع قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي. وتأتي هذه الزيارة في خضم التوتر العسكري بين “قسد” وفصائل المعارضة السورية التابعة للجيش التركي في منطقة عين عيسى. وضغط الجانب الروسي طيلة أكثر من شهر على “قسد” من أجل تسليم المنطقة للنظام السوري، ملوّحاً بورقة التدخل العسكري التركي، إلا أن هذه القوات لم ترضخ حتى الساعة للضغوط الروسية، معتمدة على موقف أميركي رافض لتمدد الجانب الروسي أو النظام في منطقة شرقي نهر الفرات والتي تعادل نحو ثلث مساحة سورية.
المصدر: العربي الجديد