عماد كركص
كثفت واشنطن في العام الأخير من ولاية الرئيس دونالد ترامب، بالشراكة مع حلفائها الغربيين، من استحضار ملف الهجمات الكيميائية التي يشار من خلالها إلى تورط النظام السوري بالوقوف وراء تنفيذها في مناطق متفرقة من سورية، والتلويح بالعقوبات القاسية ضد النظام بعد إثبات ضلوعه بعدد من الهجمات، فيما يجري التحقيق بهجمات أخرى من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والمحكمة الفيدرالية الألمانية المختصة بالجرائم الدولية.
كما أن جلسة مجلس الأمن الأخيرة، والتي ناقشت تطبيق القرار الأممي 2118 لعام 2013، مهدت لإخراج النظام من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، التي انضم إليها مجبراً بعد صدور القرار الأممي، للهرب من المحاسبة بعد ارتكاب مجزرة الغوطة باستخدام غاز السارين، منتصف العام 2013، وباتت الأصوات ترتفع داخل مجلس الأمن، لإعادة التحقيق بكافة الهجمات الكيميائية، سيما بعد إدانة فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للنظام السوري، بتنفيذه ثلاث هجمات على اللطامنة التابعة إلى ريف حماة عام 2017، الأمر الذي فتح الباب على احتمالات عدة حيال ملاحقة النظام على تورطه باستخدام السلاح الكيميائي لأغراض عدائية، وثبوت عدم تفكيكه، وذلك بعد عدم انصياعه لمسارات الحلول السياسية المتعددة، الرامية لإنهاء الأزمة في البلاد.
وخلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن عبر دائرة تلفزيونية، الثلاثاء، قالت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إيزومي ناكاميتسو، إنها “غير متأكدة حتى الآن من الإزالة الكاملة لبرنامج الأسلحة الكيميائية في سورية”، مشددة على ضرورة “إعمال مبدأ المساءلة لكل من استخدم تلك الأسلحة”.
وأشارت المسؤولة الأممية، في إحاطتها خلال الجلسة، إلى أنه “لا تزال هناك 19 مسألة عالقة بالبرنامج الكيميائي السوري”، موضحةً أن من ذلك “مرفق إنتاج للأسلحة الكيميائية (لم تكشف مكانه) والذي أعلنت دمشق أنه لم يستخدم قط لإنتاج الأسلحة الكيميائية، لكن معلوماتنا الخاصة التي جمعناها منذ عام 2014 تقول غير ذلك”.
ووجهت اتهاماً مباشراً للنظام بالقول إن “معلوماتنا تشير أن المواد الكيميائية المؤثرة على الأعصاب قد أنتجت وهُيئت في هذا الموقع (مرفق إنتاج الأسلحة الكيميائية)”، وأضافت: “طلبنا من دمشق أن تفصح عن الأنواع والكميات التي أنتجت من هذه المواد الكيميائية وعلى حد علمي لم ترد سورية على طلبنا”، وأردفت: “ما زلنا نعتبر إعلان سورية بشأن القضاء بالكامل على برنامج الأسلحة الكيميائية لديها غير دقيق وغير كامل”، محذرةً أعضاء المجلس من أنه “ما لم تتم محاسبة كل من استخدم الأسلحة الكيميائية في سورية، فإن الخطر سيظل محدقاً بالجميع”.
وشهدت تلك الجلسة، بعد إحاطة ناكاميتسو، سجالات بين ممثلي الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين، مع ممثل روسيا في المجلس، إذ أيد ممثل الولايات المتحدة بالإنابة في مجلس الأمن، ريتشارد ميلس، ما ورد بإحاطة المسؤولة الأممية، مشيراً إلى أن “استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية ليس محل خلاف أو مسألة رأي. إنها مسألة حقيقة. يجب على مجلس الأمن الدولي أن يحاسب النظام السوري على استخدام الأسلحة الكيميائية والتزاماتها بموجب القرار 2118″، ونوه ميل إلى أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية “أيدت نتائج عدد لا يحصى من منظمات حقوق الإنسان السورية والدولية ومنظمات التوثيق الأخرى”. وحث “روسيا والمدافعين الآخرين عن نظام الأسد على تشجيع (النظام السوري) على الكشف عن استخدام الأسلحة الكيميائية ومخزونها الحالي من الأسلحة الكيميائية”، وقال لأعضاء المجلس: “لقد حان الوقت لأن يفي نظام الأسد بالتزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية وأن يُحاسب على جرائم الماضي. حان الوقت للسماح للسوريين وجميع الناس بالعيش في عالم خالٍ من تهديد الأسلحة الكيميائية”.
كما أشارت سفيرة بريطانيا في مجلس الأمن باربرا وودوارد إلى أن “محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بمفردهم وفي البداية مع فريق من الأمم المتحدة، قرروا أن سورية استخدمت أسلحة كيميائية في ست مناسبات على الأقل”. وأيد الموقف البريطاني والأميركي عدد من ممثلي الدول الغربية داخل مجلس الأمن، ما استدعى انفعال نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، ليتهم محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأنهم “عديمو الضمير”، زاعماً أنهم استخدموا “التزوير” و “التلاعب” لإلقاء اللوم على سورية، واصفاً المنظمة بأنها “مريضة للغاية بالتسييس”.
وبدأت المواجهة في مجلس الأمن الدولي عندما اجتمعت الدول الأعضاء، البالغ عددها 193 في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي بهولندا في إبريل/ نيسان الماضي، للنظر في إجراء صاغته فرنسا نيابة عن 46 دولة لتعليق حقوق وامتيازات سورية في المنظمة. كان الاقتراح الفرنسي رداً على فشل النظام السوري في الوفاء بمهلة 90 يوماً التي حددها المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في يوليو/ تموز لدمشق للإعلان عن تفاصيل بشأن ثلاث هجمات باستخدام غاز الأعصاب السارين والكلور، إذ قال محققو المنظمة، في إبريل/ نيسان الماضي، إن قوات النظام السوري أسقطت قذائف M4000 على وسط مدينة اللطامنة بريف حماة أواخر مارس/ آذار 2017.
وحول ذلك، قال نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية CVDCS، إن “الخيار المطروح هو تجميد عضوية النظام السوري في المنظمة”، مشيراً، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “ذلك غير كافٍ وعلى الدول الأعضاء الالتزام بالاتفاقية والعمل بجدية على محاسبة النظام، لارتكابه العديد من جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين لأكثر من ثماني سنوات “.
ونوه شيخاني إلى أن المجلس التنفيذي التابع للمنظمة، طالب النظام السوري بالتصريح عن 19 منشأة لدعم أنشطة وتطوير وانتاج الاسلحة الكيميائية، مشيراً إلى أن مركز التوثيق لديه إثباتات على وجود 23 منشأة أخرى لم تتمكن الفرق الدولية المعنية بإزالة الأسلحة الكيميائية ومرافقها من الوصول إليها بسبب تلاعب النظام السوري بإعلان مخزون سورية المتعلق بالترسانة الكيميائية.
وكشف شيخاني، لـ”لعربي الجديد”، أنه ما زال هناك ست هجمات يتم العمل على جمع الدلائل حولها، موضحاً أن المركز أثبت ضلوع 36 شخصية من النظام بالوقوف وراء الهجمات الكيميائية، في مقدمتهم رئيس النظام بشار الأسد، وشقيقه اللواء ماهر قائد الفرقة الرابعة، إلى جانب مسؤولين في مراكز البحوث العملية والمخابرات الجوية والعسكرية، بالإضافة لمسؤولين في القصر الجمهوري، وتوقع شيخاني، بحكم ضلوع المركز الذي يديره بشراكة مع جهود التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والآلية الدولية المحايدة المستقلة IIIM، ومساعي التحرك أمام المحاكم الأوربية لمحاسبة النظام على ارتكاب جرائم حرب و استخدامه الممنهج للأسلحة الكيميائية، أن تصدر مذكرات توقيف بحق عدد من الشخصيات المتورطة داخل النظام، دون أن يكشف عن الجهة المتوقع أن تصدر مذكرات التوقيف.
وبما أن القرار الأممي 2118 يقضي بتفكيك النظام لترسانته الكيميائية، والانضمام لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وعدم استخدام السلاح الكيميائي تحت طائلة العقاب بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، سألنا شيخاني حول إمكانية محاسبة النظام بموجب الفصل السابع بعد ثبوت عدم تفكيكه للترسانة الكيميائية، دون أن يكون هناك مجال لاستخدام روسيا لحق النقض “الفيتو” كما فعلت مراراً، باعتبارها أحد المصوتين على القرار 2118، وأجاب بالقول إن “روسيا ستستمر باستخدام (الفيتو)، رغم التكاليف المالية الباهظة التي تترتب عليها جراء الاستخدام المتكرر لهذا الحق”، بيد أنه أشار إلى أدوات أخرى من الممكن أن يلجأ إليها المجتمع الدولي لمحاسبة النظام، منها اللجوء إلى إنشاء محكمة جنايات دولية خاصة بالانتهاكات الكيميائية في سورية، أو اللجوء للجمعية العمومية لمجلس الأمن لاتخاذ إجراءات صارمة ضد النظام، دون المرور بمجلس الأمن، تفادياً لـ “الفيتو” الروسي.
وتزداد الضغوط الغربية على النظام السوري، سيما من قبل الولايات المتحدة، للتلويح بورقة المحاسبة على استخدامه السلاح الكيميائي، لا سيما في الفترة الأخيرة من عمر الإدارة الأميركية الحالية، التي تسعى لتقويض خيارات الإدارة القادمة بإعطائها أي فرصة للنظام بالتملص من المحاسبة كما حصل بعد هجمات الغوطة الكيميائية. ومؤخراً، أشار المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جويل رايبرون، إلى أن الولايات المتحدة تدعم الجهود الألمانية لمقاضاة مسؤولين من النظام على ارتكاب جرائم باستخدام السلاح الكيميائي، بعد أن تقدمت ثلاث منظمات سورية، بشكوى أمام المدعي العام الفيدرالي في ألمانيا، حول ضلوع النظام بهجمتي الغوطة 2013، وخان شيخون 2017، وأودت الأولى بحياة حوالة 1400 مدني، فيما وقع ضحية الثانية حوالي 100 مدني، بالإضافة لمئات المصابين في كل من الهجمتين.
ورغم أن روسيا عطلت لأعوام، جهود الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، باستخدام حق النقض “الفيتو” مراراً داخل مجلس الأمن لوضع آلية تحقيق للكشف عن الانتهاكات الكيميائية في سورية، إلا أن فريق التحقيق التابع للمنظمة الأممية أثبت في شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي، ضلوع النظام في ثلاث هجمات شمالي البلاد، مشيراً إلى أن طائرة حربية تابعة لقوات النظام شنت هجوماً بالكلور على مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي في مارس آذار 2017، وأسقطت برميلاً يحتوي على غاز السارين جنوب اللطامنة، ما أدى إلى إصابة 60 شخصاً بحالات اختناق. وبحسب تقرير المنظمة، فإن النظام السوري مسؤول عن ثلاث هجمات كيميائية استهدفت مدينة اللطامنة أيام 24 و25 و30 مارس/آذار 2017. وأشار التقرير “حسب الشهادات الواردة فإن المسؤول عن إعطاء أوامر استخدام الاسلحة الكيميائية هو القائد العام للجيش والقوات المُسلحة”، أي بشار الأسد.
ويشار إلى أن مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا CVDCS كان شريكاً لهذه التحقيقات وقد أشير إليه من خلال تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
المصدر: العربي الجديد