ضياء عودة
مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في سوريا المقرر تنظيمها في أبريل المقبل، تحاول روسيا خلق جو من الاستقرار بعيدا عن التوتر بين أوساط الحاضنة الشعبية في مناطق سيطرة النظام، لاسيما في مناطق الجنوب السوري، والتي ورغم عودتها لسلطة الأسد قبل عامين، إلا أنها لاتزال شوكا ناعما تؤرقه باحتجاجات وتحركات مسلحة بين الفترة والأخرى.
وعلى اعتبار أن نتائج الانتخابات محسومة مسبقا لصالح بشار الأسد كسابقتها في عام 2014، إلا أن مراقبين اعتبروا أن تحركات موسكو حاليا تصب في إطار نسجها لصورةٍ عنوانها الاستقرار، ليس فقط من أجل كسب الأصوات، بل لإظهار مناطق سيطرة النظام بأنها “تؤيد الأسد بشكل خالص”.
ومن شأن الصورة التي تحاول موسكو رسم تفاصيلها في “أيام العد التنازلي” أن تكون بمثابة رسالة موجهة للمجتمع الدولي، الذي يرفض حتى الآن إجراء انتخابات رئاسية في سوريا، كون ملايين السوريين يعيشون خارج وطنهم الأم في بلدان اللجوء، ومناطق النزوح الخاضعة للمعارضة السورية.
وفق دستور 2012
ويسعى نظام الأسد إلى إجراء انتخابات رئاسية في 2021، وفق الدستور الذي أقره عام 2012، وسيكون الأسد المرشح الأقوى فيها للفوز، في حين لا تعترف المعارضة السورية بشرعية إجراء الانتخابات في الوقت المحدد لعدة اعتبارات، أبرزها عدم الاعتراف بالدستور الحالي (2012)، وانطلاق أعمال “اللجنة الدستورية” السورية، وما سيترتب عليها من نتائج يجب أن تسبق عملية انتخاب رئيس لسوريا.
ومن المفترض أن تنعقد الجولة الخامسة من “اللجنة الدستورية السورية”، في أواخر يناير الحالي، على أن تناقش أطرافها “المبادئ الدستورية”، والتي ستؤسس لكتابة الدستور الجديد لسوريا، لكن هذه الخطوة تصطدم بما أعلن عنه مؤخرا نظام الأسد، حيث نفى أي علاقة تربط مخرجات “اللجنة الدستورية” مع الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت رفضها مرارا للانتخابات التي يحضّر لها الأسد والروس معه، ويتوافق هذا الموقف مع الاتحاد الأوروبي الذي أعلن في ديسمبر الماضي، على لسان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن “الانتخابات ذات المغزى في سوريا، هي فقط تلك التي تُجرى على أساس دستور سوري جديد، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254”.
وأضاف بوريل أن الانتخابات التي تنظم وفق القرار الأممي، من شأنها أن تكون بمثابة فصل افتتاحي جديد بالنسبة للبلد وشعبه.
“التوجيهات الداخلية” بدأت
وحسب ما قال مصدر مقرب من أحد أمناء الفروع الحزبية في سوريا في تصريحات لموقع “الحرة”، فإن “الإدارة السياسية” في “الجيش السوري” بدأت منذ قرابة أسبوعين الترويج للانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، من خلال إصدار تعميمات وصلت إلى معظم القطع العسكرية، تفيد بـ”ضرورة الوقوف إلى جانب القائد بشار الأسد في الاستحقاق الانتخابي المقبل”.
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن التعميمات أكدت في مضمونها على أن “بشار الأسد هو الأب الروحي لسوريا- وأملنا- ويجب الوقوف إلى جانبه في الفترة الحالية، والسعي من أجل إنجاحه في الانتخابات المقررة في أبريل المقبل”.
وبالتزامن مع ما سبق، يشير المصدر إلى أن الترويج للانتخابات الرئاسية بدأته أيضا أفرع “حزب البعث الاشتراكي” في جميع المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، من بينها حمص التي شهدت من أسبوع انعقاد عدة اجتماعات لبحث الحملات الخاصة بالانتخابات، والتي من المقرر إطلاقها في مطلع فبراير المقبل.
وعلى الرغم من “التوجيهات الداخلية” المذكورة، فإن الأجواء العامة الخاصة بالانتخابات لم تشهدها أوساط المدن السورية حتى الآن، كاللافتات التي تحمل الصور الترويجية للأسد، وعزا المصدر هذا الأمر بأن ما يمز الانتخابات الحالية عن سابقتها في 2014 هو الوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه المواطنون، الأمر الذي حصر تفكيرهم في كيفية الحصول على المحروقات لتسيير آلياتهم أو الحصول على الخبز من أبواب الأفران.
ووفق رصد أجراه موقع “الحرة” على الصفحات الرسمية لـ”حزب البعث” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اتجه في الأيام الماضية إلى عقد مؤتمرات تحت عنوان “أملنا ببشار.. لنكمل المشوار”، وكان أبرزها المؤتمر السابع والثلاثين الذي انعقد في “معهد الحرية” بالعاصمة دمشق، وحضره وزير التربية في حكومة الأسد، دارم الطباع، وحسام السمان أمين فرع دمشق لـ”حزب البعث”، إلى جانب رضوان مصطفى أمين فرع ريف دمشق لـ”حزب البعث”.
الروس يتحركون جنوبا
على خلاف ما أبدته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بشأن الانتخابات الرئاسية التي يحضّر لها الأسد، ذهبت حليفته موسكو إلى مسار آخر لتعلن في تصريحات لأحد مسؤوليها، مطلع يناير الحالي، أن “دعوات بعض الدول لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام في سوريا، تقوض الأداء المستقر للمؤسسات الرسمية في هذه الدولة”.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، قد قال لوكالة “نوفوستي”: “تظهر تصريحات في بعض المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، وعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا. وهذا يعني عمليا حرمان السوريين من حق انتخاب قيادتهم، وفي نفس الوقت يقوضون استقرار عمل مؤسسات الدولة السورية”.
ما صرّحت به موسكو دوليا كان يوازيه تحركات لها داخل الأراضي السورية، بدأتها منذ أسبوعين في مناطق الجنوب السوري، حسب ما قال مصدران من ريف دمشق ودرعا في تصريحات لموقع “الحرة”.
ويقول المصدر، الذي تحدث لموقع “الحرة” من ريف دمشق، إن بلدة كناكر شهدت يوم الجمعة الماضي اجتماعا بين ضابطين روسيين وأعضاء من “اللجنة المركزية” (لجنة محلية)، وطُرحت فيه عروض روسية لأهالي البلدة، تتضمن حل جميع المشاكل التي يواجهونها، إلى جانب الشروع بإخراج المعتقلين في سجون نظام الأسد.
ويضيف المصدر أن العروض الروسية لأهالي البلدة التي كانت قد شهدت عدة توترات مسلحة في الأشهر الماضية، تضمنت أيضا تقديم مساعدات إنسانية مقابل “الحصول على أصوات المجتمع في الانتخابات المقبلة”.
وقال أحد الضباط الروس (برتبة لواء)، والذي عرّف نفسه في بداية الاجتماع بأنه قدم إلى سوريا بـ”مهمة خاصة”: “مستعدون لإخراج المعتقلين بالمئات أو ربما بالآلاف، ولحل جميع المشاكل بشكل كامل، شرط تحقيق الاستقرار في الفترة المقبلة، وكسب أصوات الأهالي”.
ويعتبر ملف المعتقلين في سوريا “شائكا”، ولم يقدم فيه نظام الأسد وحلفاؤه أي تنازلات، في السنوات العشر الماضية، على الرغم من الدعوات الدولية بضرورة إطلاق سراحهم، والذين تفوق أعدادهم 250 ألف معتقل موثقين بالأسماء.
ولمناطق الجنوب السوري رمزية خاصة كونها عادت إلى سيطرة قوات الأسد بموجب اتفاقيات “تسوية”، منذ عام 2018، وحين تم توقيعها كان أبرز بنودها الإفراج عن المعتقلين، وهو الأمر الذي التف عليه النظام السوري وأفرعه الأمنية، واتجهوا إلى فعل عكسي باعتقالات جديدة، طالت مدنيين بتهم مختلفة.
“بادرة حسن نية” في فبراير
الاجتماعات التي تشهدها مناطق جنوبي دمشق تنعقد على نطاق “ضيق”، حسب المصدر الذي يشير إلى أن مسؤولين من شعبة “المخابرات العسكرية” التابعة لنظام الأسد كانوا حاضرين فيها.
وعلى اعتبار أن قضية المعتقلين “شائكة” ولم يصّدق بها نظام الأسد في عددا من الوعود، أوضح المصدر الذي تحدث إليه موقع “الحرة” أن الضباط الروس وعدوا لجنة بلدة كناكر بريف دمشق بإخراج أول دفعة من المعتقلين بعد تحضير أسمائهم في مطلع شهر فبراير المقبل، وذلك كـ”بادرة حسن نية”.
وإلى الجنوب من كناكر شهدت درعا أيضا، في الأيام الماضية، اجتماعات حضرها ضباط روس مع أعضاء اللجنة المركزية في المحافظة، وذلك حسب ما أكد مصدر إعلامي في تصريحات لموقع “الحرة”.
وكانت العروض مشابهة لتلك التي طرحها الروس في كناكر، إلى جانب عرض آخر يقضي بفتح باب “التطوع” في قوات “الشرطة الروسية”.
ويرى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، نصر اليوسف، ، المقيم في موسكو، أن مهمة الروس في الوقت الحالي تنحصر في إطار “جمع أكبر عدد من الناخبين، من أجل إكساب الانتخابات نوعا من الشرعية”.
ويقول اليوسف لموقع “الحرة”: “رأينا موسكو في الفترة الأخيرة تبذل الجهود لإعادة اللاجئين، إلى جانب تدابير موازية لتجميع أكبر عدد من السوريين في الداخل”، مشيرا إلى أن “هذا النشاط يهدف إلى التقرب من المواطنين ضمن وعود لتغيير مسير السلطة، وليس تغييرها نفسها”.
المصدر: الحرة. نت