عماد كركص
تستمر حالة التوتر بين كل من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، المسيطر الرئيسي في مناطق شمال وشرق سورية، وقوات النظام، في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، بعد أسابيع من التصعيد، تمثل في تبادل الاعتقالات والحصار من جهة “قسد” للمربعات الأمنية المحدودة المساحة التي يسيطر عليها النظام في كل من مركز مدينة الحسكة ومدنية القامشلي. وفي حين دخلت روسيا على خط تهدئة التوتر بين الطرفين، فإنّ “قسد” تحاول زج ملفات قديمة ووضعها على طاولة التفاوض لتحصيل مكاسب بشأنها، من أجل إنهاء الأزمة المستمرة، والتي قد تفضي لمزيد من التصعيد في حال لم يتوصل الطرفان إلى حلول مرضية.
وقالت وكالة “الأناضول” الرسمية التركية، أول من أمس الإثنين، إنّ “قسد” أمهلت قوات النظام حتى اليوم الأربعاء، للانسحاب من مدينة الحسكة، وفق مصادر محلية نقلت عنها الوكالة هذه المعلومات. وأشارت المصادر إلى أنّ اجتماعات عقدت أخيراً بين “قسد” وعسكريين من النظام في الحسكة برعاية روسية، موضحةً أنّ “قسد” أصرّت على انسحاب قوات النظام من المدينة، مهددة بشن هجوم عسكري عليها في حال عدم الانسحاب.
وعلى الرغم من أنّ الأسبوع الماضي شهد عملية تبادل إطلاق سراح عدد من المعتقلين، بين كل من قوات الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية الكردية شرق البلاد، من جهة، والمخابرات الجوية التابعة للنظام من جهة أخرى، في مدينة القامشلي بالريف الشمالي للحسكة، بعد أسبوعين من المناوشات وعمليات الاعتقال المتبادل، إلا أنّ الـ”الأسايش” عادت واعتقلت عدداً من عناصر قوات النظام في محيط المربع الأمني بمدينة الحسكة. وأشارت مصادر ميدانية إلى أنّ “الأسايش” لا تزال تحتجز حوالي 20 عنصراً من قوات النظام، وتسعى لزيادة هذه العدد من المعتقلين، بهدف الضغط على النظام وتحسين شروط التفاوض معه.
وعلى الرغم من أنّ ما رصده “العربي الجديد” في اليومين الماضيين، داخل مدينة القامشلي، يشير إلى تخفيف الحصار بشكل كبير عن المربع الأمني المسيطر عليه من قبل النظام داخل المدنية، إلا أنّ مصدراً عسكرياً من “قسد” أكد لـ”العربي الجديد” أنّ “الحصار لا يزال مفروضاً بشكل كبير على المربعين الأمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، بحيث يمنع على أفراد وقوات النظام التحرك باتجاه مناطق سيطرة قسد داخل المدينتين”. وأشار المصدر إلى أنّ “ضباط النظام يحاولون التحايل على الحصار، بالدخول إلى المربع الأمني من خلال استخدام سيارات أجرة مدنية، وارتداء اللباس المدني”. ولفت إلى أنّ “موظفين من دوائر النظام المدنية، داخل المربعين، عمدوا في اليومين الماضيين إلى نقل الوثائق والسجلات من الدوائر والمحاكم إلى خارج محافظة الحسكة، أي نحو المحافظات الداخلية التي يسيطر عليها النظام، ما يشير إلى تخوف الأخير من شنّ الوحدات الكردية هجوماً واسعاً على أماكن سيطرته في محافظة الحسكة”.
ودفع النظام أول أمس الإثنين لإخراج تظاهرة مؤيدة له قرب القصر العدلي في محافظة الحسكة، نددت بتصرفات “قسد” و”الأسايش”، إذ اتهم المتظاهرون المؤيدون للنظام “قسد” بحصار المدينة ومنع دخول المواد الأساسية إليها، في حين أن المعلومات تشير إلى فرض الأخيرة الحصار فقط على المربع الأمني داخل المدينة، قاطعة بذلك كافة الطرق المؤدية إليه مع إبقاء عدد من المنافذ لتسهيل حركة المدنيين.
في السياق، اعتبر الباحث والمحلل السياسي المقرب من “قسد”، آزاد حسو، أن “ما يحصل هو نتيجة ضغط من روسيا والنظام على الإدارة الذاتية، لانسحابها من مدينة عين عيسى ليصار للنظام السيطرة عليها، وكذلك لجوء الأخير لمضايقة النازحين الأكراد في منطقة الشهباء شمال غرب حلب، لتحصيل مكاسب في عين عيسى وغيرها من المناطق”. وأضاف حسو في حديث مع “العربي الجديد” أنّ “قسد ردّت على ذلك بفرض حصار على المربعات الأمنية للنظام في مدينتي الحسكة والقامشلي”، ملمحاً إلى أنّ النظام “وبدفع روسي يسعى لفرض سيطرة على الطريق الدولي الحسكة – حلب، ولذلك يسعى لافتعال توترات مع قسد بين الحين والآخر”.
من جهة أخرى، كشف مصدر مسؤول من “قسد”، عن لقاء جمع قياديين من الأخيرة، بمسؤولين من النظام برعاية روسية في مطار مدينة القامشلي بريف الحسكة يوم الأحد الماضي، مشيراً إلى أنّ الاجتماع تضمّن العديد من المطالب التي تقدّمت بها “قسد”، ومن المقرر أن يرد عليها ممثلو النظام في اجتماع آخر يوم الإثنين المقبل. وأوضح المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ المسؤول في وحدات الحماية الكردية، نوري محمود، مثّل “قسد” في اللقاء، بينما مثّل قوات النظام رئيسا فرعي الأمن العسكري والجوي في مدينة القامشلي. وأشار إلى أنّ قياديي “قسد” طالبوا بالكشف عن مصير نحو 700 معتقل من “حزب العمال الكردستاني” لدى النظام السوري وإطلاق سراحهم، والسماح لـ”قسد” بإنشاء مكتب خاص بها في مطار القامشلي، وخروج قوات النظام من الحي العسكري القريب من معبر نصيبين على الحدود مع تركيا، بالإضافة إلى رفع القيود التي تفرضها قوات النظام على حي الشيخ مقصود الخاضع لسيطرة الوحدات الكردية داخل مدينة حلب، وعلى مدينة تل رفعت في ريفها. ولفت المصدر إلى أنّ الطرفين لم يتوصلا إلى أي اتفاق، لكنّ ممثلي النظام سيرفعون المطالب إلى قيادتهم، وقالوا إنهم سيعودون بالردود يوم الإثنين المقبل. وبحسب المصدر ذاته، فإنّ الطلبات كانت من طرف “قسد” فقط، بينما كان مسؤولو النظام يستمعون، معتبراً أنّ ذلك يدل على أن قوات النظام تخشى من هجوم تدعمه أميركا لطردها من مدينة القامشلي.
وتخضع محافظة الحسكة لحسابات معقدة، نظراً لتداخل السيطرة فيها بين قوات النظام والوحدات الكردية، غير أن السيطرة الأكبر في المحافظة هي لصالح القوات الكردية التي تحكم المنطقة من خلال الإدارة الذاتية، في حين تقتصر سيطرة النظام على مربعات أمنية محدودة المساحة. ويسعى النظام لتوسيع سيطرته في الحسكة ومحيطها قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في ربيع العام الحالي، في محاولة لكسب شرعية في هذه الانتخابات، بيد أن “قسد” لا تزال تبطل مفعول تلك المساعي، بل وتقلّص سيطرة النظام بشكل مستمر.
المصدر: العربي الجديد