خالد الخطيب
بدأ النظام بنقل مقر محافظة إدلب من مدينة حماة إلى خان شيخون جنوبي إدلب، والتي حولها إلى مقر شبه دائم لمجلس المحافظة وفرع “حزب البعث” وعموم الدوائر الرسمية. خطوة تأخرت لعام تقريباً، كان النظام خلاله يسعى إلى الدفع باتجاه استمرار العمليات العسكرية وتوسعة سيطرته، والوصول ربما إلى مدينة إدلب، وعلى ما يبدو فإن مساعيه قد فشلت أمام اتفاق وقف إطلاق النار الروسي-التركي الموقع في 5 آذار/مارس 2020، والذي لا يزال صامداً حتى الآن.
سيطرت قوات النظام والميليشيات الموالية لها، الروسية والإيرانية، على مساحات واسعة من ريف إدلب (منطقة خفض التصعيد) في الفترة الممتدة من أيار/مايو 2019 وحتى شباط/فبراير 2020، وتضم مدناً كبيرة، من أهمها سراقب وخان شيخون ومعرة النعمان، والمئات من القرى والبلدات، وجميعها شبه خالية من سكانها الذين نزحوا عنها باتجاه مناطق المعارضة شمالي إدلب خلال العمليات العسكرية الهجومية للنظام وحلفائه.
وتثير خطوات النظام تساؤلات فيما إذا سيكون نقل مقر المحافظة إلى خان شيخون، دلالة على استقرار خريطة السيطرة لمدة أطول، وأنه لا معارك جديدة ستحصل خلال العام 2021؟ أم أن التحركات بأوامر روسية سيتلوها بالضرورة دعوة لعودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم؟
خان شيخون
تم تدشين مقر محافظة إدلب الجديد في خان شيخون في يوم 24 كانون الثاني/يناير 2021، وذلك بحضور محافظ إدلب، محمد نتوف، وأسامة قدور فضل أمين فرع إدلب لحزب البعث، وقادة في اللجنة الأمنية والعسكرية وعدد من قادة ميليشيات النظام الروسية والإيرانية المتمركزة في محيط المنطقة جنوبي إدلب.
ومن المفترض أن يباشر المقر الجديد أعماله بداية شهر شباط/فبراير القادم. مبنى مقر المحافظة هو مدرسة وقع عليها الاختيار خلال جولة لأمين فرع الحزب في مدينة خان شيخون أواخر العام 2020.
وتعتبر مدينة خان شيخون رابع أكبر مدينة في محافظة إدلب بعد مدن إدلب ومعرة النعمان وسراقب، وتقع على الحدود الإدارية مع محافظة حماة، وعلى الطريق الدولي حلب-اللاذقية الدولي M5، وكانت قوات النظام سيطرت عليها في 23 آب 2019، لينزح عنها نحو 35 ألف نسمة، إلى مناطق المعارضة، ويقطن في خان شيخون حالياً ما يقارب 150 عائلة في القسم الشرقي من المدينة عادوا إليها من مناطق سيطرة النظام، في حين تشغل الميليشيات الروسية والإيرانية القسم المتبقي من منازل المدينة وهي (الفرقة 25 مهام خاصة / قوات النمر، والفيلق الخامس الروسي) و (ميليشيا حزب الله اللبناني وفاطميون)، وتم الاستيلاء على عدد كبير من منازل المهجرين وافتتحت فيها دوائر خدمية، من بينها مقر لقيادة شرطة إدلب، وفرع لشرطة المرور، وقسم الكهرباء، ووحدة المياه، وجميعها مجرد هياكل، فلا كهرباء ولا ماء ولا خدمات عامة في خان شيخون. وبالإضافة إلى المباني الحكومية الـ 35 في خان شيخون والتي شغلتها الميليشيات؛ استولت على أكثر من 60 منزلاً لتحولها إلى مقار عسكرية وخدمية لعناصرها.
الترويج لعودة المهجرين
تزامنت التحضيرات لنقل مقر المحافظة إلى خان شيخون مع جولات مكثفة لمحافظ إدلب، محمد نتوف، جال خلالها على النازحين من إدلب المقيمين في مناطق النظام بحلب وحماة واللاذقية وحمص والسويداء، وزعم نتوف خلال لقاءاته أن “نقل كامل مقار المحافظة والمقار الخدمية إلى خان شيخون سيسرع عودتهم إلى مناطقهم”، وبعد انتهاء جولته، دعا نتوف في 20 كانون الثاني/ يناير 2021، المهجرين المقيمين في المخيمات بمناطق المعارضة للعودة إلى مناطقهم، وقال لجريدة “الوطن” الموالية: إن “المحافظة على أتم الاستعداد لاستقبال السوريين في المخيمات الذين يعانون اليوم أشد معاناة نتيجة الأحوال الجوية السائدة، ويمكنهم الدخول من معبر قرية ترمبة على الطريق العام أريحا – سراقب، في حال تمكنوا من العبور”.
وسبق أن أطلق عدد من ممثلي إدلب في برلمان نظام الأسد حملة بعنوان “إدلب رح ترجع تتعمر”، وبدا أنها تندرج في الإطار ذاته الذي تروج له المحافظة، وتخدم دعاية النظام التي تروج لتهيئة الظروف المناسبة لعودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم، وهي مزاعم مخادعة وخطوات شكلية، في حين يبدو الواقع في الميدان مختلفاً تماماً عما تروج له المحافظة والحملة، فما تزال المنطقة عسكرية وتهيمن عليها الميليشيات الطائفية.
نظمت حملة “إدلب رح ترجع تتعمر” عدة زيارات إلى مدن وبلدات إدلب، من أهمها لمعرة النعمان جنوب شرقي إدلب، حيث التقى القائمون على الحملة مع قائد القوات الروسية في المنطقة، وحشد كبير من الميليشيات (الفيلق الخامس وقوات النمر)، بدت المنطقة مدمرة بشكل شبه كامل وخالية بالكامل من سكانها، وقد حولتها القوات الروسية إلى منطقة عسكرية مغلقة، ومقر لقيادة العمليات في منطقة “خفض التصعيد” وتضم العدد الأكبر من معسكرات “قوات النمر” و”الفيلق الخامس”، ويسكن عناصر الميليشيات 50 في المئة من منازل المدينة.
الباحث والمحلل العسكري، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، قال لموقع تلفزيون سوريا: إن “نقل مقر المحافظة إلى خان شيخون يخدم دعاية النظام التي تروج مبكراً لانتخابات الرئاسة منتصف العام، يلمح النظام من خلال هذه الخطوة إلى أنه يمسك بزمام الأمور في أكثر من نصف مساحة إدلب، وبالطبع الواقع مختلف تماماً عما يروج له نظام الأسد”.
وأضاف عبد الرزاق، أن “حملة إدلب رح ترجع تتعمر والتي أطلقتها مجموعة من الشخصيات المقربة من نظام الأسد لم تحقق أي هدف من أهدافها المعلنة، وفي قائمتها كان من المفترض تهيئة البيئة المناسبة لعودة النازحين والمهجرين إلى المنطقة التي دمرها النظام والميليشيات بشكل شبه كامل، فالميليشيات عفشت المنازل، وفككت القضبان الحديدية من أسقفها، وسرقت شبكات الكهرباء والمياه، ودمر القصف البنى التحتية والخدمات الأساسية بالعموم، فعن أي عودة يتحدث هؤلاء المخادعون”.
وأشار عبد الرزاق، إلى أن “المنطقة التي سيطرت عليها قوات النظام والميليشيات في منطقة خفض التصعيد ما تزال تحكمها الميليشيات وتعتبرها منطقة عسكرية، وتتقاسم فيما بينها الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها للمهجرين في عشرات القرى والبلدات بريف المعرة وكامل طوق إدلب شمال غربي سوريا، ولا تتعدى صلاحيات مجلس المحافظة حدود الحي الذي أقيم فيه مقر المحافظة في خان شيخون، وبالتالي كانت الحملة شكلية وجزءاً من تحركات النظام الدعائية”.
من جهته، قال عضو الهيئات السياسية للمحافظات السورية، المحامي محمد سلامة، لموقع تلفزيون سوريا: إن “نقل مقر المحافظة والدوائر الخدمية وعموم التحركات التي يقوم بها النظام في المناطق التي احتلها في إدلب ومحيطها خلال العام الماضي، هي بدفع من الاحتلال الروسي الذي فشل على ما يبدو في تحقيق أي مكاسب من مؤتمر عودة اللاجئين الذي نظمه في دمشق خلال الأشهر القليلة الماضية”.
وأضاف سلامة: “الترويج لعودة مقر المحافظة والعمل في الدوائر الرسمية في إدلب قد تخدم لاحقاً دعوة روسية لنسخة جديدة من مؤتمر عودة اللاجئين، تريد روسيا التمهيد لها بالادعاء بأن المنطقة مجهزة لاستقبال مئات الآلاف من المهجرين إلى مناطقهم، وهو ادعاء كاذب، لن يعود أحد إلى منطقة تحكمها الميليشيات بالحديد والنار والترهيب، لا ثقة بنظام الأسد والمحتل الروسي، وأسباب النازحين كثيرة لا تتعلق فقط بالأمن وسلطة الميليشيات بل تتعداها إلى الحالة المعيشية التي تسود في مناطق سيطرة نظام الأسد”.
خريطة السيطرة
يبدو أن نقل مقر المحافظة إلى خان شيخون والتحركات الخدمية التي يقوم بها نظام الأسد، والدعوات لعودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم، جزء من حالة الأمر الواقع التي تريد روسيا فرضها، وتبدو متممة للمساعي الروسية التي نتج عنها انسحاب كامل النقاط العسكرية التركية من المنطقة، وتعي بالضرورة أنه لن يكون هناك تطبيق كامل لبنود الاتفاق الروسي التركي في سوتشي والذي ينص في بعض بنوده على تسهيل عودة النازحين والمهجرين في منطقة خفض التصعيد وإلزام قوات النظام والميليشيات على الانسحاب، وفي المقابل يعني أن الوضع الراهن لخريطة السيطرة شمال غربي سوريا سيبقى ثابتاً لمدة أطول.
وقال عضو الهيئات السياسية للمحافظات السورية، محمد سلامة: ” أعتقد أن التفاهمات الروسية التركية ما تزال صامدة حول وقف إطلاق النار وتثبيت المواقع؛ أي تثبيت خريطة السيطرة في محافظة إدلب، وأعتقد أنه لا يوجد في الوقت القريب أي تغيرات عسكرية في إدلب، لا من جهة النظام ولا من جهة المعارضة، كلاهما يبدو ملتزماً بالتفاهمات الروسية-التركية”.
أما المحاضر في العلوم السياسية، محمد بقاعي، فيرى أن “نقل مقر المحافظة والتحركات الخدمية للنظام تندرج في إطار محاولات النظام لإيجاد أوضاع تسمح له بالادعاء بأن الجسم الإداري الرسمي بات موجوداً داخل الرقعة الجغرافية للمحافظة؛ أي هي تقع تحت هيمنته فعلياً، وهذا أيضاً يمثل اعترافاً من النظام بأنه غير قادر فعلياً على استعادة السيطرة على كامل المحافظة بعد أن فقد المبادرة باتجاه خريطة السيطرة الحالية، وبالتالي هو مضطر إلى أن يخدم المناطق تحت سيطرته”، وأضاف بقاعي: “نقل الدوائر الرسمية والمحافظة إلى خان شيخون يعين النظام على الاستثمار في أملاك المهجرين والنازحين عن المنطقة، واستغلالها، وكما رأينا خلال العام الماضي كانت الميليشيات هي من تستثمر وتستولي على أملاك المهجرين، والآن يريد النظام أن يقاسمها الأراضي والعائدات المالية”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا