ضياء قدور
أفادت وسائل إعلام سورية مؤخراً عن مواصلة الميليشيات الإيرانية عملية نقل مادة الفوسفات من منطقة خنيفيس السورية إلى إيران، بمساعدة مليشيات الحشد الشعبي في العراق.
وأكد تقرير نشره موقع تلفزيون سوريا، أن العديد من الشاحنات التي وصل عددها إلى 16 شاحنة بقدرة تحميلية تصل ل 30 طناً للشاحنة الواحدة، تدخل الأراضي العراقية عبر معبر البوكمال الحدودي، ليتم نقلها إلى إيران تحت حماية المليشيات الموالية لها في العراق.
وتضاربت التحليلات حول السبب الحقيقي الذي يكمن وراء سعي إيران لنقل هذه الكميات من الفوسفات من مناجم السلسلة التدمرية (خنيفيس والشرقية والرخيم)، التي أصبحت الآن تحت سيطرة الشركات الروسية والصربية، بعد أن وقع النظام السوري معها عقوداً اقتصادية طويلة الأمد ومجحفة بحق السوريين (بحصة 30 في المئة للنظام، 70 في المئة للشركات المستثمرة).
ليست المرة الأولى
إن مراجعة بسيطة للمواقع الإيرانية المعنية بمتابعة واردات مادة الفوسفات إلى إيران قد تقدم صورة تقريبية حول أسباب السعي الإيراني المتواصل لاستيراد مادة الفوسفات من سوريا.
ورغم أن أسلوب النقل البري مختلف هذه المرة، لكنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها نقل مادة الفوسفات من سوريا إلى إيران. ففي 19 حزيران/يونيو 2020، أفادت وكالة أنباء التلفزيون الإيراني في محافظة بوشهر عن رسو أول سفينة حاملة للتربة الفوسفاتية في ميناء بوشهر، بقدرة تحميلية تصل ل20 ألف طن، دون ذكر تفاصيل أكثر عن مصدر هذه الحمولة.
وفي 26 تموز/يوليو 2020، تحدثت وكالة أنباء “إرنا” الحكومية في تقرير، عن وصول سفينتين محملتين ب40 ألف طن من مادة الفوسفات السوري إلى ميناء بوشهر عبر الطريق البحري، وذلك بهدف تأمين النقص الحاد في المواد الأولية التي تعاني منها معامل إنتاج الأسمدة الكيماوية في محافظة بوشهر.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن إحصائيات التبادل التجاري الإيراني مع دول المنطقة بشكل عام تؤكد أن التعامل التجاري مع إيران يعتبر تعاملاً سلبياً ومن جانب واحد فقط (أي لصالح الإيرانيين دون غيرهم)، وهذا ما تؤكده مؤشرات التبادل التجاري بين إيران من جهة والعراق وسوريا من جهة أخرى، حيث نشهد دائماً ارتفاعاً في الصادرات الإيرانية إلى هذه الدول دون أن يتناسب بشكل منطقي مع واردات هذه الدول إلى إيران.
لكن في بعض الحالات، تضطر إيران لاستيراد بعض المواد الأولية لبعض المصانع والوحدات الإنتاجية، كالفوسفات السوري، لتشغيل هذه الوحدات بهدف زيادة الإنتاج والتوظيف والصادرات.
لذلك تُعدّ واردات الفوسفات السورية مهمة جداً للقطاع الزراعي الإيراني، حيث تعاني التربة من نقص مادة الفوسفور، مما يضعف الأوراق والسيقان ويقلل من التمثيل الضوئي للنباتات، وبالتالي يقل ثمار النباتات والأشجار بشكل كبير.
نهم إيراني على الفوسفات السوري
إن إلقاء نظرة على كمية التربة الفوسفاتية اللازمة لإنتاج الأسمدة الكيماوية بما يتوافق مع طاقة وحدات الإنتاج الإيرانية القائمة، والتي تصل لنحو 530 ألف طن، تظهر مدى النهم الإيراني على مادة الفوسفات التي استوردت منها إيران في عام 2019 حوالي 218 ألف طن من سوريا والأردن وجنوب إفريقيا، بحسب تصريح سابق لعلي رضا هادي، المدير العام لمكتب الاستثمار والمشاريع بوزارة الصناعة والمعادن والتجارة.
في خضم ذلك، تبقى ملاحظة أن الكميات المستوردة من الفوسفات لا تتناسب طرداً مع طاقة الوحدات الإنتاجية وحاجة السوق الإيرانية التي تعاني بين الفينة والأخرى من نقص حاد في المواد الأولية اللازمة لإنتاج الأسمدة الكيماوية، مما يدفعها لاستيراد هذه الكميات من سوريا معتمدة طرق مختلفة كالنقل البحري والبري.
النهم الإيراني على الفوسفات السوري لم يقف عند هذا الحد، بل وصل إلى مراحل متقدمة، عندما أشار علي رضا نظري، عضو اللجنة الزراعية والموارد الطبيعية في البرلمان الإيراني، في تصريح لموقع “تحليل البازار” الإيراني في 14 كانون الأول/ديسمبر 2020، إلى الحصول على ترخيص شراء 200 مليون طن من تربة الفوسفات من سوريا، وذلك من أجل حل مشكلة نقص الأسمدة الفوسفاتية بالكامل في السنوات المقبلة.
حرب الفوسفات القادمة
لا تنكر المواقع الإيرانية أن مادة الفوسفات السورية قد أصبحت بيد روسيا بشكل شبه كامل، من دون أن تخفي امتعاضها من هذا الواقع المرير، خاصة بعد دخول شركات صربية، بموافقة روسية ضمنية على الأغلب، للاستثمار أيضاً في هذا القطاع الحيوي الذي يدر القطع الأجنبي على نظام الأسد في خضم الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها.
لكن على أرض الواقع، يشير استمرار التواجد العسكري الإيراني في منطقة خنيفيس الغنية بالفوسفات، والتوسّع الواضح لسيطرتها العسكرية على كبرى مناجم الفوسفات في سوريا (المناجم الشرقية بالتحديد)، إلى الإصرار الإيراني للحصول على قطعة من الكعكة السورية، التي تقول إيران إنها حُرمت منها حتى الآن.
لذلك، فإن تهريب مادة الفوسفات السورية عبر الطريق البري، وإن كانت بكميات محدودة لا تؤمن سوى نسبة ضئيلة من حاجة السوق الإيرانية ويشتمل على العديد من المخاطر الأمنية المنتشرة على هذا الطريق، يبدو أنها ستستمر في الوقت الحالي على هذا النحو، مما قد يفتح الباب واسعاً أمام اشتعال صراع النفوذ في سوريا على ثروات هذا البلد، التي قسمت ب”شكل غير عادل” كما يراها الحليف الإيراني لنظام الأسد.
المصدر: المدن