حسن النايف
منذ طرد تنظيم الدولة من محافظة دير الزور، أصبح نهر الفرات حداً طبيعياً فاصلاً بين منطقتي سيطرة يطلق على الأولى شرقي الفرات أو الضفة اليسرى، والثانية غربي الفرات أو الضفة اليسرى، إلا أن الفرات أصبح مؤخراً ممراً للعصابات على ضفتي النهر للتهريب ونقل المخدرات بحركة متزايدة، ضمن أحد أكبر تجارات الحرب من ناحية الإيرادات المالية وأقذرها بسبب تأثيرها المدمر على المجتمع المتعب أساساً من ويلات السنوات الطويلة والظروف المعيشية والاجتماعية والنفسية السيئة للغاية.
ونتيجة لاستمرار حالة الفوضى التي تخيّم على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في الضفة اليمنى للفرات والتي تستفيد الأخيرة منها وتحاول عصابات النظام استغلالها، من قتل وخطف وسلب؛ ازداد انتشار الحشيشة والمخدرات والتجارة بهما في الفترة الأخيرة بشكل لافت، حيث تعد المعابر النهرية ونقاط التهريب مصدراً رئيسياً لتلك المواد.
ورصدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا عمليات وطرق تهريب المخدرات من مناطق نفوذ نظام الأسد والميليشيات الإيرانية في الضفة اليمنى لنهر الفرات، ويعد معبر “أبو حمام” الذي تديره من جهة ريف مدينة البوكمال، ميليشيا تتبع للحرس الثوري الإيراني، أبرز النقاط التي يتم تهريب الحبوب والمواد المخدرة عبرها إلى مناطق سيطرة “قسد”، بالتعاون مع عصابات وتجار مخدرات في مناطق سيطرة الأخيرة.
تهريب النفط للتغطية على تهريب المخدرات
تستورد عصابات المخدرات في مناطق سيطرة “قسد” موادها من ميليشيات النظام والميليشيات الإيرانية، وتصدر مقابل ذلك كميات من النفط والمازوت لتلك الميليشيات، فيما يبدو أن هنالك فائضا كبيرا في المادتين المطلوبتين بكثرة في كلتا المنطقتين، خاصة بعد أزمة المحروقات التي عصفت بمناطق سيطرة النظام وتسببت بشلل كبير وارتفاع مضاعف بأسعار البنزين والمازوت في السوق السوداء.
إلا أن المصادر أكدت أن عملية تهريب النفط لمناطق سيطرة النظام عبر القوارب ما هي إلا عملية ثانوية من ناحية النشاط والمردود المالي ولا تتعدى نقل بضع عشرات من الغالونات، وبالتالي فإنها حركة للتغطية على العمليات الأساسية المتمثلة بتهريب المخدرات وأعمال سوداء أخرى.
تنوع نشاط العصابات مستغلين حالة انعدام السيطرة الأمنية، وباتوا يخطفون شباناً في مناطق سيطرة قسد وينقلونهم عبر المعبر نفسه إلى مناطق سيطرة النظام، وطلب فدية مالية من ذويهم مقابل إعادتهم، قبل أن يصبحوا معتقلين أو جنوداً في جيش النظام.
وتشمل المواد المهربة بين الجانبين الأسلحة والسيارات والمسروقات، وخلايا تتبع للنظام والإيرانيين.
قيادات قسد شركاء مع عصابات التهريب
وأشارت المصادر إلى أن حركة التهريب تجري بأريحية كبيرة، وذلك لعدم اتخاذ “قسد” أي خطوة في سبيل إغلاق هذا المعبر أو اعتقال القائمين على التهريب والاتجار بالمخدرات، في حين يجزم أهالي المنطقة أن قيادات قسد في المنطقة هم شركاء لهذه العصابات مقابل نسبة من الأرباح.
ولم تغير بعض المداهمات التي قامت بها “قسد”، من وجهة نظر الأهالي، بل زادتهم يقيناً. وقبل المداهمات يذهب المهربون إلى مناطق سيطرة ميليشيات الناظم وإيران لحين انتهائها، كما حدث مراراً عند معبر جديد عكيدات وتغطية عناصر لواء القدس في الجهة المقابلة نارياً لمساعدة المهربين على الفرار.
وادعى المتحدث باسم الـ “أسايش” (الجهاز الأمني لقوات سوريا الديمقراطية) المدعو “علي الحسن”، في تقرير لـ BBC أنه لا يمكن وقف عمليات التهريب عبر الفرات.
وحول تعامل “قسد” مع عمليات بيع المواد المخدرة يقول الناشط “أحمد أبو وسام” وهو من أبناء ريف دير الزور بأن عناصر فرع مكافحة الجريمة المنظمة المسؤول عن مكافحة المخدرات “يسهلون بيع الحشيشة والحبوب المخدرة، على عكس عملهم، ويتعاطى معظم عناصر الفرع المخدرات ومنهم من يتاجر بها، لا سيما أن نقاط وحواجز الفرع المذكور تنتشر بالقرب من الشريط النهري الذي يعتبر خط التهريب الأول لتلك المواد”.
ويضيف “أبو وسام” في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بأن نشاط تجارة المخدرات زاد في مناطق ريف دير الزور منذ مطلع العام الجاري وباتت المواد المخدرة تباع في كثير من الصيدليات، عدا عن مروجين يقومون بتوزيعها في الأسواق في مشهد أشبه ببيع السجائر المهربة سابقاً.
ويعزو الناشط الإعلامي سبب رواج المواد المخدرة والممنوعات الأخرى، لموقع المنطقة جغرافياً وما تخضع له من توزعٍ للنفوذ بالإضافة للفلتان الأمني الذي يشكل معضلة كبرى وأساسا لجل مشكلات الأهالي في المنطقة على حد تعبيره.
معابر التهريب.. فتنة بين الميليشيات
معبر “أبو حمام” ليس الوحيد وإنما يجري عبره النشاط الأكبر، وتنتشر المعابر على طول خط التماس بين النظام وقسد لتهريب البشر أو المواد الغذائية أو المخدرات وكل ما هو متاح ومطلوب بين الضفتين، ونظراً للأرباح الطائلة التي تجنيها عصابات التهريب وآمالهم بأن يصبحوا يوماً ما من كبار المهربين بين المنطقتين للحصول على ما يمنعه قانون قيصر بحسب ظنهم؛ باتت المعابر كنزاً ثميناً تتحارب عليه الميليشيات لفرض السيطرة.
ويفسر ذلك عشرات الاشتباكات والاقتتالات التي تجري بين الفينة والأخرى والتي يسقط فيها قتلى وجرحى، كتلك التي وقعت في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي في الثامن من آذار عام 2020 بين ميليشيا تابعة للحرس الثوري الإيراني ومجموعة من الحرس الجمهوري، قتل فيها اثنان من أبناء المدينة وهم من المنضمين لمجموعة الشيخ التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي يرأسها المدعو “أكرم الخضر”، وكان السبب خلافهما على إدارة حاجز الكورنيش المقام على ضفة نهر الفرات في المدينة والذي يعد نقطة لتهريب النفط والبضائع بالإضافة لتنقل الأشخاص بين الضفتين.
أما عن الخلافات بين تلك الميليشيات حول تجارة المخدرات بعينها فهي متكررة أيضاً ولعل أبرزها ما جرى في مدينة البوكمال بين ميليشيا فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية في الـ 14 من تشرين الثاني الفائت والتي سقط فيها جرحى من الطرفين.
يقول الناشط “محمد الشعيطي” بأن عمليات بيع المواد المخدرة انخفضت بنسبة كبيرة نهاية العام الماضي بعد مقتل أحد أكبر تجارها غربي الفرات على يد مجهولين في بلدة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، حيث جاءت الحادثة بمنزلة تهديد لتجار المخدرات في المنطقة، إلّا أن نشاط تجارة الممنوعات عاد للواجهة بعد تسلّم الحرس الثوري الإيراني لنقاط على ضفة النهر في مناطق سيطرتها بريف البوكمال والمسؤول عنها “حميد المحل العطيبه” من أبناء بلدة “أبوحمام” وهو عنصر في الحرس الثوري الإيراني.
وسابقاً كان لواء القدس مسيطراً على تلك النقاط بقيادة المدعو “أبو الموت” الذي كان من أبرز موردي الحشيشة إلى الضفة اليسرى.
ولفتت المصادر إلى أن تجارة المخدرات والسلاح وغيرها كانت حاضرة إبان سيطرة الفصائل العسكرية والتنظيمات على المنطقة، إلا أن الواقع سابقا لا يقارن بالحالي من ناحية الرواج غير المسبوق لهذه التجارة والتي كانت سببا في انخفاض سعر المخدرات في مناطق سيطرة “قسد” بسبب كثرة المعروض للبيع، حيث بلغ سعر “كف الحشيشة” 200 ألف ليرة سورية وسعر قرص الكابتكول 1000 ليرة سورية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا