بسام مقداد
في مقابلة مع الصحافي سلام مسافر في برنامجه “قصارى القول” على قناة RT الناطقة بالعربية، قال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، بأن نشر تسريبات وزير الخارجية محمد جواد ظريف يشبه سرقة إسرائيل وثائق إيران النووية منذ ثلاث سنوات. وقال بأن نشر هذه التسريبات قد رفع من شعبية ظريف وسط الإيرانيين، على عكس ما كان يأمل المحافظون. وأكد أبطحي أن ظريف، وقبل عاصفة التسريبات الأخيرة، كان بين المرشحين المحتملين الأقوى للإنتخابات الرئاسية القادمة من قبل الإصلاحيين، الذين لم يُحددوا بعد، كما المحافظين، قوائم مرشحيهم. وتوقع بألا تشهد الإنتخابات مشاركة كثيفة من قبل الإيرانيين، على الرغم من تصريح خامنئي برغبته في ذلك، لتأثيرها “الإيجابي على النظام” . إلا أنه اشتكى من تصرفات النظام، التي لا تشجع على هذه المشاركة، وذلك لأن كثافة المشاركة تصب عادة في غير صالح المحافظين. وأكد بأن التسريبات لم يقم بها ظريف، بل جاءت لغير مصلحته قبل الإنتخابات الرئاسية، واتهم فيها “الخارج الإيراني”، بما في هذا الخارج داخل إيران بالوقوف وراء نشرها.
ردة فعل السلطات الرسمية الروسية على ما نسبته التسريبات لظريف من إتهامات لروسيا بعرقلة التوصل إلى الصفقة النووية مع الغرب، إقتصرت على تصريح للناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا. فقد قالت في موجز للصحافيين في 29 نيسان/أبريل، أن موسكو “لا تتاجر بمصالحها ولا بشركائها وهي تحكم بالدرجة الأولى على الأفعال، وليس على “تصريحات ما غير مدروسة وغير مسموح بها”. وأضافت بأن إيران أكدت أكثر من مرة، أنه من دون مساعدة روسيا الحاسمة، لم تكن إيران لتتمكن، في فترة قصيرة نسبياً، من إزالة جميع إسئلة وكالة الطاقة النووية المطروحة عليها، ومن ضمان شفافية نشاطها النووي وتوجهه السلمي. كما أكدت، أنه لولا كل هذا الذي قامت به روسيا، لما كانت لتكون الصفقة النووية العام 2015، ولكانت غرقت العام 2018 بعد خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب منها.
لكن وسائل الإعلام الروسية بمختلف توجهاتها نشرت وما زالت تواصل نشر تعليقاتها على تسريبات ظريف، خاصة ما يتعلق بالإتهامات المنسوبة إليه لروسيا. وقد وجد البعض منها في الإتهامات فرصة سانحة للتعبير عن مشاعر الروس المتحفظة حيال التعاون الروسي الإيراني، الذي لم يستقر حتى الآن على وصف نهائي له بين تعاون وتحالف إستراتيجي أو ظرفي، خاصة في الحرب السورية.
البوليتولوغ والمتابع لشؤون الشرق الأوسط المعروف بسلاطة اللسان والتعابير الفجة يفغيني ساتانوفسكي (إسم العائلة مشتق من كلمة شيطان) قال بأن تسريبات ظريف لا ينبغي أخذها على محمل الجد كلياً لكونها لم تكن للنشر. ونقل عنه موقع “Actualnews” قوله بأن مثل هذه التسريبات وسواها من الأحاديث الخاصة لن تؤثر بأي شكل على العلاقات الجيدة بين طهران وموسكو، ولا تعكس سوى الخلافات الداخلية الإيرانية. وقال بأن روسيا وسواها من الموقعين على إتفاقية الصفقة الإيرانية، حالت في العام 2015 دون تنفيذ السيناريو العسكري الذي كان مطروحاً بجدية آنذاك. وأكد أن موسكو لم تكن لتعرقل عقد الصفقة النووية لأنها معنية، كما سواها من الدول النووية بحظر إنتشار السلاح النووي. وقال بأن العلاقات الروسية الإيرانية إذا ما كانت ستتغير في المستقبل المنظور، فهي لن تتغير سوى لأسباب جيوسياسية فقط، وليس بنتيجة مثل هذه التسريبات ، حتى لو صدرت عن مسؤولين كبار.
صحيفة “Kommersant” السياسية الكبرى نقلت عن السفير الروسي السابق في طهران ألكسندر مارياسوف قوله بأن تصريحات ظريف المسربة تعكس الصراع السياسي الداخلي في إيران. وقال أن الغرب أيضاً يحاول تضخيم وجود خلافات بين روسيا وإيران في سوريا، ورأى أن خلافات وإحتكاكات قد تقع بين الطرفين، لكنهما يواصلان التعاون والتنسيق في أعمالهما.
ونقلت الصحيفة عن المستشارة في مركز الدراسات في الأمن لعالمي “PIRCenter” يوليا سفاشنيكوفا قولها أنه دائماً ما كان يتردد بأن التقارب بين إيران والولايات المتحدة ليس لصالح روسيا، لكن موسكو كانت تدرك دائماً أن هذا التقارب لن يكون بين يوم وليلة. وترى أن لروسيا منطقها الخاص في تطور التعاون مع إيران، ولها مصلحتها الخاصة في الصفقة النووية، سواء لتطوير العلاقات مع الإيرانيين، أو في سياق موضوع عدم إنتشار السلاح النووي. وأكدت أن فريق روحاني يرغب في ترك أثر ما وراءه، سيما أنه عمل الكثير لمصلحة إيران، لكنه كان دوماً يصطدم بعقبات في طريقه. وتستنتج من تسريبات ظريف بأن هذه العقبات كانت تتمثل بمقاومة الأجهزة الأمنية وبالظروف الخارجية، ومن المفترض ألا تكون هذه التسريبات مستغربة من قبل هذا الفريق، سيما إذا كانت محاولة للتأثير على النظام من الداخل.
وتنقل الصحيفة عن خبير ثالث قوله بأن ليس في تسريبات ظريف من جديد، إذ أن مصالح موسكو وطهران في إطار عملية المفاوضات حول برنامج إيران النووي لم تكن متطابقة دوماً. وهذا طبيعي للغاية، لأن إيران ضُبطت في الإخلال بالتزاماتها في إتفاقية الضمانات مع منظمة الطاقة النووية، في حين أن روسيا هي من واضعي معاهدة حظر الأسلحة النووية وعضو دائم في مجلس الأمن وفي مجلس إدارة وكالة الطاقة. وأكد هذا الخبير أن تسريبات ظريف وتوقيت ظهورها في الإعلام يظهر مرة أخرى عمق الإنقسام في إيران بشأن الصفقة النووية بين مختلف المؤسسات وفروع السلطة.
خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية المقيم في إيران نيكيتا سماغين وفي سياق نص لصحيفة “Gazeta.ru” بعنوان “شركاء مضطرون”: وزير خارجية إيران يتهم روسيا بأعمال غير ودية” ، قال بأن الكثيرين من ممثلي الحرس الثوري ، وقد يكون قاسم سليماني من بينهم، “بالفعل لم يؤيدوا التوقيع على الصفقة النووية”. ولذلك يبدو محتملاً القول بأن هدف زيارة سليماني إلى موسكو العام 2015 كان نسف إتفاقية الصفقة.
الصحافية الروسية يوليا يوزيك، التي اعتقلت في إيران العام 2019 بتهمة التعامل مع إسرائيل لوجود تأشيرة دخول إسرائيلية على جواز سفرها، وفي نص مطول على موقع RT الروسي بعنوان “فرصة ظريف”، قالت بأن العالم بأسره سمع ما يفكر فيه ظريف عن “الجنرال الإيراني المقدس” قاسم سليماني، وعن موسكو التي عملت دائماً، على قوله، ضد الصفقة النووية، وعن الكثير غير ذلك مما يجعل من التسريبات إشكالاً سياسياً دولياً. وترفض الصحافية، التي توصف بالخبيرة في الشؤون الإيرانية، القول بأن التسريبات موجهة ضد ظريف لأنه لم يسمع أحد من قبل مثل هذه الصراحة عن الأمور التي أتى على ذكرها “وزير الخارجية المثالي”. وترى أن الوضع بشأن الصفقة النووية في فيينا وما يجري داخل طهران دقيق لدرجة جاءت معه التسريبات “صرخة يأس”، جاءت “الرهان الأقصى الأخير للبراغماتيين الإيرانيين”، الذين تعبوا من تحمل إهانات صقور الحرس الثوري وهم يدمرون الصفقة النووية مدعومين من خامنئي، ومستخدمين كافة الوسائل، بما فيها الممنوعة منها.
المصدر: المدن