ضياء عودة
ليس ببعيد عن قاعدة حميميم الروسية الواقعة في ريف مدينة اللاذقية شمال غرب سوريا، استهدفت غارات جوية قيل إنها إسرائيلية، فجر الأربعاء، أهدافا ومواقع “حساسة” بالنسبة للنظام السوري، في تطور لافت لم يسبق وأن كان على هذه الوتيرة من التصعيد.
ولتوقيته أيضا دلالات ورسائل قد توضح جزءا من المشهد الميداني للمنطقة في المرحلة المقبلة.
لم تقتصر الضربات فقط على اللاذقية بل طالت مناطق في مدينة طرطوس الساحلية وأخرى في منطقة مصياف في ريف محافظة حماة، واتهمت وكالة أنباء السورية الرسمية (سانا) إسرائيل بمسؤوليتها عنها.
ونقلت عن مصدر عسكري قوله: “حوالي الساعة الثانية و18 دقيقة من فجر اليوم” نفذت إسرائيل غارات جوية “من اتجاه جنوب غرب اللاذقية، مستهدفة بعض النقاط في المنطقة الساحلية، وقد تصدت وسائط دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها”.
وأدى القصف، وفق المصدر إلى مقتل شخص وإصابة ستة آخرين في حصيلة أولية، إضافة إلى وقوع بعض الخسائر المادية، من بينها منشأة مدنية لصناعة المواد البلاستيكية.
“مستودعات صواريخ”
الدمار الذي نجم عن الضربات التي طالت ريف اللاذقية كان “كبيرا”، حسب ما قالت مصادر إعلامية من المحافظة، مشيرة في تصريحات لموقع “الحرة” إلى أن المنطقة لم يسبق وأن شهدت هكذا ضربات منذ بداية الحرب في سوريا.
وتضيف المصادر، التي طلبت عدم ذكر اسمها، أن “المعلومات الأولية أفادت بأن القصف استهدف مواقع عسكرية بينها مستودعات لتصنيع الصواريخ المضادة للسفن، وأيضا مناطق مدنية بينها الحفة ورأس شمرا”.
وخلال السنوات الماضية شنت إسرائيل عشرات الضربات الجوية في سوريا، مستهدفة بشكل خاص مواقع للجيش السوري، وأهدافا إيرانية وأخرى لميليشيات “حزب الله”اللبناني.
ويصر الجيش الإسرائيلي على مواصلة ضرباته الصاروخية والجوية داخل سوريا، ويقول إنها لمنع إعادة التموضع الإيراني في المنطقة.
وسبق وأن قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هيداي زيلبرمان إن بلاده لن تتوقف عن ضرب إيران في سوريا، ومنعها من التموضع من جهة، ومن تمرير الأسلحة والتقنيات المتطورة لحزب الله في لبنان من الجهة الأخرى.
ونادرا ما تتعرض منطقة اللاذقية، التي تنحدر منها عائلة رئيس النظام السوري بشار الأسد، لضربات إسرائيلية.
وكانت هذه الضربات تتركز على مواقع عسكرية في الجنوب السوري وفي محيط العاصمة دمشق، ما يشي بأن “قواعد اللعبة الإسرائيلية في سوريا قد تغيرت”.
وفي سبتمبر 2018، تم تفعيل الدفاعات الجوية السورية لمواجهة الصواريخ الإسرائيلية في هذه المحافظة وأسقطت الدفاعات الجوية السورية بالخطأ طائرة روسية، مما أدى إلى مقتل الجنود الذين كانوا على متنها.
“آلية تنسيق. الأسد والإيرانيون مستهدفون”
وبينما لم يصدر أي تعليق من جانب موسكو عن الضربات التي استهدفت المناطق الساحلية السورية، يذهب مراقبون إلى أن روسيا على تنسيق واضح ومعلن مع إسرائيل بشأن القصف الذي تنفذه الأخيرة بشكل متواتر.
وبدأ هذا التنسيق بصورة أوضح بعد حادثة إسقاط الطائرة في 2018، ليتم فيما بعد السير بموجب ما يسمى آلية منع التصادم، والتي تضمن عدم التصادم العسكري داخل الأراضي السورية وفي الأجواء، على أن يتم إخطار كل طرف للآخر عن الأهداف التي ينوي ضربها، قبل فترة محددة من الوقت.
وليس خفيا أن محافظة اللاذقية تعتبر ضمن النطاق التشغيلي لمنظومة الصواريخ الروسية “S-400” وأيضا منظومة “S-300″، بمعنى أن الصواريخ التي استهدفت أهداف للنظام السوري مرت من أمام “أعين الروس”.
المحلل والخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب استعرض أبرز الأهداف التي طالتها “الصواريخ الإسرائيلية” فجر الأربعاء، بناء على معلومات حصل عليها بحسب قوله.
ويقول أيوب في تصريحات لموقع “الحرة” إن “الأهداف توزعت على اللاذقية وجبلة وطرطوس وهدف آخر في مصياف استهدف مركز البحوث العلمية فيها والذي يعمل به خبراء إيرانيون وكوريون شماليون”.
ويتابع الخبير العسكري أن “جزءا من الضربات طالت أهدافا ثمينة في طرطوس، وهو لواء الصواريخ البحرية المضادة للسفن. في اللاذقية طالت الضربات مركز البحوث العلمية أيضا، ومصنع قيل إنه لتصنيع الحبوب المخدرة”.
واعتبر أيوب أن الضربات تعتبر “عنيفة قياسا بسابقاتها”، ويشير: “هي رسالة إسرائيلية كبيرة جدا للنظام السوري وداعميه. بمعنى أن أي رد فعل على الضربات الإسرائيلية في سوريا سيقابل برد فعل عنيف من الطائرات الإسرائيلية وربما من البوارج الحربية والزوارق التي يصل مدى ضرباتها حتى 350 كليومترا”.
“ثلاث رسائل”
من جانبه يرى المحلل السياسي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم أن ضربات المناطق الساحلية “هي رسالة موجهة للرئيس السوري بشار الأسد قبيل الانتخابات الرئاسية بأن عليه وقف التموضع العسكري الإيراني في سوريا، وأن باستطاعة إسرائيل الوصل لأي مكان في سوريا التي تتموضع فيه إيران عسكريا”.
وهناك رسالة أخرى للقصف، يقول مناحيم في تصريحات لموقع “الحرة”: “ترتبط بأن إسرائيل حصلت على معلومات استخباراتية دقيقة جدا لكل ما يصل من إيران إلى سوريا عن طريق الجو وعن طريق البر والبحر”.
ويضيف المحلل الإسرائيلي أن التقديرات الحالية في إسرائيل تفيد بأن القصف طال أهدافا وأسلحة وصلت عن طريق سفن إيرانية، حيث تم تخزينها في مستودعات في منطقة اللاذقية وأيضا في منطقة الساحل السوري في غربي سوريا.
ويتابع مناحيم أن “المنطقة المستهدفة تتواجد فيها غالبية الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. هذه رسالة أخرى بأنه ليس هناك أي حصانة لأي سوري في حال أقدم على مساعدة إيران”.
ويستبعد المحلل العسكري إسماعيل أيوب أن تستهدف الضربات بشكل مركز مواقع إيرانية خالصة في سوريا، وذلك على الرغم من كونها “مؤلمة”.
وبمنظور عسكري يشير أيوب وهو عقيد منشق عن الجيش السوري إلى أن الضربات بمجملها تستهدف مواقع يتواجد فيها خبراء إيرانيون، موضحا: “بالتالي لو أرادوا استهداف الوجود البشري الإيراني لاستهدفوا أماكنه البارزة. إسرائيل ليست منزعجة من الوجود البشري في حال بقائه تحت الخطوط الحمراء المرسومة له”.
“تقارير لافت سبق الضربات”
بالعودة إلى ما تحدث به المحلل الإسرائيلي، يوني بن مناحيم فهو يرتبط بشكل كبير بما أورده تقرير صادر عن “مجلس العلاقات الخارجية”، وهي منظمة بحثية مقرها نيويورك.
وقال التقرير الذي نشر في أواخر أبريل الماضي إن روسيا عمدت مؤخرا إلى توفير الحماية لعمليات تهريب الصواريخ والذخائر من إيران إلى سوريا، عبر البحر، بعد تزايد الهجمات التي تنفذها إسرائيل ضد قوافل التهريب القادمة عبر الطرق البرية.
وأضاف تقرير المنظمة البحثية أن طهران وبحماية من موسكو أوجدت طرقا بحرية للتهريب، حيث يتم نقل الصواريخ في سفن وناقلات نفط ترافقها سفن روسية، لضمان وصول الشحنات إلى داخل الأراضي السورية، حيث يتم تخزين بعضها هناك، وبعضها الآخر في لبنان.
وأشار إلى أن الضربات التي قامت بها إسرائيل داخل الأراضي السورية كانت تستهدف تدمير هذه الذخائر، حتى لا تصل إلى يد ميليشيات إيران، خاصة “حزب الله” اللبناني.
ونقل التقرير معلومات تتحدث عن أن “السفن الإيرانية تبحر عبر البحر الأحمر وتمر من قناة السويس وتصل إلى البحر المتوسط، بوثائق تزعم أنها تحمل شحنات نفط فقط، ولكن في حقيقة الأمر هي ليست البضاعة الوحيدة التي تحملها”.
المصدر: الحرة. نت