أحمد مظهر سعدو
لقد كانت فلسطين وسوف تبقى بوصلتنا التي نهتدي بها، فلسطين التي كانت وعلى الدوام وشعبها العظيم، شعب الجبارين، قدوة ونبراسًا في النضال والكفاح ومقاومة الاحتلال الصهيوني الغاصب، الذي دنس (ومايزال) أرض القدس، أرض الطهارة، والقبلة الأولى للعرب والمسلمين كافة، تعود اليوم لتمسك من جديد عبر هبة الأقصى المتجددة، لترسم ملامح مرحلة جديدة من الكفاح ضد المستبدين والمغتصبين سواء كانوا اسرائيليين، أو حكامًا وعصابات طاغوتية إجرامية، كحال آل الأسد وكيانهم الأمني المُغتصِب للوطن السوري، والقاهر للبلاد والعباد. نعم تعود هبة أهل فلسطين وحي الشيخ جراح وغزة لتعيد البوصلة إلى توضعها الحقيقي، في مواجهة البغي والاحتلال كل احتلال من الكيان الصهيوني إلى المحتل الأسدي والإيراني والروسي، ولعل ماجرى ويجري في أرض الرباط في بيت المقدس يوقظنا جميعًا، عربًا ومسلمين، لندرك من جديد أن المغتصب واحد، والعدو واحد لشعوبنا وبلادنا، فمايجري في القدس المحتلة نسمع صداه ونلمسه في إدلب وحلب وكل سورية، بل كل بلاد العرب والمسلمين، ولم يعد معقولًا ولا مقبولًا إشاحة النظر عن كل ذلك القهر الممارس ضد أهلنا في بيت المقدس وكل فلسطين.
لقد كانت ثورة الحرية والكرامة في سورية صنو ثورة القدس وثورة فلسطين، وكانت صدىً لها، يوم أدرك ثوار درعا، وثوار المرجة والأموي في دمشق، أنه لايمكن تحرير أرض فلسطين أو الجولان دون تحرير (أولًا وقبل كل شيء) دمشق من مغتصبيها المجرمين، الذين يرون بأن طريق القدس يمر من خلال تدمير إدلب وحمص وحلب وحماة فوق رؤوس أصحابها، وهم في ذلك يؤدون الكذبة الكبرى التي مابرح شعبنا السوري والفلسطيني كاشفًا لهم فيها، فكانت ثورة السوريين هي الثورة الكاشفة لمن ادعوا أنهم قادمون لتحرير فلسطين والقدس الشريف، وهم كانوا وعلى الدوام يبنون جيشهم (اللاوطني) من أجل بقائهم في الحكم، واغتصاب الوطن وخطفه باتجاهات طائفية تارة، وملحقة بالمشروع الامبراطوري الفارسي تارة أخرى، وأخيرًا تابعًا للأطماع الاحتلالية المصلحية الروسية، حيث بيعت السيادة السورية للفرس والروس على قارعة الطريق.
اليوم ونحن نشهد كيف يقاوم الشعب الفلسطيني العظيم قوى الاحتلال الصهيوني بصدره العاري، فإن ذلك يضعنا جميعًا أمام مسؤولياتنا، ويحرج كل نظم العرب وكل نظم المسلمين، الذين يتركون هذا الشعب المكافح وأرضه المقدسة لوحده يقاوم بإمكانياته المتواضعة كل جحافل البغي والطغيان والاحتلال الكولونيالي. ونحن اليوم إذ نتعلم من شعب الجبارين وأكناف بيت المقدس، نجد أنفسنا كسوريين أكثر إصراراً على مناهضة ومقاومة المحتل الأسدي، لأن طريق فلسطين الحقيقي لن يكون إلا بكنس الطغاة، عن دمشق الفيحاء، وكل طغاة العرب، من أجل امتلاك البوصلة الحقة التي ستكون وجهتها فلسطين، وعى ذلك بعض المتخرصين أم لم يعوه، عملوا من أجله أم لم يعملوا، فطريق الحرية واحد من القدس إلى دمشق إلى حلب.
الثورات واحدة من أجل الحرية، وإزاحة الاحتلالات والطغاة، وهي كانت ومازالت كذلك، ويبدو أن استمرار احتضان علم الثورة السورية من شباب وشابات انتفاضة الأقصى، يؤشر إلى المسار الصحيح، ويتجاوز كل ضياعات الفصائل الفلسطينية التي لم تجد في الثورة السورية نسقها القيمي الذي يلتقي مع فكرة الثورة الفلسطينية التي نشأنا وترعرعنا (كأجيال) عليها، ولم نجد فيها إلا قضيتنا المركزية الأساس.
مايجري في القدس وغزة هذه الأيام ينبيء بثورة وانتفاضة جديدة معاصرة، سوف تزلزل أركان الاحتلال الصهيوني، وتظهر للعالم أجمع أن التطبيع مع الكيان المغتصب لأرض فلسطين، كان خطيئة كبرى، لن تؤتي أُكلها المبتغاة، بل سيكون التاريخ كاشفًا لها، وواضعًا إياها في مزابل التاريخ، مع من قام بها أو ساهم في مساراتها الآيلة للسقوط.
وسوف تبقى ثورة الحرية والكرامة وكذلك ثورة فلسطين الظافرة في القدس وكل بقعة من فلسطين، منارات مشعة ومتوقدة في ربيعنا العربي، الباقي فينا مابقيت بذور ورايات الثورة في فلسطين وسورية وكل بقاع العالم العربي، الذي انتفض منذ عشر سنوات ونيف بموجات الربيع العربي المتوالية المتتابعة ضد الاستبداد والطغيان، وسوف تنتصر ثورات الشعوب مهما اعترى مسيرتها من توقفات وانتكاسات هنا أو هناك، لأن الله (جل في علاه) مع الشعوب المقهورة، ولا يرضى بالظلم بأي حال من الأحوال، والشعوب المقهورة تتعلم اليوم من جديد دروس الحرية والكرامة من شعب بيت المقدس وأكناف بيت المقدس حتى النصر على الطغيان.
المصدر: اشراق