ريان محمد
“لم تعد الوظيفة تأتي بهمها” جملة غالباً ما يرددها غالبية من يعرفون في سورية اليوم بـ”أصحاب الدخل المسحوق”، فالوظيفة التي كانت في زمن ما معيار الاستقرار وضمان الشيخوخة، اليوم لم يعد دخلها يكفي الكثير من الموظفين لدفع أجور نقلهم إلى أماكن عملهم، أو الحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية، ما يدفع الكثير من الموظفين للتوجه إلى ترك العمل، إلا أن حكومة النظام لا توافق على طلبات الاستقالات التي تقدم لها.
تغرق أم عمر صحناوي في التقسيم والطرح والجمع، خريجة جامعية وموظفة في إحدى الدوائر الرسمية في السويداء، قائلة لـ”العربي الجديد”، “مضى علي نحو ساعتين أحاول أن أوزع راتبي على احتياجاتي، وبالرغم من أنني استغنيت عن كثير من احتياجاتي، إلا أن المرتب بقي غير كافٍ ويجب أن أحصل على ضعفه على الأقل لتغطية هذه التفاصيل الخاصة”.
وأضافت “راتبي بحدود الـ80 ألف سورية ( سعر صرف الدولار الواحد نحو 3150 ليرة)، وذلك بعد الزيادة التي من المزمع توزيعها نهاية الشهر الجاري، أي ما يساوي نحو 25 دولاراً، في وقت الأسعار باتت مرتبطة بالدولار وليس بالدخل. ومن هذا الراتب علي دفع تكاليف النقل التي تصل هذه الأيام إلى أكثر من 50 ألف ليرة، وتأتي تكاليف الاحتياجات الخاصة واللباس وإذا كنت سأتناول خلال العمل ساندويش أو فنجان قهوة أو كأس شاي، في حين الراتب لا يكفيني لشراء بدل من الثياب”.
وتابعت أصبح “العمل الوظيفي مضيعة للوقت وبلا جدوى، في السابق كانت الأسرة التي الأب والأم بها موظفا، قادرة على الحلم بشراء منزل أو سيارة وكانت قادرة على تأمين معيشتها بالحد الأدنى، اليوم الرواتب أصبحت غير كافية لتأمين الحد الأدنى من الطعام والشراب، إضافة إلى أنها تستنزف الوقت فتحرمك من القيام بأي عمل آخر، وإن كانت الأجور في القطاعات الأخرى غير كافية بالنسبة للأسعار إلا أنها أفضل من راتب القطاع العام”.
أما أبو مجد.ع، موظف في دمشق نظام مناوبات؛ كل ثلاثة أيام لديه دوام 24 ساعة، تكلفه أجور النقل من السويداء إلى دمشق 7 آلاف ليرة كل مرة، إذا لم يتنقل داخل دمشق وهذا صعب، ما يعني أنه بالحد الأدنى يحتاج إلى 70 ألف ليرة، إذ “يتبقى لي من راتبي بضعة آلاف لا تكفي ثمناً للسجائر أو تأمين تكلفة الطعام الذي أجلبه معي من المنزل”.
وأضاف “قدمت استقالتي منذ أشهر ولم تأتني الموافقة، فلو أنني أقف على بسطة خضار في السوق بضع ساعات سأجني أضعاف راتبي الحالي، لكن الحكومة ترفض الموافقة على أي استقالة”، لافتاً إلى أن “هناك أشخاصاً انقطعوا عن العمل وتم فصلهم بحكم المستقيل وملاحقتهم قضائياً، حيث قد يتعرضون لعقوبات بالسجن إضافة إلى غرامات مالية، لكن ليس الكل يتجرأ على القيام بهذه الخطوة، إلا أن من يقيم في السويداء مثلاً بعيداً عن سطوة النظام في الاعتقالات، أو يستطيع الخروج من البلد بطريقة غير شرعية قادر على الخلاص من هذا الاستعباد الذي يسمى وظيفة، حيث تجبر على العمل ولا يعطون الشخص ثمن طعامه”.
وكان عدد كبير من العاملين في فرع الشركة السورية في السويداء قد تقدموا باستقالاتهم خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب عدم قدرتهم على تغطية نفقات النقل العالية، بسبب عدم تمكن الحافلات التي تم التعاقد معها من الفرع لنقل العاملين من تأمين مادة المازوت اللازمة لعملها مما أدى إلى توقفها عن نقل العاملين، بحسب تقرير نشرته صحيفة محلية بداية الأسبوع الفائت.
ونقلت ذات الصحيفة عن عضو المكتب التنفيذي المختص في المحافظة وائل جربوع قوله إن التقرير المقدم من قبل فرع الاتصالات أكد وجود تقديم استقالات من قبل العاملين في الفرع والذي يعود سببه الأول إلى عجز العاملين عن دفع أجور النقل المرتفعة بعد توقف الحافلات المتعاقد معها من قبل الفرع على نقل العمال وعدم قدرتهم على الانتقال من الريف والسكن في المدينة جراء ارتفاع الإيجارات التي شهدت هي الأخرى تحليقاً غير مسبوق.
ولفت جربوع إلى أنه بحسب الواقع الراهن وطلبات الاستقالات المقدمة فإن الأمر يهدد بنقص اليد العاملة بالإضافة للنقص في الكادر الفني من عمال (لحام كوابل وملاحظي خطوط).
وفي ذات الصدد رأت مصادر طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب خاصة أن “النظام يعلم أنه يشغل الموظفين بأجور بخسة جداً، وأنه في حال فتح الاستقالات فشريحة واسعة من الموظفين الشباب غير المستفيدين من الفساد والنهب، إضافة إلى من لديه خدمة أكثر من 25 سنة، سيتقدمون باستقالاتهم، إذ لم تعد هناك جدوى مادية من الوظيفة، حتى التأمين الصحي يقدم الحد الأدنى من الخدمات، وراتب التقاعد هو أدنى من أن يؤمن الدواء لكبار السن حيث متوسط الراتب نحو 60 ألف ليرة بعد الزيادة التي صدرت قبل أيام”.
وأضافت “المشكلة الثانية أن مؤسسة التأمين والمعاشات المسؤولة عن دفع رواتب المتقاعدين شبه مفلسة، فأموالها تذهب إلى صندوق الدين العام أولاً بأول، لذلك أي ارتفاع بأعداد الطالبين إحالتهم للتقاعد وسحب صناديق التكافل وغيرها سيتسبب بأزمة جديدة للنظام جراء العجز عن إيفاء حقوق الناس”.
المصدر: العربي الجديد