جان ستارن*
تقديم:
هل تكون إسرائيل بصدد ربح معركة النفوذ في فرنسا؟ قد يخال المرء ذلك. ولذا، خصص موقع “أوريان 21” لهذا الموضوع تحقيقاً مطولاً، من خلال مقالات عدة تنشر تباعاً. فقبل الأزمة الصحية، كان النواب الفرنسيون يهرولون إلى القدس للثناء على “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” قبل التعريج على المستوطنات. وكان أصحاب الشركات يتحمسون أمام الوعود التكنولوجية التي هي في أغلب الأحيان ذات مصدر عسكري. وثمة فنانون، ومفكرون، وصحفيون… كانوا يتقاطرون جميعاً للقيام برحلات استكشافية، والمشاركة في المهرجانات واللقاءات والمسلسلات الإسرائيلية. وكانوا يبدون متأكدين جميعاً من أن الدفاع عن إسرائيل أصبح واجباً أساسيا في عالم مهدِّد.
لكن الرأي العام الفرنسي يبقى مرتاباً ويواصل في معظمه التعبير عن تضامنه مع القضية الفلسطينية. فهل يمكن أن نتحدث عن شبه إخفاق في عمل دوائر التأثير العديدة المساندة لإسرائيل؟ كيف يمكن الحديث عن نجاحات ومكان استياء وخيبات أمل لوبي متعدد الفاعلين، والأسئلة العديدة التي تثار حول شكله وحقيقته؟ من معارض التقنية حتى الضواحي الفرنسية؛ ومن السهرات الراقصة إلى الشراكات “السرية للغاية”؛ ومن البرلمان الفرنسي إلى مجلس مدينة باريس، يبدو هذا اللوبي كثير النجاحات. وسوف يعرض موقع “أوريان 21” في حلقات هذا التحقيق عمل هذا اللوبي، ووسائله والمروجين له.
وفي الحقيقة، لا يوجد جيش مجند من اللوبيين في باريس مثل ذلك الذي نجده في واشنطن. فأنصار إسرائيل في فرنسا هم شخصيات مختلفة، من اليمين أو اليسار أو الوسط، ووجوه إعلامية تجيد استعمال مغالطات الجدل القائم حول مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية، لمحاولة تحييد أولئك الذين يواصلون -على الرغم من قلة الآذان الصاغية- النأي بأنفسهم عن سياسة اليمين الإسرائيلي الحاكم.
* *
الحلقة الأولى: قانون صمت يعود إلى زمن بعيد
من النادر، في مقال، إدراج نوع من التمهيد حول موضوع التحقيق نفسه، لتجنب محاكمات النوايا التي يمكن أن يتسبب بها استخدام مصطلح “لوبي” اللصيق بإسرائيل. وليس ثمة صعوبة في بلد مثل فرنسا في الحديث عن “لوبي الصيد” أو “اللوبي المؤيد للطاقة النووية”. فمن أين يأتي الارتياب المعجمي الذي ينتاب البعض ومناخ الشك الذي يغذيه بشدة حين يتعلق الأمر بإسرائيل؟
بدايةً، ما تزال كلمة “لوبي” -العادية جداً في واشنطن والشائعة في بروكسل- تثير الكثير من اللغط في باريس. أولاً، لأنها كلمة دخيلة، جاءت من الانجليزية وظهرت في لندن في بداية القرن التاسع عشر لتسمية أولئك الذين يَعْبُرون أروقة مجلس العموم لإقناع المسؤولين المنتخبين البريطانيين بأهمية نشاط معين، أحيانًا على حساب المصلحة العامة. وتفضل اللغة الفرنسية استعمال عبارة “جماعة الضغط” التي تحمل المعنى نفسه تقريباً. لكن السبب الأهم يعود إلى كون تسمية “اللوبي اليهودي” هي إرث من قاموس اليمين المتطرف المعادي للسامية خلال ثلاثينيات القرن الماضي، الذي كان له نفوذ داخل الدوائر السياسية والثقافية خلال فترة ما قبل الحرب. كان عنف التهم الموجهة إلى ليون بلوم أو جان زاي، ومغالاة كتابات لويس فرديناند سيلين وبول موران وبضعة كتّاب آخرين، يستهدف قبل كل شيء “اللوبي اليهودي” الذي كان وجوده، بالمناسبة، مبالغاً فيه إلى حد كبير، نظراً لكون الجالية اليهودية الفرنسية آنذاك كانت ضعيفة التنظيم، وغالباً ما كانت علمانية.
في الوقت الذي تشهد فيه معاداة السامية تصاعدًا ملحوظًا، خصوصاً على الشبكات الاجتماعية، فإن الحديث عن “لوبي”، حتى لو تم استكماله بعبارة “الموالي لإسرائيل” يبدو وكأنه محمل بدلالة مشينة، ومع ذلك استخدمه معظم الذين تحدثت إليهم بشكل أو بآخر، لأنه الأكثر ملاءمة. ويقول برونو جونكور، النائب البرلماني عن حزب الحركة الديمقراطية بمدينة سان بريو (شمال غرب فرنسا): “أستخدم كلمة لوبي، لكن هذا يشبهها كثيرًا”، قبل أن يستخدمها هو نفسه لاحقًا خلال حديثنا: “يستهدف اللوبي المُوالي لإسرائيل بشكل رئيسي الدوائر الاقتصادية والثقافية والإعلامية. وعلى الصعيد السياسي، هناك دينامية لعدد من الجمعيات من أجل التعريف بإسرائيل وسياساتها من دون أي تقشف في الوسائل”.
شبكات نفوذ حقيقية
وهكذا، فإن وزن الكلمات -تماماً كاستخداماتها- هو حقيقة تتجاوز الانقسامات السياسية التقليدية. ويفضل دبلوماسي كبير سابق، اشتغل في العديد من دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، التحدث عن “اللوبي الصهيوني”، مشيرًا إلى أن كلمة لوبي “مبالغ فيها”. ولكن، أهي مبالغ فيها أم سلبية؟ تقول المؤرخة فريدريك شيلو، المتخصصة في العلاقات الفرنسية الإسرائيلية، “إن كلمة لوبي تحمل دلالة سلبية، تقترب من المؤامرة. ويُردد المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (الذي يشار إليه بالفرنسية باقتضاب بمصطلح “كريف”) كلام اليمين القومي الإسرائيلي، ويبث خطابًا مهيمنًا للغاية يعبر عن انبهار كبير بالسلطة وبشخصيات عامة “متحررة” من أي قيود، ونماذج ديماغوجية وقادة ليبراليين. لكن هناك أيضًا إهمال للقضية الفلسطينية في فرنسا، إذ أصبحت صراعًا منخفض الحدة، نظراً للإرهاب الذي قرّب الفرنسيين من الإسرائيليين”.
بالنسبة لكليمنتين أوتان، النائبة البرلمانية عن حزب “فرنسا الأبية” بـمدينة سين سان دوني (ضاحية باريسية)، لا تكمن المشكلة في الكلمة بقدر ما تكمن في الواقع، وهذا الضغط الهائل الذي تتعرض له بمجرد أن تتحدث عن الموضوع في البرلمان أو في دائرتها الانتخابية أو في وسائل الإعلام (وهذا نادر، بسبب التزام “قانون الصمت”، باستثناء قناة فرانس 24). وتوضح النائبة الأمر بقولها: “إنك إذا ما تحدثتَ اليوم عن سياسات الحكومة الإسرائيلية، أو دافعت عن القضية الفلسطينية، فإنك تصبح عرضة لضغوط مهولة، وتُتَّهم على الفور بمعاداة السامية. عليك أن تكون قوياً. لكنني لا أحب كلمة “لوبي”. إنها تجعلني أشعر بعدم الارتياح، لأني أسمع فيها صدى عبارة “اللوبي اليهودي”. للكلمات تاريخها وترددها، وهذا الأمر ليس عقلانياً. لكننا نستطيع بالتأكيد استخدام مصطلح “دوائر النفوذ النشطة جدا””.
وتقول إحدى زميلاتها في البرلمان من حزب “الجمهورية إلى الأمام” الحاكم في فرنسا أنه “لا وجود للوبي، هناك أفراد -ولنقل مؤثرين. لكن من الصحيح أنهم ينشطون بأقصى طاقتهم، وعندما يستهدفونك، لا يمكنك أن تفلت منهم”. ويوضح جاك فتح، المسؤول الدولي السابق للحزب الشيوعي الفرنسي، أن “شبكات النفوذ الموالية لإسرائيل نجحت في الحصول على دعم حقيقي للغاية وسط الساحة السياسي الفرنسية، مثل “الحزب الاشتراكي” على سبيل المثال، ولم يعد الكثير من الناس يترددون في مسألة دعم إسرائيل. وقد أسهم هذا أيضًا في مسلسل طويل لإضعاف دور فرنسا في المنطقة”.
دعم علني
غير أن آخرين لا يجدون حرجاً في استعمال الكلمة. ويقول روني برومان: “أستخدم كلمة لوبي بال تردد، إذ يتصرف “كريف” كلوبي ويقرّ صراحة بأنه يدعم إسرائيل”، مضيفاً “أن اللوبي الموالي لإسرائيل يتواجد سياسيًا وفكريًا، ويمكن أن يكون رسميا وغير رسمي”.
ثمة البعض الآخر الذين يتحدثون مع الرغبة في عدم الكشف عن هويتهم. ويقول أكاديمي: “لقد عانيت بما يكفي مسبقاً”، مضيفاً “أن اللوبي هو السفارة الإسرائيلية، ومنظمة “إيلنت” و”كريف”، وهم يتمتعون بإمكانيات مهمة. أن تبحث الشركات عن أسواق لها في إسرائيل، فهذا أمر عادي. لكن الأمر أكثر خطورة هو عندما يتعلق الأمر بالطبقة السياسية والصحفيين المستهدفين بعمليات الدعاية”. ويرى أحد نواب عمدة باريس أن “عبارة “اللوبي الموالي لإسرائيل” ليست صادمة، لأن هذا اللوبي هو أمر واقع”. ويشرح فرانسوا بوبوني، نائب مدينة سارسيل -وهو نفسه مؤيد لإسرائيل- واشتراكي سابق أصبح ينتسب إلى حزب الحركة الديمقراطية، “أن اللوبي المؤيد لإسرائيل يعمل على جلب مسؤولين منتخبين فرنسيين إلى إسرائيل ليجعلهم يرون حقيقة الأشياء، وهو قادر على جعل الناس يكتشفون الأشياء. لا يجب أن نُنكر تطور السياسة الإسرائيلية واليمين الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، بل يجب الترويج لهم”. وهذا هو ما تسعى إليه منظمة مثل “إيلنت” Elnet التي تهدف إلى بيع صورة إيجابية لإسرائيل لصانعي القرار السياسي والاقتصادي، ولكن أيضًا لمواجهة مبادرات مؤيدي القضية الفلسطينية، وهي تشكل جزءًا من التعبير العلني لـ”كريف”. (سأعود إلى هاتين المنظمتين).
“إنهم لا يبالون بفرنسا في القدس”
ولكن، يبدو أن الجدل لا ينتهي بين مؤيدي استخدام كلمة اللوبي وأولئك الأكثر تحفظًا بخصوصها. “أنا لا أؤمن حقًا باللوبي، إنه يناسب الولايات المتحدة، وهو ينهار حتى هناك”. هكذا يشرح رئيس شركة كبيرة فرنسي يعيش في إسرائيل منذ فترة طويلة. ويضيف: “أتعلمون، من بين الفرنسيين الذين يعيشون في إسرائيل، هناك عدد لا يحصى من الأطراف والتيارات والتيارات السفلية. المشهد غير متجانس. طبعا يوجد في فرنسا مناصرون لإسرائيل، لكنهم ليسوا فعلاً مجموعة، الأمر ليس منظما بشكل جيد”. ومن جانبها، تؤكد النائبة عن حزب الجمهوريين، كونستانس لوغريب، “أن هناك طبعا شبكات مؤيدة لإسرائيل، لكنَّ هناك أيضاً شبكات مؤيدة للفلسطينيين. وهناك أيضاً شبكات مؤيدة لروسيا وأخرى معادية لها. هذه هي الحياة”.
غير أن اللوبي الموالي لإسرائيل -وسوف نختار هذا المصطلح لأنه يبدو في عمقه غير قابلٍ للنقاش- لديه أيضًا نقاط ضعف في فرنسا. ويشير سفير سابق إلى أن “إسرائيل لم تعد تهتم سوى بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إنها لا تبالي بفرنسا”. وإحدى علامات عدم الاهتمام هذا أنه لأكثر من عام، لم يتم تعيين بديل لأليزا بن نون، السفيرة الإسرائيلية في باريس. وبعد تكليف مفوضتين قائمتين بأعمال هذا المنصب تباعا سنة 2020، وهما كل من تاليا لادور فريشر وإريت بن أبا فيتال، تم تعيين سفير دائم فقط. وقد أكد لي دبلوماسي إسرائيلي في باريس في تصريح خاص، أنه لا ينبغي أن يُنظر إلى هذا الوضع على أنه مؤشر تجاهل ما، بل هو نتيجة للمناخ السياسي في القدس، حيث كان المنصب في فرنسا يعتبر من بين الأحد عشر منصباً التي يكون التعيين فيها تحت إشراف الحكومة، وبالتالي فهو منصب سياسي بامتياز. ونظراً للانقسام في الأشهر الأخيرة بين حزبي “أزرق أبيض” و”الليكود”، ذُكر أن الحكومة لم تتمكن من الاتفاق على اسم سفير لباريس.
ندوة على الشبكة لـ”إيلنت”
فيما يتعلق بالدعاية، يبدو أن جهود اللوبي تدور في حلقة مفرغة على موجات الراديو المجتمعية وعلى شبكة الإنترنت المتخصصة. فقد ولى زمن تجمعات “الست ساعات من أجل إسرائيل” التي كانت رائجة في التسعينيات، واحتفالات الدعم الكبيرة لدعم الجيش الإسرائيلي في قصر المؤتمرات في باريس. تستهدف “يلنت”، ممثلة اللوبي الأبرز، القادة الفرنسيين أكثر من اليهود الفرنسيين والرأي العام بشكل عام. وقد أظهرت ندوة لـ”إيلنت” نُظمت على الإنترنت بتاريخ 7 حزيران (يونيو) 2020 مع الصحفي بول عمار كمضيف فريقًا مرموقًا، ولكن من دون مفاجأة تذكر: رئيس الوزراء السابق مانويل فالس، والنواب البرلمانيين أورور بيرجي التي تمثل إسرائيل بالنسبة لها “معجزة” (ونحن قلقون هنا بشأن هذه المدافعة الشرسة عن العلمانية على الطريقة الفرنسية، التي ترأس مجموعة الصداقة الفرنسية الإسرائيلية في البرلمان)، وسيلفان مايار، ثم ماير حبيب الذي اتهم خلال هذه الندوة الإذاعة الفرنسية، فرانس إنتر، بـ”اختلاق الأخبار”، وهلم جرا. وأمام إحساسه بسخط المشاهدين، بمن فيهم حتى المقتنعين تماماً، انتهى الأمر ببول عمار بمقاطعة ماير حبيب ونقل الكلمة إلى النائبة كونستانس لوغريب. ومن بين الضيوف الآخرين، هناك حسن شلغومي، إمام مسجد درانسي (ضاحية باريس)، الذي روى للمرة الألف رحلته الاستكشافية إلى إسرائيل والمستوطنات، حيث التقى بضباط الجيش الإسرائيلي والمسؤولين المنتخبين من المستوطنات. وحتى بداية كانون الأول (ديسمبر)، لم تسجل ندوة “إيلنت” عبر الويب سوى 81 مشاهدة على موقع يوتيوب، أي بالكاد أكثر من عدد الأشخاص الذين حضروا حفل إعلان الولاء هذا.
منع أي نقاش
في الواقع، قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي الفضاء الأول والأبرز الذي يعبر فيه مؤيدو اللوبي الإسرائيلي الأكثر تشدداً عن أنفسهم، عبر شن هجومات مضادة بلا هوادة بمجرد أن يرتفع صوتٌ منتقد لإسرائيل. وأستطيع أن أشهد على ذلك. عندما نشرت سنة 2017 كتابي “سراب مثليّ في تل أبيب” (دار “ليبيرتاليا” للنشر)، وهو تحقيق حول تطوير استراتيجية “الغسيل الوردي” التسويقية التي تستخدمها السلطات الإسرائيلية لإغواء السائحين المثليين الغربيين، تعرضتُ لوابل من السُّباب على الشبكات الاجتماعية، بل وتلقيت تهديدات بالقتل أثناء افتتاح عرض كتابي في مكتبات تولوز وجنيف.
حلّ الوصم محل الحوار والشتم محل النقاش. وبشكل عام، يبدو النقاش مستحيلاً بالنسبة للعديد من الشخصيات وقد أتعبت بعضها عقود من الشتم. لكنَّ توقف النقاش يعني أيضًا غياب الموضوع. ويتأسف مسؤول سابق في وزارة الخارجية، الذي يرى أن الموضوع أصبح “ملغوماً” بسبب “تعاظم القدرة على منع الشخص من التحدث بدلاً من القدرة على السجال والتفنيد”. ومن جانبه أيضاً، تأسف هوبرت فيدرين، الذي شغل منصبي الكاتب العام للإليزيه ووزير الخارجية، لكون “هذا النقاش أصبح شبه مستحيل في أوروبا مع مرور السنين، بعد أن نجح حزب الليكود وأذرعه في الخارج في تصوير أي انتقاد لسياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة وللظروف المعيشية المفروضة على الفلسطينيين، على أنها معاداة للصهيونية، بل وحتى كمعاداة للسامية. والمفارقة أنه في إسرائيل، يواصل بعض المثقفين والصحفيين وكذلك وسائل الإعلام -على قلتهم- الحفاظ على مساحة للجدل، وتقدير أن القضية الفلسطينية لم تتقادم تمامًا بسبب التحالف الجديد ضد إيران، إلى جانب العديد من الدول العربية، وبفضل الصراع العام ضد الإسلام المتطرف”.
غير أن المناخ يبدو قابلا للانفجار على كلا الجانبين. وتقول كونستانس لوغريب، التي شغلت منصب مستشارة في الإليزيه خلال فترة الرئاسية لساركوزي: “ما يقلقني قبل كل شيء هو كراهية اليهود وكراهية إسرائيل، وهو أمر واقع وحاضر جدًا على الشبكات الاجتماعية. أن تكون صديقًا لإسرائيل يعني أن تعرّض نفسك للسب والشتائم”.
كراهية اليهود؟ كراهية إسرائيل؟ كراهية الفلسطينيين؟ كراهية السلام؟ سوء تفاهم؟ حوارات مستحيلة؟ أكاذيب وخداع؟ سأحاول تتبع بعض الخيوط.
شبه إخفاقات
يسهر اللوبي المؤيد لإسرائيل على الحفاظ على حالة من اللبس والغموض. وقد نجح من خلال تحويل أي انتقاد للسياسة الإسرائيلية إلى معاداة للسامية في تقوية نادي المعجبين الخاص به، بل وحقّق بعض التنازلات والعديد من حالات الصمت. “جبناء! لو كنتم تعلمون!”، هكذا قال المسؤول المنتخب لمدينة كبيرة بامتعاض. ومع ذلك، فإن فرنسا، رسميًا على الأقل، لم تتنكر تمامًا لكلمتها. في تموز (يوليو) الماضي، أبلغ رئيس الجمهورية بنيامين نتنياهو بحزم عبر الفيديو بمعارضته لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة “بما يخالف القانون الدولي”. وفي مجلس الشيوخ، أدان وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في نهاية حزيران (يونيو)، مشروع “الضم الذي من شأنه أن يبعدنا بشكل لا رجعة فيه عن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة سياسياً واقتصادياً”. وتصريحٌ صفّق له برتراند هيلبرون، رئيس جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية “بيديه الاثنتين”.
وإضافة إلى ذلك، قام العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي، من بينهم العديد من منتخبي “كتلة تجديد أوروبا” التابعة لـ”الجمهورية إلى الأمام” نداءً ضد الضم أوائل صيف العام 2020. ونجد من بينهم: جيل بوير، المقرب جدًا من رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب؛ والوزيران السابقان باسكال كانفان وناتالي لوازو، المحررة السابقة في مجال السياسة الخارجية في محطة فرانس إنتر الإذاعية؛ وبرنار غيتا (صحفي سابق في الإذاعة نفسها) -أو حتى ستيفان سيجورني، وهو “ماكروني” تاريخي أصبح مرة أخرى، منذ الخريف، مستشارًا سياسيًا في الإليزيه، مع احتفاظه بولايته في البرلمان الأوروبي.
المشكلة هي أنه لا أحد يعلم بكل هذا. ويعود قانون الصمت هذا إلى زمن بعيد. فالحليف الرئيسي للّوبي في فرنسا ليس غضب قلة من المتعصبين على الإنترنت، وإنما صمت أولئك الذين يتوجب عليهم أن يتحدثوا، أو على الأقل يخبروا، ويأتي في مقدمتهم الصحفيون. وهو بحاجة إلى هذا الحليف الثمين، لأن النتائج ليست دائماً بمستوى توقعاته. يقول برتراند هيلبرون: “إنهم أقوياء ومنظمون ويقومون بالكثير من الأعمال التمهيدية، ومع ذلك، فإن جهود حظر حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وأعمال المقاطعة لن تثمر، كما تلاشت المناورات ضد مناهضة الصهيونية، ولم يحقق الموسم الثقافي الفرنسي الإسرائيلي نجاحًا كبيرًا”. وأمام شبه الإخفاقات هذه، قرّر اللوبي الموالي لإسرائيل، الذي يتمتع بموارد مالية كبيرة، أن يذهب في فرنسا إلى السرعة القصوى.
ملاحظة كاتب التحقيق:
طريقة إنجاز التحقيق
كي أتمكن من إنجاز هذا التحقيق، اتصلت بـ73 نائبا من البرلمان ومجلس الشيوخ وعاودت الاتصال بهم مرتين على الأقل. وقد أجابني خمسة نواب بصفة علنية وستجدون ملاحظاتهم ماثلة طوال هذا التحقيق، وأجاب أربعة آخرون مع طلب عدم ذكر أسمائهم. وأبلغني ثمانية نواب من البرلمان ومجلس الشيوخ برفضهم الرد. كما اتصلت أيضا بـ36 شركة من البورصة (أربعة منها ليس لها أي نشاط في إسرائيل) وحوالي 20 شركة أخرى، وقمت أيضا بمعاودة الاتصال بها مرات عدة. وتلقيت أربع حالات رفض ودية، وأجريت ثلاث مقابلات، اثنتان منها مع شرط عدم ذكر اسم الشركة. واتصلت أخيرا بالعشرات من الصحفيين والمثقفين والجامعيين والدبلوماسيين وقادة الأحزاب السياسية والمنتخبين المحليين وأصحاب الأعمال ومسؤولي الجمعيات. وكان القليل منهم هم الذين قبلوا الرد، والعديد منهم رفض بشدة التحدث لـ”مجلة أوريان 21″.
أشكر أولئك الذين وافقوا على تنويري حول موضوعي من دون أفكار مسبقة. وسيتم ذكرهم في متن هذا التحقيق، إضافة إلى أربعة فاعلين أساسيين في هذا الموضوع: فرانسيس كاليفات، رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف)؛ وآري بن سنهوم، مدير عام “إيلنت” فرنسا؛ وآليس غارسيا، المكلفة بالمرافعة في قضية المنظمات غير الحكومية الفرنسية من أجل فلسطين؛ وبرتراند هيلبرون، رئيس جمعية التضامن الفرنسي الفلسطيني. في دولة ديمقراطية، ينبغي أن يكون الرد على أسئلة الصحافة واجبا مدنيا. وهؤلاء وبعض آخر لم يتهربوا، وأنا أشكرهم على ذلك، ولو أن هذا لا يعني تأييدي لهم. ولكن، حسب رأيي، من واجب الصحفي عدم إهمال أي وجهة نظر، مهما كانت.
*JEAN STERN: صحفي سابق بجريدتي “ليبيراسيون” و”لا تريبون”، متعاون مع مجلة منظمة العفو الدولية. نشر في العام 2012 كتاب Les Patrons de la presse nationale, tous mauvais “رؤساء الصحافة الوطنية جميعهم سيئون” (دار “لا فابريك”)؛ وفي 2017، Mirage gay à Tel Aviv “سراب مثلي في تل أبيب”، (دار ليبرتاليا).
المصدر: الغد الأردنية/(مجلة أوريان 21)