نيكو فوروبيوف
بعد حظر “طالبان” الأفيون في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دفع نقص في الهيروين في إستونيا الكيميائيين العاملين في عالم الجريمة إلى البدء في تصنيع الفينتانيل.
بعد المشاهد المذهلة لسقوط كابول، عقد الناطق باسم “طالبان”، ذبيح الله مجاهد، مؤتمراً صحافياً أعلن فيه -إلى جانب الشكوى من طرده من “فيسبوك” (هل أُلغِي حساب طالبان بسبب معتقداتها الإشكالية؟ فليتصل شخص ما بـ[المعلق البريطاني المؤيد لحرية التعبير] توبي يونغ!)- أن أفغانستان ستكون خالية من المخدرات.
وقال “لن يكون هناك إنتاج للمخدرات، ولن يكون هناك تهريب للمخدرات. لقد شاهدنا اليوم فتياننا يتعاطون المخدرات قرب الجدران [وراء الأبواب المغلقة] ؛ لقد أحزنني جداً جداً أن يكون فتياننا مدمنين. لن تعود أفغانستان بعد الآن بلداً يُزرَع فيه الأفيون… سندفع زراعة الأفيون إلى الصفر مجدداً”.
يشير ذبيح الله إلى حظر “طالبان” الأفيون في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في ما بدا واحدة من الحروب الناجحة القليلة التي شُنَّت على المخدرات. فخلال ذلك الوقت، انخفضت المساحة الإجمالية المستخدمة لزراعة الخشخاش (الزهرة التي يُستخرَج منها المخدر) من 82 ألف هكتار إلى ثمانية آلاف هكتار فقط (خضع معظمها لسيطرة أمراء حرب منشقين). وكان صمغ الأفيون المستخرج من هذه الزهور يُكرَّر من ثم ويُعالَج لإنتاج المورفين ثم الهيروين.
وتعد أفغانستان نقطة ساخنة لإنتاج الهيروين منذ الغزو السوفياتي عام 1979، حين بدأ المجاهدون، المدعومون من الاستخبارات الأميركية والباكستانية، بالاتجار بالمخدرات لمساعدة أنفسهم في مقاومة الاحتلال. ومنذ الغزو الذي قادته أميركا عام 2001، حمت الفصائل المؤيدة لـ”طالبان” والمعادية لها معاً حقول الخشخاش، والآن ينتج الريف الفقير والجبلي أكثر من 80 في المئة من إنتاج العالم من الهيروين الذي ينتهي به المطاف في أوردة المدمنين في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء أخرى من آسيا (السوق الأميركية تزود بالمخدرات في شكل رئيس من المكسيك).
وجاء حظر “طالبان” الأفيون آنذاك، كما هي الحال الآن، إذ حاول قادة الحركة تشريع أنفسهم في نظر العالم باعتبارهم ليس مجرد جهاديين بائسين وملتحين بل الحكام الشرعيون للبلاد. لكن في المرة الأخيرة التي حاولوا فيها الأمر، كان ذلك عبارة عن عمل من أعمال الانتحار الاقتصادي. فكثير من الاقتصاد الأفغاني كان يدور حول الأفيون -من المزارعين إلى المهربين إلى ضرائب “طالبان” نفسها- إلى درجة أنهم أضروا بأنفسهم، ما سمح للأميركيين وحلفائهم بالاستيلاء على البلاد خلال أكثر بقليل من شهر.
وكرر البريطانيون والأميركيون جزئياً الأخطاء نفسها. فعام 2001، قال توني بلير إن منع الهيروين الأفغاني من الوصول إلى الشواطئ البريطانية كان أحد الأسباب الرئيسة وراء إرسال قوات لإسقاط “طالبان”. وفي شكل صادم، لم يقرب إرسال هذه القوات في مهام لمكافحة المخدرات بهدف إتلاف الفرصة الوحيدة للمزارعين لكسب العيش إياها إلى قلوب السكان المحليين.
وفي ضوء ذلك، دعم البريطانيون والأميركيون أمراء حرب مروجين للهيروين مقربين منهم في مواجهة “طالبان”، وقُوبِلت زراعة الخشخاش في مناطق محددة بالتسامح. وجاءت الأعوام الأخيرة بابتكارات جديدة: إلى جانب الأفيون، طور صناع المخدرات طريقة جديدة لإنتاج الميثامفيتامين البلوري باستخدام نباتات الإيفيدرا التي تنمو في شكل طبيعي، في حين خفف مزارعو الخشخاش حتى بصمتهم الكربونية باستخدام الطاقة الشمسية (ستشعر [الناشطة البيئية السويدية] غريتا ثونبيرغ بالسعادة).
لذلك فالمخاوف من تحول أفغانستان إلى دولة يعتمد اقتصادها على المخدرات لا أساس لها: هي كذلك بالفعل. ومع تحول الخشخاش في أفغانستان إلى أهم محصول نقدي للبلاد تفوق قيمته بأشواط صادراتها الشرعية، ومورد الرزق الرئيس للمزارعين الذين يزرعونه، سيكون على “طالبان” أن تفكر طويلاً وكثيراً في ما إذا كانت ترغب حقاً في تنفير المزارعين الريفيين الفقراء الذين تزعم أنها تعمل لصالحهم.
لكن فلنفترض أن “طالبان” نجحت في تنظيف كفة عملها وأوقفت أعمال الهيروين. ماذا بعد؟
دخل قطاع الأفيون نفسه إلى أفغانستان لأسباب منها الغزو السوفياتي وحاجة المجاهدين المدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية وباكستان إلى مصدر للمال، لكن الأسباب تشمل أيضاً قمع القطاع في تركيا وإيران وباكستان. فقد زرع المزارعون الأفيون في شكل شرعي في جبال الأناضول حتى عام 1971، حين ضغطت الحكومة الأميركية على تركيا لدفع المزارع شرقاً إلى إيران إلى حين [اندلاع] الثورة الإسلامية عام 1979. ولفترة من ثم ازدهر الخشخاش على الحدود الأفغانية الباكستانية الخارجة عن القانون والخاضعة لسيطرة قبائل البشتون، إلى أن قمعته هناك أيضاً السلطات الباكستانية في منتصف التسعينيات.
ويُعرَف هذا باسم “أثر البالون” [الكرة المطاطية] – إذا ضُغِط على أعمال المخدرات من طرف، تظهر ببساطة على طرف آخر.
وهذا ما حدث مع الكوكايين في أميركا اللاتينية: بعد سقوط رجال مافيا كبار مثل بابلو إسكوبار وتقدم القوات الحكومية في مناطق يسيطر عليها متمردون، انتقلت مزارع الكوكا من كولومبيا إلى بيرو، في حين تولى الاتجار الفعلي مكسيكيون (حيث تستعر حرب مخدرات على نطاق مخيف).
ووفق البيانات الأحدث، تعاني المملكة المتحدة أسوأ مستوى في القارة من الوفيات بسبب المخدرات. فأكثر من أربعة آلاف وخمسمئة بريطاني توفوا بسبب حالات تسمم ذات علاقة بالمخدرات خلال العام الماضي وحده، أي أكثر ممن لقوا حتفهم خلال النزاع بأسره الذي استمر 30 سنة في إيرلندا الشمالية. ولا ينفع شعار “قولوا لا فقط”. فإذا اختفت حقول الخشخاش في أفغانستان، سيظل المدمنون في حاجة إلى عقارهم. ويصعب تحديد المصدر بالضبط، لكن ميانمار (أكبر بلد منتج في العالم سابقاً للهيروين خلال الثمانينيات) شهدت للتو انقلاباً عسكرياً يهدد بإعادتها إلى الأيام القديمة السيئة، في حين يستفيد وادي البقاع اللبناني من قربه أكثر من غيره من أوروبا وكونه بالفعل مصدراً رئيساً للحشيشة (إلى جانب كونه منتجاً للهيروين خلال الثمانينيات).
والسيناريو الآخر أسوأ في شكل جهنمي. تعاني الولايات المتحدة الآن أزمة في مجال الفينتانيل. والفينتانيل، وهو مادة أفيونية صناعية أكثر فاعلية بكثير من الهيروين، يُبَاع في الأغلب باعتباره هيرويناً أو ممزوجاً به. وهذا يولد أزمة على صعيد الجرعات المفرطة، لأن العملاء لا يعرفون قوة المادة التي يتعاطونها، والتي قد لا تكون أجسامهم معتادة عليها. وبحلول عام 2019، نتجت نحو ثلاثة أرباع الوفيات بسبب المواد الأفيونية في أميركا (التي تعاني بالفعل محرقة قياسية في مجال المخدرات) عن تركيبات مثل الفينتانيل. ومن ناحية أخرى في المكسيك، يوقف صناع الفينتانيل مزارعي الخشخاش عن العمل – ويعود السبب من وجهة نظر المتاجر إلى أن الفينتانيل لا يحتاج إلى حقل خشخاش كبير وذي ألوان براقة (يمكن صنعه سراً في مختبر خفي)، وتعني فاعليته الأعلى أنه أسهل على التهريب بسبب عدم اضطرار المتاجر إلى إخفاء الكمية الكبيرة نفسها تحت مقعد سيارته.
بعد حظر “طالبان” الأفيون في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دفع نقص في الهيروين في إستونيا الكيميائيين العاملين في عالم الجريمة إلى البدء في تصنيع الفينتانيل، الذي حل محل الهيروين في مخزونات مروجي المخدرات. وخارج البلد البلطيقي الصغير، تمكنت أوروبا إلى حد كبير من تجنب أزمة الفينتانيل، لأسباب منها إمدادنا الجيد بالهيروين الأفغاني. لكن هذا الإمداد يجف، ولن يطول الوقت قبل أن يجد أحد ما بديلاً.
إن الوضع الأفغاني معقد لكن ثمة شيئاً واحداً في الأقل يتسم بالوضوح: مهما حصل، لن تتوقف أعمال المخدرات.
*نيكو فوروبيوف مروج وتاجر مخدرات سابق (محكوم عليه) وقد تحول كاتباً، بشهادة من الحكومة، وألف كتاب “دوب وورلد” (عالم مخدر) Dopeworld يتناول فيه تجارة المخدرات العالمية. يمكن متابعته على “تويتر” @Lemmiwinks_III
© The Independent
المصدر: اندبندنت عربية