محمد كانجي
يستعد الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لعقد جولة ثانية من الحوار في ظل الاختبارات الجيوسياسية الجديدة التي أثارها الاقتصاد العالمي وجائحة كورونا قبل نهاية عام 2021.
ومع ذلك، تبدو ظروف الاجتماع، الذي قال “الكرملين” إنه سينعقد اليوم الثلاثاء، غير واعدة مقارنة بالاجتماع الأول الذي عقد في جنيف بتاريخ 16 يونيو/ حزيران الماضي.
لعل الاختلاف الأكثر أهمية بين الاجتماع الأول والثاني المرتقب بين الطرفين هو أن الاجتماع الثاني سيعقد عبر تقنية الفيديو كونفرنس، وليس وجهاً لوجه.
خلال الاجتماع الأول، نوقشت قضايا مثل الاستقرار الاستراتيجي، والسيطرة على الأسلحة النووية، والسياسات المشتركة التي يجب اتباعها ضد الهجمات الإلكترونية، وانتهاكات حقوق الإنسان في سياق الضغط على المعارضة في روسيا، والنزاعات المستمرة على الحدود الشرقية لأوكرانيا.
ولكن خلال الأشهر الخمسة الماضية، تراجعت أهمية بعض هذه العناوين، وتغير محتوى بعضها، وأضيفت عناوين جديدة إلى جدول الأعمال.
غيوم داكنة
في الاجتماع الثاني المقرر بين الزعيمين، تشمل الموضوعات التي سيتم مناقشتها إجراءات تقدم حلف شمال الأطلسي “الناتو” باتجاه الشرق ضد روسيا، والقوة الروسية على الحدود مع أوكرانيا التي قوامها 100 ألف جندي، ونشاطات الناتو المتزايدة في البحر الأسود، والتهديدات غير المتكافئة والمختلطة التي تستهدف الناتو والاتحاد الأوروبي بسلاح الهجرة الجماعية عبر بيلاروسيا، والتهديد بالصواريخ التي تفوق سرعة الصوت.
كما يتوقع مناقشة قضايا، مثل تجارب روسيا على أنظمة الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية في مدار الأرض، وقرار روسيا إنتاج صواريخ S-550 للدفاع الجوي، والتي لم يعرف محتواها بالكامل بعد، والتحالف العسكري الذي يتم بناؤه مع الصين.
كما أن موضوع تحالف “أوكوس” الثلاثي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، سوف يتم طرحه حتمًا من الجانب الروسي حول الخطط “الأنجلو ساكسونية” لإنشاء هياكل مماثلة لهذا التحالف على خط البحر الأسود وبحر البلطيق.
عُقد آخر حوار حول التخطيط للاجتماع الثاني في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بين مستشار الأمن القومي الأمريكى جيك سوليفان، ونظيره الروسى نيكولاى باتروشيف.
وفي اليوم التالي للاجتماع، صرح الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن باتروشيف وسوليفان ناقشا التطورات في أوكرانيا، والوضع على الحدود البيلاروسية، وقضايا الأمن السيبراني.
وشدد بيسكوف على أن هذا الاجتماع يعد “تحضيرا لمحادثات على مستوى أعلى”.
روسيا تثير التوترات بعد محادثات جنيف
تُظهر التطورات التي أعقبت اجتماع جنيف في 16 يونيو الماضي، أن الاجتماع الأول بين بايدن وبوتين تضمن خطوات للتحقق من نوايا كل منهما، إذ تحولت جميع الخطوات التي اتخذت بعد ذلك إلى اختبار يهدف إلى قياس الحدود وتوتر الأعصاب.
كانت أطروحة بوتين القائلة إن “المواطنين الروس والأوكرانيين أمة واحدة”، الواردة في مقال كتب في يوليو الماضي بعد الاجتماع مباشرة، مؤشرًا على موقف موسكو الحازم ضد تقدم الناتو نحو الشرق.
بعد بوتين، اعتلى المنصة هذه المرة دميتري ميدفيديف، الرئيس السابق رئيس الوزراء السابق نائب رئيس مجلس أمن الدولة الروسي حالياً.
ووصف ميدفيديف، في عمود بصحيفة “كوميرسانت” اليومية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أوكرانيا بأنها “دولة ضعيفة تعتمد على أسيادها في البلدان الخارجية، وعلى رؤسائها الأمريكيين”.
وقال: “نحن لا نعقد صفقات مع حكام تابعين”، في إشارة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
عقب ذلك، قامت البحرية الروسية باختبار صواريخ “زيركون” التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي يقال إنها قادرة على الطيران بسرعة أعلى بتسع مرات من سرعة الصوت.
وقامت روسيا بتدمير قمر اصطناعي سوفياتي سابق يدور حول الأرض بسلاح مضاد للأقمار الصناعية، والإعلان عن البدء في إنتاج صواريخ S-550.
كل ذلك يعد من الخطوات الأخرى التي اختبرت الولايات المتحدة في حرب الأعصاب هذه.
وتعتبر صواريخ S-550، التي يُفهم أنها تستخدم ضد الهجمات من الفضاء الخارجي، خطوة جديدة تأخذ بالردع النووي نحو الفضاء، فضلاً عن ضمان السيطرة على الأسلحة النووية بين القوى العظمى.
كما أن إدخال سلاح الهجرة الجماعية عبر بيلاروسيا وإرسال مئة ألف جندي إلى حدود أوكرانيا لم يُتركا من دون رد من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فقد أرسلت الولايات المتحدة 80 طنًا من الذخيرة إلى أوكرانيا، بينما واجهت بيلاروسيا عقوبات جديدة.
وعليه، فإننا نمر بعملية حيث تقوم الأطراف بتحركات جديدة كل أسبوع، أو حتى كل يوم، من شأنها أن تضغط على أعصاب بعضها البعض.
كما أن وقف التمثيل الدائم لروسيا لدى “الناتو” مطلع نوفمبر الماضي، وإغلاق مكتبها، والإعلان عن مغادرة 27 دبلوماسيًا روسيًا من الولايات المتحدة في 30 يناير/ كانون الثاني المقبل، يعد علامات على أن الفجوة بين الطرفين قد تعمقت، وأن أبواب الحوار سيتم تخفيضها.
روسيا والصين تعززان التعاون العسكري
من أكثر القضايا التي دفعت بايدن وفريقه إلى التفكير فيها قبل الاجتماع الثاني هي المذكرة التي تم التوصل إليها في 23 نوفمبر الماضي، بين وزيري دفاع الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية بهدف تحسين العلاقات العسكرية بين البلدين.
وتنص الوثيقة، التي وقعها وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو ووزير الدفاع الصيني وي فنغي، على “زيادة التدريبات الاستراتيجية ونشاطات الدوريات المشتركة لعناصر الجيش” بين الطرفين.
كما أوضح شويغو أن المذكرة التي وقعوها هي إجراء تم اتخاذه ضد نشاطات القوات الجوية الاستراتيجية الأمريكية القادرة على حمل أسلحة نووية مركزة بالقرب من الحدود الروسية.
وتعني مذكرة الدفاع الموقعة بين البلدين أنه بين عامي 2021 و2025، ستظهر العناصر الجوية والبحرية ذات القدرات النووية للجيشين الصيني والروسي بشكل أكبر في بحر الصين الشرقي وبحر اليابان ومنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ.
وأكد محتوى الاجتماع بين بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ عبر تقنية الفيديو كونفرنس في 15 نوفمبر الماضي، الذي تم نشره في الصحافة، أن الطرفين “اتفقا على أن هناك قضايا لا يمكن الاتفاق عليها حتى الآن”، كما أن الخطوات التي اتخذتها الصين بعد هذا الاجتماع تقوّض التوقعات المتفائلة بشأن اجتماع بوتين وبايدن.
يشير المشهد العام بين القوى العظمى الثلاث إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في ممارسة الضغط على روسيا من خلال أوكرانيا باستخدام الناتو، وفي الوقت ذاته على الصين باستخدام تايوان.
الولايات المتحدة تغير النماذج بأيديها
في قلب المنافسة الثلاثية المحتدمة بشكل متزايد، تكمن حقيقة أن الولايات المتحدة قد كسرت النماذج التي بنتها مع منافسيها عند إنهاء الحرب الباردة.
وكانت زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1972 بمثابة نهاية لحربه الباردة من وجهة نظر بكين. فبهذه الزيارة، أنهت واشنطن دعمها لتايوان، بينما بدأت إجراءات الأمم المتحدة التي أدت إلى عضوية دائمة للصين في مجلس الأمن.
كما أدى تحرك نيكسون إلى إلغاء تجريم موسكو، وإضفاء الطابع الرسمي على الفجوة بين الصين والاتحاد السوفييتي الموجود بالفعل في المعسكر الشيوعي.
وفي ما يتعلق بالبعد الأمريكي – السوفييتي للقضية، تعود جذور القضية إلى اجتماعات ميخائيل غورباتشوف، الأمين العام للحزب الشيوعي في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية في ذلك الوقت، مع وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر والمستشار الألماني هيلموت كول في 9 و10 فبراير/ شباط 1990.
فحسب ادعاءات غورباتشوف والكرملين أن الولايات المتحدة وألمانيا الفيدرالية تلقيا وعودًا في هذه المفاوضات بأن “الناتو” لن ينتشر شرقًا.
ومع ذلك، مع قبول ثلاثة أعضاء سابقين في حلف وارسو (بولندا وجمهورية تشيكيا والمجر) لعضوية الناتو عام 1999، فإن هذا الوعد، بناءً على مطالبة غورباتشوف، لم يعد ساريًا أيضًا.
فكان رد الكرملين على هذه الخطوة، حينها، هو ترقية مدير جهاز الأمن الفيدرالي (FSB) آنذاك، فلاديمير بوتين، لأول مرة إلى منصب رئيس الوزراء في أغسطس/ آب 1999، ثم إلى رئاسة الدولة عشية رأس السنة الجديدة بعد استقالة مفاجئة للرئيس بوريس يلتسين في ذلك الوقت.
إن حقيقة قيام الولايات المتحدة بتفكيك النماذج التي أنهت الحروب الباردة على الجبهتين، وبمبادرتها الخاصة، جعلت العالم على شفا “الحرب الباردة الثانية”، وفقًا للبعض.
ووفقًا لآخرين، فقد تم تجاوز هذه العتبة بالفعل. فالمجتمع الدولي – الذي تم اختباره من خلال أزمات تمثلت في الإمداد والطاقة وآثار وباء كورونا – سوف يسافر مثل راكب طائرة يتقلب بين الاضطرابات الجوية (مطبات) في عملية خلق توازنات جديدة بين القوى العظمى قبل فرصة خلع حزامه.
وستكون التوقعات الأكثر تفاؤلاً حول قمة بايدن – بوتين هي أن القادة الذين من الواضح أنهم غير قادرين على التوصل إلى حل وسط، سوف يوازنون المسار من خلال وضع قواعد الحرب الباردة الجديدة.
المصدر: الأناضول/القدس العربي